أحدث الأخبارالعراق

الزعامات العراقية وحالة التفلسف….

العصر-لا يختلف اثنان ان لكل ساحة ومجال متبنياتها الفكرية والثقافية ومرجعياته المعرفية، لكن ما يجري في العراق عملية تسطيح وتداخل عجائبي بين الساحات والتخصصات، تجد الفرد العراقي يدعي الوعي والفهم في اغلب المجالات والتخصصات، وخير دليل على ذلك مجالسنا الاجتماعية، مجرد ان تطرح فكرة طبية او سياسية او اقتصادية او ثقافية، تنتاب الجميع حالة من الهلع يشوبها التفلسف.
المشكلة أن الجميع يعتقد أنه يدرك كل شيء ولا يفوته شيء.
قيل: ( ان الشرقيين يتحدثون في كل شيء ولا يقرأون شيء) هذه الحالة المرضية اصيب بها المجتمع دون وعي جراء الظروف والتحولات التي عاشها العراق خلال قرن او قرنين من الزمن.
ربما انتقلت هذه العدوى الى الزعامات في العراق، لانهم جزء لا يتجزأ من المجتمع، فباتوا يتفلسفون في القضايا الدينية والاجتماعية والسياسية دون ارضية معرفية واقعية، لان هذه الزعامات وجراء تصديها للمشهد السياسي صارت تعتقد أنها ولي أمر المواطنين، وراحت تزج نفسها في كل الملفات دون حرج او مقدمات.



بعض هذه الزعامات مقدماتها المعرفية والفكرية متواضعة، ولم تجهد نفسها التعلم واكتساب المعارف، وتعيش ازمة القيادة، لانها لا تفرق بين الساحات وادوارها.
لم تكتسب تحصيلا دراسيا كافيا، ولم تكلف نفسها عناء البحث العلمي وتطوير مشاربها الثقافية، وليس ببعيد أنها تعيش حالة الجهل المركب، فهي جاهلة لكل ما للكلمة من معنى ولا تدري بأنها جاهلة.
ربما احد اسباب هذا التورم للذات هو المجتمع البسيط الذي صنعوه، فما عاد للنخبة أثر وسط هذه الفوضى القيمية والثقافية.
كما أن من العوامل التي اسهمت في انتاج هذه الشخصيات الحواشي ودورها المدمر للشخصية القيادية.
كانت وما زالت الحواشي فيروسات تحيط بالشخصيات ذات التأثير، لانها توهم صاحبها وتغدق عليه الالقاب والصفات دون وجه حق، فهي الحاكم على منظور هذه الزعامات وتوجهاتها.



وبما أن العراق لا يحوي قيادة دينية متصدية للمشهد تملك متبنيات فقهية وعلمية وثقافية راسخة ومقتدرة، في الوقت الذي انزوت النخبة عن التصدي، تركت الساحات لكل من هب ودب، وصار الجميع لديه القدرة على التفلسف وانتاج الافكار ، ولم يعد العراق بحاجة الى قادة وعلماء يتبنون التنظير للحراك السياسي والاجتماعي، لان الزعامات باتت تجتهد في كل شيء ولا تحتاج الى شيء، وبخلاف كل الامم والمجتمعات التي يقودها العلماء والفلاسفة والنخب، يبقى العراق حبيس الزعامات المتواضعة في اطروحاتها والعلماء المنزوين في كهوفهم والنخبة التي لا تجد من يسمعها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى