أحدث الأخبارسورياشؤون آسيوية

الزلزال السوري والتركي فضح إنسانية الغرب المزيفة

لندن – دكتور أحـمـد الـزين

العصر- شاع منذ عقود في عيون البشر عن إنسانية الغرب المتحضر، ودفاعه عن حقوق الإنسان والمراة، وحقوق الحيوان، التي انبهر بها المتغرّبون الساذجون. وها هو الغرب لا يكلُّ ولا يملُّ من حديثه عن وحشيَّة النازية والفاشية ووصف المسلمين والعرب وسكان وانظمة العالم الثالث بالهمجية والوحشية والقسوة والتخلف والرجعية والإرهاب.. حتى جاء الزلزال السوري والتركي الذي فضح إنسانية الغرب المزيفة أكثر وأكثر، وعرّى زيف إدعاءاتهم الكاذبة، وكشف النفاق الغربي وشعاراتهم المخادعة وإعلامهم ولسانهم التضليلي.. وأسقط أيضا قيم ومبادىء “الحضارة الغربية” التي يتشدقون بها ليلا نهارا..
من التاريخ القديم، انظر، مثلا، إلى كمِّ القتل والدمار الهائل والوحشية عندما سعى الإنسان الغربي والاوروبي لينشر حضارته ومدنيته وإنسانيته في العالم الجديد.. فقد قتل ما يقارب مئتين مليون إنسان من الهنود الحمر – السكان الاصليين – في أمريكا واستراليا.. حيث أقدم الغرب على إباداتهم وسرقة اراضيهم وممتلكاتهم وحلوا محلهم!! وتشهد الوقائع التاريخية بما قام به الانسان الغربي هناك من إبادة جماعية لشعوب وأمم بأكملها بانه إنسان قاتل متوحِّش قاسٍ متعطِّش للدماء بذريعة نشر ثقافة التحضر والمدنية.. أذن، هكذا تكون إنسانية وثقافة الغرب بالإبادة الجماعية، واستئصال الاقوام وسحق الأمم، وقتل الملايين من البشر.
ومن التاريخ الحديث، يكفي دليلاً ما حدث في العراق أمام عدسات الكاميرات والشاسات من تدمير ممنهج للبنى التحية والجيش والدولة وقتل لاكثر من مليون إنسان والانتهاكات الجسيمة في سجن أبي غريب وغيرها من اغتصاب للنساء والرجال ووسائل التعذيب البشعة، بذريعة وجود أسلحة الدمار الشامل. والانكى من ذلك، ما قام به الجنود الأمريكيون المتحضِّرون أنفسهم الذين وثَّقوا بالصور والفيديوهات هذه الانتهاكات لحقوق الانسان، ثم صرّحوا بكل وقاحة وسفالة بانهم آسفين أخطأنا، واعترفوا بانهم كانوا يكذبون ولم يكن هناك أسلحة دمار شامل!!



كما ان إنسانية الغرب المخادعة كانت تعمل دوما على تُغيب وحشية الاحتلال والعدوان “الإسرائيلي” على الشعب الفلسطيني، وتغطية جرائمهم المتكررة في القدس وجنين ونابلس والضفة وغزة، وآخرها قبل أمس حرق منازل وسيارات في اعتداءات وحشية من قبل المستوطنين الصهاينة في بلدة زعترة وحوارة بالضفة، ونكران حقيقة بأن فلسطين أرض ووطن مُغتصب وشعبها مشرد، و”إسرائيل” مُغتصبة. هكذا يُكتب التاريخ في الغرب وأميركا بتزوير الحقائق! وهذه هي إنسانية الغرب القائمة على طمس الحقيقة وتلميع صورة “إسرائيل” وحشو عقول ووجدان الغرب بمعلومات ناقصة ومزورة ومتناقضة تحت شعار الديموقراطية والحرية والانسانية. هكذا، نكتشف مجددا بان انسانية الغرب ليست كاملة بل منقوصة ومشوهة وكاذبة، تحمل في طياتها العنصرية البغيضة.. وعلى المهتمين بأمانة نقل التاريخ وبصدق والمدافعين عن الانسانية الحقة، ان ينصفوا القضية الفلسطينية وشعبها في حق الوجود وحق استرداد ارضهم من المحتل. وكفى انبهارا بانسايية الغرب المنافقة المنحازة الى الجلاد والظالم على حساب الضحية والمظلوم!!
ومن الفطرة ومنطق العقل والانسانية هو عندما يحدث الزلزال او الكوارث الطبيعية لمجتمع او دولة ما، ان تتوحد فورا جميع بني البشر وتتكاتف وتتكامل وتتسابق لتظهر أروع صور الأنسانية والمساعدة في الانقاذ وتقديم العون والإغاثة، وأروع ملاحم التضامن والأخاء والمحبة حيث تسقط كل الأعراق والأديان والأثنيات والسياسات.. ويسارع أهل الخير في بذل العطاء والتبرعات والتطوع لتخطي تداعيات الكارثة وتخفيف الآلام والجراج للمنكوبين والمصابين..
فالأنسانية الحقة لا تتجزأ ولا تسيّس، وتؤمن بأن الأنسان هو أخ الأنسان، بدون تمييز بين أبيض أو أسود، ولا عربي او عجمي، ولا تفرّق بين دولة واخرى، ولا دين وآخر، ولا قومية واخرى.. فالبشر متساوون وكلهم سواسية كأسنان المشط ليس لأحد على أحد فضل إلا بتقوى الله، كما يقول نبي الانسانية محمد (صلى الله عليه وآله).
ولكن عندما ضرب الزلزال المدمر مناطق سوريا وتركيا، وذهب ضحيته ما يقارب خمسين ألف إنسان وملايين البشر من الجرحى والمتضررين والمشردين في كلا البلدين، لم تهتم امريكا وحلفاؤها الغربيين بالجانب الانساني ولم يبادروا الى المساعدة والانقاذ، وأصروا على إبقاء الحصار وقانون “قيصر” المفروض ظلما على سوريا خلال الحرب الكونية عليها بالوكالة من قبل امريكا وأذنابها “داعش” واخواتها، واستغلوا “التداعيات الانسانية” من نقص المعدات والامكانيات الخاصة بالكوارث، مع قلة الغذاء والماء والمأوى والدواء.. وأصروا على استمرار العقوبات وإلى تحويل السياسة من “غير إنسانية” إلى سياسة “إجرامية قاتلة”.
وقد اختبرنا أول رد الفعل الأول لوزارة الخارجية الأمريكية تمثل في مضاعفة سياسة العقوبات، حتى أن المتحدث باسمها “نيد برايس” رفض إمكانية رفعها بحجة أنه ذلك سيأتي “بنتائج عكسية”، باعتبار ان “رفع العقوبات يتطلب الاعتراف بحكومة الرئيس الأسد، وهذا بدوره سيكون بمثابة اعتراف بالهزيمة في معركة الإطاحة به.
لذلك فان المزاعم الغربية بالتدخل الإنساني في زمن الكوارث كذب ورياء ونفاق، وأن العقوبات التي تفرض على الشعب السوري ليست سوى شكل من أشكال العقاب الجماعي غير الانساني وغير القانوني.. فالذين يعانون من تداعيات الزلزال هم الشعب السوري نفسه الذين يدعي الغرب السعي لإنقاذهم وتحريرهم من النظام، وكلها إدعاءات كاذبة ومضللة. فقد تطلب وقوع الزلزال السوري كدليل آخر ليفضح إنسانية الغرب وتوحشه وبربريته.. وبرهنت انها إنسانية انتقائية، وأن الغرب يفتقد إلى القيم والموضوعية والعقلانية والاخلاق.. حيث ينتهج سياسة المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين خدمة لمصالحه الاستعمارية ومنافعه الاقتصادية.. وهذا السلوك الغربي المتذبذب لن يؤدي أبدًا إلى نتائج الإنسانية الحقة المتوخاة بل الى المزيد من القهر والظلم والطغيان والاستبداد.



والدليل على تجرد الغرب من الإنسانية والاخلاق، أنظر ما قاله الجنرال الامريكي ريتشارد بلاك في مقابلة مع مجلة تابعة لمعهد شيلر، نقلا ما أشار إليه جون كيري، الذي كان وزير الخارجية آنذاك، فقد خاب أمله من جراء الانتصار الكبير للقوات المسلحة السورية على القاعدة وداعش الارهابيتين. فقال “إن من المحتمل أن ننتقل إلى الخطة (ب) التي تتكون من مهمة استيلاء الأميركيين على الجزء الشمالي من سوريا لانها منطقة إنتاج القمح سلة الخبز للشعب السوري بأكمله، وامريكا أرادت أن تستولي على القمح لإحداث مجاعة بين السكان. ثم قامت امريكا بالاستيلاء على معظم حقول النفط والغاز في تلك المنطقة، بهدف سرقتهما وشل شبكة النقل حتى يتجمد السكان المدنيين من البرد والصقيع حتى الموت، خلال فصول الشتاء”.
اذن، هذه هي إنسانية الغرب القاتلة تتجسد في تنفيذ امريكا سياسة الخطة “ب” من أجل تجويع الشعب السوري وتجميده من البرد حتى الموت، هذا ما اعترف به المسؤول الامريكي كيري. ترى أي وحشية هذه وأي عنصرية واي إجرام وأي نفاق في خطاب وسلوك الحكومات الغربية!! وكأننا لا نزال نعيش في زمن العصور الوسطى المظلمة المتوحشة!
قارن – أيها القارىء – بين إنسانية الغرب وإنسانية مبعث سيّد الكائنات محمد (ص)، نبي الرحمة والانسانية والّذي كانت رسالته ودعوته لتحرّير الإنسان يالفعل وقيّوميّته واستكمال أنسنته، ونقله من دجى الظلمات الى نور الهداية والعبادة. وكان له فضل كبير على الإنسانية جمعاء، في نشر قيم السماء والتسامح والتعايش والتعاون والتراحم، وفي بناء المجتمع الحضاري وإنسان الحضارة، بإخراجه من جور الأديان المحرّفة وظلم الحكام العتاة المتفرعنة والمستكبرة إلى عدالة وإنسانية الإسلام المحمدي الاصيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى