السعودية تكتب تاريخاً جديداً مع مرور الطائرة الاسرائيلية
مجلة تحليلات العصر / الوقت
لم تعد تستطيع السعودية التخفي خلف اصبعها، فالأمور جميعها أصبحت مكشوفة. في الحقيقة هي كانت واضحة في السابق ولكن لم يكن شيء علني يحصل بين اسرائيل والسعودية، لقاءات خلف الكواليس وزيارات سرية، كان العدو الصهيوني يدأب على تسريبها لكونها تشكل نقاط قوة له وانتصار أمام الرأي العام الاسرائيلي، على اعتبار ان اللقاء يجري مع دولة بحجم السعودية وليس البحرين، فالسعودية لديها مكة والمدينة المنورة وملك السعودية يعتبر خادم الحرمين الشريفين، إذاً للمملكة مكانة خاصة لدى غالبية المسلمين في جميع انحاء العالم، لذلك فإن جرها نحو التطبيع وقيامها به، سيحدث انقلابا في العالم الاسلامي لم يشهده من قبل، لأن السعودية بهذه الحالة سوف تغير جميع المفاهيم والحقائق والاعراف وستكون السبب الرئيس في احداث شرخ بين الدول العربية والاسلامية، وان كانت تعتقد أنها رابحة من المعادلة الجديدة ستكون واهمة، وسيخبرها المستقبل القريب، ماذا يعني تطبيع العلاقات مع الصهيوني وماذا يعني السماح لطائراته بالتحليق فوق مكة والمدينة المنورة.
في الأمس 1 كانون الأول 2002، انطلقت أول رحلة تجارية لشركة طيران إسرائيلية إلى دولة الإمارات، عبر أجواء المملكة العربية السعودية، بعد تراجع الرياض في موقفها بعدم السماح لطائرات إسرائيلية بالمرور عبر سمائها. الطائرة التابعة لشركة “إسرائير” غادرت مطار بن غوريون الدولي، قرب تل أبيب، وعلى متنها عدد لم يتم تحديده من السياح الإسرائيليين، في طريقها إلى إمارة دبي.
حساب “إسرائيل بالعربية” على موقع تويتر، المدار من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية، قال في تغريدة أرفقها بصورة من داخل طائرة: “لحظات تاريخية، أول رحلة تجارية في التاريخ إلى دبي”، حيث تستغرق الرحلة ساعتين وخمسين دقيقة.
وإضافة إلى الشركات الإسرائيلية، فإن شركة “فلاي دبي” الإماراتية تسيّر رحلتين يومياً بين إسرائيل والإمارات، فيما أعلنت شركة الاتحاد للطيران الإماراتية أنها ستبدأ في تسيير 24 رحلة أسبوعياً بدءاً من شهر آذار المقبل، ويأتي سماح السعودية للطائرات الإسرائيلية بالعبور من أجواء المملكة، بعد نحو أسبوع من حديث راديو الجيش الإسرائيلي عن لقاء سري جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مدينة نيوم، وهو ما نفته الرياض.
يقال ان نفي الرياض جاء نتيجة خلافات داخلية بين العائلة المالكة وتحديدا بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والملك سلمان بن عبد العزيز، ونعتقد أن هذه التسريبات وان عدم موافقة الملك على كل ما يجري والتزامه بمادرة السلام العربية، ما هو الا مجرد محاولة لجس نبض الشارع العربي والاسلامي، والا ماذا يعني السماح للطائرات الاسرائيلية بالتحليق فوق اجواء المملكة، الا يعتبر ذلك خرقا لمبادرة السلام العربية، أين الملك سلمان لماذا لم يخرج ويمنع هذه الطائرات الاسرائيلية من التحليق فوق اراضي بلاده، لماذا يصمت؟، ولماذا يسمح لنتنياهو بزيارة اراضي المملكة؟، واذا كان يرفض لكنه لايستطيع أن يقف في وجه الامريكي وما يطلبه منه، اذا السعودية لا تملك قرارا مستقلا.
الأهم مما سبق، انه لايمكن للامارات والبحرين ان تقدما على تطبيع مع العدو الاسرائيلي، إن لم تكونا قد حصلتا على اذن سعودي، لأن التطبيع مع اسرائيل من قبل هاتين الدولتين سوف يحرج المملكة ويحاصرها، ولكن ما يبدو واضحا ان المملكة تريد ان تكون هذه الدول في المقدمة، لضبط الشارع العربي ومعرفة ما هي ردة فعله ازاء ما يجري، والمقلق أن هذه الدول اختارت اكثر توقيت تعاني فيه الدول العربية من زعرعة بالامن والاستقرار وتواجه انقساما لم تشهد على طول التاريخ.
مبادرة السلام العربية
السعودية تدعي أنها متمسكة بمبادرة السلام العربية، لكنها لم نراها تقدم على اي خطوة من شأنها دعم هذه المبادرة او اعادتها الواجهة، كل ما يجري هو “شو اعلامي” لا اكثر ولا اقل، وخاصة ان المملكة اطلقت ذبابها الالكتروني وحرسها القديم لتشويه صورة الفلسطينيين ووصفهم بأنهم ناكرو الجميل، والغريب ان هؤلاء لم يوجهوا اي اتهامات لاسرائيل بل قالوا ان من حق شعبها ان يعيش بأمان، مع العلم ان اسرائيل تدمر الشعوب العربية وتفخر بذلك، وتحتل اراضيهم وتقتل الشعب الفلسطيني بشكل يومي، واذا بحثت عن اسباب تطبيع هذه الدول مع الاسرائيلي ستكتشف أن هناك سببا واحدا، أنها دول تابعة لا تملك قرارها المستقل، لذلك هي مجبورة فقط ان تنفذ أوامر اسيادها، فهي بالأساس امارة أو مملكة وبالتالي الحاكم فيها غير منتخب من قبل الشعب ولذلك عليه ان يطيع من وضعه في المكان الذي يحتله اليوم.
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يعلم هذه المعادلة جيداً، ويعتقد ان تنفيذ تعليمات صهر الرئيس الامريكي جاريد كوشنر عراب صفقة القرن ستكون هي المفتاح لوصوله للعرش، ولكن ليكن على يقين ان ذلك لن يحصل، فالسعودة نفذت كل ما طلبته منها واشنطن، بالمقابل لم تحصل على اي ميزة، فهي تقدم آتاوات فقط لبقائها في السلطة، ومن الغباء ان يراهن ابن سلمان على كوشنر وهو سيكون خارج السلطة بعد 6 اسابيع وبالتالي لن يكون له اي تأثير في السياسة الخارجية الامريكية، وفي حال أعطى ابن سلمان تطمينات لكوشنر فيما يخص صفقة القرن أو التطبيع مع اسرائيل سيندم على ذلك طيلة عمره.
ما يعلن اليوم ان زيارة كوشنر الى السعودية جاءت من اجل انهاء الخلاف الخليجي، ولكن هذا الكلام كذب محض، اين كان كوشنر طيلة سنوات الازمة الخليجية، لماذا لم يحل هذه الازمة قبل سنة واو سنتين او ثلاثة، هل يعقل ان يحل هذا الخلاف قبل ايام من رحيله، إذا هناك اسباب أخرى، تتعلق بمصالح كوشنر الشخصية وكذلك ترامب، والاهم ممارسة اكبر ضغط ممكن على ايران قبل رحيل ترامب، الذي فشل في دفع ايران نحو الاستسلام او الرضوخ، وها هو اليوم يذهب وايران لا تزال ثابتة على مواقفها، اذ ادرك ترامب ان العبث مع ايران ليس بالامر السهل، لذلك يحاول ان يقطف ثمار ضغطه على ايران من خلال ممارسة خروقات امنية هنا وهناك، ولكن هو نفسه يعلم ان ما يقوم به هو فقط بدافع الانتقام والفشل ولن يصل الى اي نتيجة مرجوة، لذلك على ابن سلمان ان يعي ان اي مغامرة يحاول ان يدفعه نحوها كوشنر ستكون كارثية على السعودية كما هو الحال مع مغامرة اليمن والمستنقع الذي صنعه ال سعود وغرقوا فيه.