أحدث الأخبارالعراق

العراق:الشيعة بين الانتماء للدين والوطن تكامل ام تعارض؟. القسم الاول

مركز افق للدراسات والتحليل السياسي

✍🏻جمعة العطواني

العصر-نقرا هذه الايام كما في العقد الماضي، وتحديدا بعد سقوط نظام البعث المقبور وما رافقه من متغيرات حصلت في العراق والمنطقة والعالم، وبخاصة بعد بروز المحور الاسلامي كقوة سياسية وعسكرية وامنية، يمثل الشيعة في منطقة غرب اسيا سنام المواجهة السياسية والامنية والعسكرية فيها.
اشكاليات فكرية وسياسية تطرح في اكثر من مناسبة وبدون مناسبة ايضا، عن ضرورة تحديد الاولويات بالنسبة للشعوب الشيعية في منطقتنا بين انتمائهم لاوطانهم او (تماهيهم) مع دول اخرى على خلفيات مذهبية وسياسية، وما ينتج عن هذا التماهي من تناقض وازدواجية في المواقف وفي الولاءات لاوطانهم.
على سبيل المثال تطرح اشكاليات مثل، كيف يكون الشيعي العراقي وطنيا وهو يدين بالولاء او الانتماء الى مرجعية دينية او سياسية غير عراقية؟.



وكيف تنسجم وطنية العراقي الشيعي وهو (ينفذ) سياسات خارجة عن وطنه؟ .
بل ما موقف الشيعي العراقي اذا تعارضت مواقف مرجعيته الدينية مع الموقف الوطني والرسمي لبلده؟.
اليس في ذلك خلل بالوطنية ؟.
وللجواب على هذه الاشكاليات والشبهات التي تطرح لابد من تحرير محل النزاع اولا بتعريف المصطلح، ثم تفكيك الاشكالات بناءاعلى ذلك التعريف، ورفع الشبهات التي تطرح هنا وهناك.
لانريد ان ندخل في التعريف الللغوي والاصلاحي لمفهوم الشيعي، كون المصطلح او المفهوم واضح في امهات المعاجم، بل وبات بديهيا لابسط الناس، ولكن باختصار وايجاز فان الشيعي هو مصطلح اسلامي يشير الى المسلمين الذين يوالون امير المؤمنين علي عليه السلام واهل بيته المعصومين، ويتبعون نهجهم الاسلامي في الفقه والعقيدة والفكر والسياسة وغيرها.
من هنا فان مصطلح الشيعي: هو ذلك الانسان الذي يتبع الاسلام قولا وعملا، وفق الموازين الشرعية، دون النظر الى الجغرافية او القومية اواي انتماء اخر، هذا من حيث المبدا.
فعند الحديث عن الشيعة في بلدان العالم يجب ان لا نفصلهم عن هذا الانتماء، مهمها كانت انتماءاتهم الثانوية.
للتوضيح اكثر نقرب الفكرة بمثال فقهي.
يفرق الفقهاء بين الماء المطلق والماء المضاف بقولهم: ان الماء المطلق هو السائل الذي يصح اطلاق لفظ الماء عليه دون اضافته الى شيء، مثل الماء الذي نشربه ونغتسل به.
اما الماء المضاف فهوذلك السائل الذي لا يصح لفظ كلمة الماء عليه الا باضافته الى شيء اخر، مثل ماء الرمان او ماء الورد او ماء العنب وهكذا.
والغرض من تقسيم الماء الى مطلق ومضاف هو لاجل تصحيح الاستعمال، فالماء المطلق يصح الوضوء به والغسل وسائر الاستعمالات، بينما الماء المضاف لا يصح الوضوء به او الغسل او ازالة النجاسات، وينفعل بملاقاة النجاسات مهما كانت كميته.



هنا يطرح البعض اشكالا، وهو اننا نطلق احيانا لفظ الماء المطلق باضافته الى اشياء اخرى، مثلا نقول : ماء البحر او ماء النهر او ماء البئر، فلماذا يصح الوضوء به والغسل وهو ماء مضاف ايضا؟.
يجيب الفقهاء ان اضافة البحر والنهر والبئر على الماء المطلق هو للتعيين وليس لتصحيح الاستعمال، بمعنى لا توجد اثار عملية على تلك الاضافةن ولا تغير حقيقة الماء المطلق من اطلاقه الى اضافته.
من هذا المثال نريد القول ان استعمال مصطلح مثل: شيعة العراق، وشيعة لبنان، وشيعة نجد والحجاز، وهكذا اليمن وباكستان، باضافة مصطلح الشيعة الى تلك البلدان هو للتعيين لا لتصحيح الاستعمال، بمعنى لا توجد لوازم فقهية او اثار شرعية تعطي خصوصية او مائز فقهي او فكري او حتى سياسي ( اسلامي) تميز بين هؤلاء الشيعة على اساس جغرافي او مناطقي او قومي، بل هي للتعيين وليس لتصحيح الاستعمال.
وقد اوضح الله تعالى هذا المفهوم بشكل واضح في قوله ( انا جعلناكم شعوبا وقائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم)، فتقسيم الناس الى شعوب وقبائل هو للتعيين وليس لوجود احكام اسلامية خاصة بكل قبيلة او شعب دون غيره.
بالنتجية المعيار في عمل الشيعة هو معيار فقهي عقائدي اسلامي، بمعنى ان المفاهيم القرانية هي التي تحكم مواقف الشيعة هنا او هناك، وليس المفاهيم السياسية المعاصرة، فالله لا يحاسبنا مثلا على مواقفنا من القانون الدولي اذا خالفناه كونه يتعارض مع ديننا، بل من المؤكد سيحاسبنا الله تعالى على عدم مخالفتنا للقانون الدولي اذا كان يتعارض مع ديننا الحنيف.
وكذلك لا يدخل الشيعي العراقي النار لانه رفض تشريعا، او لم يلتزم بتشريع يخالف ثوابت الدين وهكذا الشيعي الحجازي واليماني واللبناني.
لا نستغرب من طرح اشكال من النخب الكتاب العلمانيين وقد يكون هذا الاشكال مقبولا منهم ، كونهم لديهم معايير للوطنية لا ترتبط بالدين جملة وتفصيلا، فالوطني في نظر العلماني هو ذلك المواطن الذي يلتزم بقانون تشرعه الدولة، وان كان مثل المثلية الجنسية، نعم قد يعارضه لاول وهله، لكن بعد اقراره يجب الالتزام به.
كما ان الوطنية في نظره هو انك تدافع عن بلادك ضمن حدودك الجغرافية التي قسمها الاستعمار الغربي في بداية القرن الماضي، وان تعارضت مع الدين، لان الدين غير منظور اليه في منظار العلماني، كما هي الاخلاق والقيم الاجتماعية الاخرى لا ينظر اليها من منظار ديني وانما من منظار سياسي فحسب.
لكن الغريب في الامر اننا نسمع هذه الاشكاليات تطرح على الشيعي العراقي او اللبناني او غيرهما من كتاب ونخب شيعية متدينة( مؤمنة)، وهذا الطرح يرجع عليهم ويولد اشكال فقهي او عقائدي عليهم قبل الاشكال السياسي على الشيعي في اي بلد مسلم.
فالازدواجية هي التي يعيشها الشيعي المثقف النخبوي الذي يحمل هوية شيعية وينتهج نهجا متدينا ومتفقها لكنه يطرح مثل هكذا اشكالات، فيجب ان يعاد النظر بالاشكالات التي تطرح على الشيعي الملتزم بفقه الاسلام العابر لاي هويات ثانوية ويامرنا بالالتزام بالاحكام الاسلامية من زاوية ( ان جعلناكم شعوبا وقابائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم) ، فخلقنا شعوبا وقبائل هو للتعيين وليس لتصحيح الاستعمال كما اسلفنا، والمعيار الحقيقي في الانتماء هو ( ان اكرمكم عند الله اتقاكم).



وهنا تتغير طرح الاشكاليات وتوجه الى المثقف المتدين المؤمن الشيعي، ونقول له انك تعيش تناقض واضح بين انتمائك لدينك وانتمائك لفكرعلماني، وعليك اولا تحديد انتمائك الذي على ضوئه تصحح استعمال المفاهيم والمصطلحات .
يتبع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى