الصمّاد مؤسس الدولة المــدنيـــة
مجلة تحليلات العصر الدولية - د. أحمد راسم النفيس / مجلة يمن ثبات
بتاريخ 22 أبريل سنة 2018م قامت مُسيّرة إماراتية- حسب إحدى الروايات- أو أمريكية على الأرجح باغتيال رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن الرئيس «صالح الصماد» في أثناء تفقده إحدى ورش التصنيع العسكري في محافظة الحديدة.
من ناحية، فإن استهداف شخصية سياسية بهذا الوزن يمكن أن يسبب هزة تؤدي لتفكك الكيان السياسي الكائن تحت إمرته، وهو ما حدث لكثير من الجماعات الإرهابية في سوريا، إلا أن تماسك تنظيم «أنصار الله»، والسرعة التي تمكنت خلالها الجماعة من إحلال قيادي يملأ الفراغ يعني أن البعد العقائدي الذي جمع بين المنتمين لهذا التيار أقوى مما يتخيل أعداء أنصار الله بكثير، كما أن سرعة التماسك تشير إلى جماعية القيادة، وأنها لا تقوم على عاتق فرد بمفرده.
تعرضت الجماعة لضربة قاسية في بداياتها؛ إذ حوصرت، وقتل القائد المؤسس «حسين بدر الدين الحوثي» عام 2004م، وعلى الرغم من ذلك فقد تمكنت من البقاء، واستعادت تماسكها؛ مما يعني أنها كانت ولا زالت عصية على التفكك والزوال، مهما كان حجم الضربات التي وجهت إليها.
تجربة مشابهة تعرض لها «حزب الله» في لبنان عندما تعرض أمينه العام السيد «عباس الموسوي» للاغتيال على يد العدو الصهيوني بطريقة لا تختلف كثيرا عن طريقة استشهاد الرئيس «صالح الصماد»، وعلى الرغم من ذلك فقد بقي الحزب ونما وترعرع؛ مما يؤكد أن دماء الشهداء عامل ازدهار ونمو وتلاحم الحركة، وأن هذا النوع من الإجرام يثبت مصداقية أبنائها، ويحفز فيهم قدرة الصبر والمواجهة؛ لأنهم لم يجتمعوا تحت هذه الراية من أجل الدنيا أو المنصب والجاه.
الظاهر لنا أن من اتخذ قرار الاغتيال يفترض غياب القائد البديل القادر على إدارة شؤون الدولة، ومن ثم يصبح قرارا طائشا حينما يظهر على الفور أن البديل جاهز وقادر على القيام بالمهمة، خاصة في ظل التماسك الوطني والعقائدي الذي برز واضحا في الساحة اليمنية عقب تلك الجريمة النكراء.
منذ أمدٍ كنا ننتظر ظهور هذا الجيل الجديد الذي يحمل راية التغيير؛ فهُم الثروة الحقيقية للأمة وهم رجال الله وكنزها الحقيقي.
الثروة الحقيقية لهذه الأمة هم هؤلاء الرجال المضحون بكل غالٍ ونفيس قولا وعملا، وليست براميل النفط أو تلك الدولارات المكنوزة في بنوك الاستكبار العالمي، والتي يجري توظيفها لخدمة الصهيونية، والتي يعد تسليمها للمجرمين الكبار شرطا أساسيا لبقاء حفنة الأوغاد من أمثال «ابن زايد» و»ابن سلمان» خدام الشيطان على عروشهم.
وكما يقول الإمام علي بن أبي طالب- عليه السلام-: (أَلَا وَفِي غَدٍ وَسَيَأْتِي غَدٌ بِمَا لَا تَعْرِفُونَ يَأْخُذُ الْوَالِي مِنْ غَيْرِهَا عُمَّالَهَا عَلَى مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا، وَتُخْرِجُ لَهُ الْأَرْضُ أَفَالِيذَ كَبِدِهَا، وَتُلْقِي إِلَيْهِ سِلْماً مَقَالِيدَهَا، فَيُرِيكُمْ كَيْفَ عَدْلُ السِّيرَةِ، وَيُحْيِي مَيِّتَ الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ).
استشهد «صالح الصماد» إذن، لكن النتيجة لم تكن لصالح التحالف الصهيوني؛ فقد أثبت ذلك الحدث أن الحركة حركة معطاءة قادرة على إيجاد البديل، كما أن ظهور هذه الحركة جاء في لحظة عطش تاريخية وبحث عن بديل (قَدْ طَلَعَ طَالِعٌ، وَلَمَعَ لَامِعٌ، وَلَاحَ لَائِحٌ، وَاعْتَدَلَ مَائِلٌ، وَاسْتَبْدَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ قَوْماً، وَبِيَوْمٍ يَوْماً، وَانْتَظَرْنَا الْغِيَرَ انْتِظَارَ الْمُجْدِبِ الْمَطَرَ). علي بن أبي طالب عليه السلام.