أحدث الأخباراليمن

العرس الهاشمي والنموذج الأردأ لبني هاشم

محمد حسن زيد

العصر-“ابتلينا في اليمن بالنسخة الأردأ والأسوأ من بني هاشم” هذا هو تعليق أحد الصحفيين اليمنيين على صورة لأمراء وأميرات بني هاشم في الأردن يوم العرس الملكي الهاشمي حيث أعلنت الحكومة عطلة رسمية بمناسبة زفاف ولي العهد، وأقام الملك الهاشمي مأدبة عشاء لآلاف الأردنيين بمناسبة زفاف ولي عهده، فيما توافد الضيوف من خارج البلاد للمشاركة في مراسم حفل الاستقبال، وبثَّ التلفزيونُ الرسمي فقرات مأدبة العشاء وما صاحبها من عروض مختلفة وفقرات غنائية، وأهدى العاهلُ الاردني نجلَه الأميرَ “السيفَ الهاشمي”، لافتاً بأنه “رمز العدل والدفاع عن الوطن” وقد بدأ الضيوف رفيعو المستوى بالوصول إلى العاصمة الأردنية لحضور العرس إذ يحضره قادة دول وأولياء عهد وشخصيات رسمية من دول أخرى كالسيدة الأولى للولايات المتحدة الأمريكية زوجة الرئيس جو بايدن إلى جانب ملك هولندا فيليم ألكساندر والملكة ماكسيما ووريثة العرش الهولندي كاترينا أماليا ومن بين الحضور كذلك الأميرة فيكتوريا وريثة عرش السويد وزوجها الأمير دانيال كما تأكد حضور الأميرة اليابانية هيساكو من تاكامادو وابنتها الكبرى الأميرة تسوجوكو وولي عهد النرويج الأمير هاكون.



هذا الحدث وتعليق الصحفي اليمني عليه هو تلخيصٌ لجوهر الجدل الدائر حاليا في ذهن البعض، فالمشكلة لم تكن في تعظيم بني هاشم ولا في نظام الحكم الملكي الوراثي السلالي بل المشكلة يراها هؤلاء في “الأيديولوجية الإسلامية” وفي “الدولة الدينية” وفي “النموذج الملتزم أو المتطرف”..
فالهاشمي الرافض للتماهي مع الثقافة الغربية في حياته وعقله وسلوكه وقيمه ومجتمعه يتم تقديمه باعتباره نسخة مكروهة إعلاميا منبوذة اجتماعيا متطرفةً سياسيا، بينما الهاشمي المتماهي مع الثقافة الغربية في حياته وعقله وسلوكه وقيمه يتم تقديمه باعتباره نسخة محبوبة إعلاميا ولامعة اجتماعيا ومعتدلة سياسيا (وعادة ما يكون مثل هؤلاء الهواشم صهاينة أو على الأقل منفصلين عن قضايا الأمة ولا يعيشون صراعاتها)، فالمشكلة وفق هذا المعيار ليست مشكلة تعظيم بني هاشم واحتكارهم للسلطة بل هي مشكلة انفصال بعضهم عن الصورة النمطية للإنسان العصري المتحضر مع استماتته في التشبث بشعارات الدين والالتزام والجهاد مما أثار حفيظة القوى العالمية التي أدخلت المنطقة في صراعات سياسية ومذهبية وعسكرية لا تنتهي أفسدت حياة الناس ومعيشتهم.
لكن لو فرضنا أن أحد ثوار بني هاشم الأصوليين قرر أن يبيع مواقفه للأمريكي والصهيوني مقابل أن يحصل على مملكة في لبنان أو اليمن أو العراق أو إيران فسيصبح هذا الهاشمي – على غرار العاهل المغربي – موصوفا بالاعتدال والحكمة والحرص على مصلحة شعبه حتى لو أسس نظاما سلاليا ملكيا وحتى لو طبّع مع العدو الصهيوني وحتى لو أصبح أداةً طيعة بيد القوى العالمية، حينئذ لن تُشينَهُ العمامةُ ولا لقبَ “سيدي” ولا لقب “مولاي” ولا أي مظهر من مظاهر التبجيل السياسي والشعبي، بل وقد يعتبره الكثيرون مع ذلك رمزا لليبرالية والانفتاح والتعددية والديمقراطية وضمانة استقرار سياسي واجتماعي لا بد منها!

*هل يستعلي الهاشميون في اليمن على غيرهم؟*

تخيلوا لو كان سيدي حمود بن عباس المؤيد يرى نفسه أفضل من غيره! هل كان سيكون له أي تأثير إيجابي على أحد؟
لو كان سيدي حمود يُقابلُ حُبَّ الناس وإقبالَهم عليه بشعور باطني بالكبر والاستعلاء فهل كان سيُشعُّ بذلك النور والجمال الذي شغفت به القلوب ودانت له الرقاب؟
الجواب واضح، لأنَّ التكبر والاستعلاء صفة لا تنسجم مع أولياء الله الداعين إلى سبيله، ففطرة الإنسان السوي تنفرُ من التكبر والمتكبرين، ويكفي أن يكون التكبر مقرونا بإبليس اللعين ومصيره المشؤوم ليصبح من أعظم الذنوب وأقبح العيوب.
ومن هنا نفهم أن مقام أهل البيت-إن صح التعبير- لا يُمكن أن يكون منصَّةً للتكبر والاستعلاء تماما كما لم يكن ذلك لائقا بآل إبراهيم وآل عمران رغم النصوص الواضحة الصريحة باصطفائهم، يقول تعالى *”إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰۤ ءَادَمَ وَنُوحأ وَءَالَ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ وَءَالَ عِمۡرَ انَ عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِینَ ذُرِّیَّةَۢ بَعۡضُهَا مِنۢ بَعۡض”*
وقوله تعالى: *”فَقَدۡ ءَاتَیۡنَاۤ ءَالَ إِبۡرَ ٰاهِیمَ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَءَاتَیۡنَـٰهُم مُّلۡكًا عَظِیما فَمِنۡهُم مَّنۡ ءَامَنَ بِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن صَدَّ عَنۡهُۚ”*
فنحن نفهم أن هذا المقام ليس إلا زيادة في التكليف والمسؤوليات لا مبررا للكبر والاستعلاء إلا لسفيه أو مغفل!
فمثلا الزيادة في مال شخص ليست ليستعلي على من هم أقل مالا منه بل يُقابلها زيادة عليه في التكليف والمسؤولية لعله سيضيق بها يوم يلقى الله ويضيق بحسابها الدقيق العسير ثم يُخاف عليه يومئذ أن يُدان بسببها نسأل الله السلامة.
وعلى هذا النسق فكل زيادة يحظى بها الإنسانُ في عقله أو جسده أو صفةٍ من صفاته أو تفاصيلِ حياته ويعتبرها هو أو غيره ميزةً وأفضليةً فهذه الزيادة ليست بلا ثمن طالما يُقابلها زيادةٌ في التكليف والمسؤولية ومضاعفةٌ في الحساب والعقاب، وطبعا لا يحق لأحد أن يحسده عليها فذلك مُدان كما هو واضح في قوله تعالى *”أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا”*.



وفي مقابل النموذج الوضاء لسيدي حمود بن عباس المؤيد نجد في واقعنا نموذجا آخر بين الناس لا يليق به سوى وصف “الإفلاس”، فالمفلس هو الذي لا يجد شيئا يَعتدُّ به سوى أصله وفصله وعشيرته بينما أفعاله مُشينة، والمفلس هو من يظنُّ نفسَه أفضل من غيره لمجرد ان والده كان عظيما، وجدّهُ كان شيخا أو زعيما، والمفلس هو الذي يشعر بالكبر والاستعلاء والخيلاء بشيء لم يفعله ولم يختره كلون بشرته أو شكل عينيه أو طول قامته أو أصل والديه، سواء كان هذا المفلسُ هاشميا أو غير هاشمي.

*موقع أهل البيت في النظرية السياسية*

وعلى هذا النسق نفهم أن موقع أهل البيت في النظرية السياسية ليس استطالة على الناس بالنسب الرفيع لمنافستهم على حطام الدنيا وألقابها ومناصبها بل هو موقع مسؤولية يبذلون في سبيلها دماءهم ودماء ذراريهم وأحبائهم حين تخرس الأفواه ويستحكم الطغاة، ولو كان موقع أهل البيت استطالة على الناس للفوز بمنصب أو جاه أو لقب دونهم لكان فتنة، فهو لذلك موقع مسؤولية كبيرة وغرامة ثقيلة، لا موقعَ وجاهة ورفاهية وغنيمة تتطاول لها أعناق الناس رغبة وشهوة..
وحين تُقصّر سلطة في إقامة العدل أو بسط الأمن أو الدفاع أمام الغزو أو تُقصّر في حفظ الدين بصيانة المظاهر الأساسية للتراث المحمدي المتفق عليها والمعلومة ضرورة من التضييع والاندثار والاستخفاف سواء كان الحاكم هاشميا أو غير هاشمي حينئذ يأتي دور أهل البيت في تحمل مسؤولية خاصة للتحرك والنهوض والمواجهة دون غدر أو كيد أو مكر أو طمع، مع منح تلك السلطة المقصرة فرصة للتصحيح والتراجع عبر مُباينتها أولا وإلزامها الحُجّة قبل التصادم معها، ولعل هذا ما تجسد في تفاصيل ثورة زيد بن علي التي بدأت بالمحاججة والمباينة وانتهت بقوله والسهم ينزع في مخه هو يلفظ أنفاسه *”الحمد لله الذي وفقني أن ألقى جدي رسول الله وقد أمرت في أمته بالمعروف ونهيت عن المنكر”* فلم يكن معيار نجاحه هو الوصول لكرسي السلطة أو الانتصار في معركة عسكرية، بل كان معيارُ نجاحه هو الاضطلاع بمسؤولية خاصة يعرفها من خلال فهمه للدين ويخشى أن يلقى الله ورسوله وهو مقصر فيها.



ومن أراد أن يُزاحم زيدا في استشعار هذه المسؤولية الخاصة من العرب أو العجم ويبذل دمه ودم أبنائه بمنهج دقيق وقيود أخلاقية صارمة فليتفضل…
لكن أعلام أهل البيت يرون أنفسهم مكلفين بتلك المسؤولية تكليفا مهما بلغت التضحيات في أنفسهم وأولادهم وإخوانهم وأحبابهم، لذا نجدهم تاريخيا قد تصدوا للأمر حين كانت المواجهة مع الباطل في أغلب الأحيان غرما محضا وتضحية أليمة فلم يستكينوا وسقط منهم الأئمة والأشياع قتلا وتنكيلا لكنهم كانوا بتلك الدماء يوقظون الأمة ويصححون المسار منذ الحسين السبط إلى يومنا هذا، ولم ينجُ منهم من القتل والتنكيل سوى القليل وذلك لتعرضهم شبه الدائم للخذلان في دليل على أن الأمة هي التي تقرر من يحكمها، هي صاحبة القرار الفعلي والنهائي مثلها مثل الأمم السابقة التي قررت في أحيان عصيان هارون (الذي استخلفه موسى صراحة) أو قررت في أحيان أخرى نُصرة داوود، فالقرار قرار الأمة والتكليف تكليفها وهي من تصنع الواقع ولا يمكن إجبارها على ما لا تريد، ولا يصح أن يكون منطقها هو *”فَٱذۡهَبۡ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَـٰتِلَاۤ إِنَّا هَـٰهُنَا قَـٰعِدُونَ”* لأن الله يقول *”إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ یُغَیِّرُوا۟ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ”*…
ومسؤولية أهل البيت أن يظل خيار الحق متاحا للأمة عبر التاريخ إكمالا للحجة ومصداقا لقول النبي عن عترته وعن القرآن *”إن اللطيف الخبير نبأني انهما لن يفترقا حتى يَرِدا عليَّ الحوضَ”.*

*فلسفة “لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين”*

بناء على هذه الفلسفة نفهم مسؤولية أهل البيت ودورهم السياسي بحيث لا يستجيزون خذلان سلطة عادلة لمجرد كون حاكمها غير هاشمي (كعمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه) وذلك لسببين،
السبب الأول أن معنى “لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين” لا يقتضي أن السلطة حق لبني هاشم بل تكليف على عاتق أهل البيت للدفاع عن أمور المسلمين، والسبب الثاني أن خذلان أية سلطة عادلة بحجة النسب سيكون بغيا وإفسادا في الأرض وإثارة للنعرات واستثارة للعاطفة والعصبيات وكل ذلك هو عكس دور أهل البيت حسب ما نفهم…
نعم… من يفهم مسؤولية أهل البيت كسلطة وديولة ومادة للتنافس الدنيوي والتفاخر وكسب الأموال والألقاب من الطبيعي أن يستهجن استئثار أسرة بها واحتكار قبيلة لها!
من الطبيعي ان يستنكر استئثار جنس الرجال بها دون النساء!
ومن الطبيعي ان يستغرب استئثار المثقفين والمتعلمين بها دون العسكر والحرامية!
لأن سلطة كتلك هي من حق الجميع بالتساوي لمجرد كونهم بشرا لديهم رغبات وطموحات وليس هناك أحد أحق بها من أخيه.
لكن في المقابل من من العقلاء سيستنكر اختصاص ابراهيم عليه السلام بتكليف ذبح ابنه ويطالب ان ينال شرف هذا الابتلاء العظيم مثل إبراهيم؟
من من العقلاء يريد أن يُسابق ابراهيم في هذا التكليف الخاص وقد أعفاه الله؟
من من العقلاء سيحتج لأن مسؤوليات إبراهيم أشد صعوبة من مسؤولياته ولا يحمد الله على نعمة التخفيف؟
من من العقلاء سيحسد إبراهيم على ذلك؟



*”یَـٰنِسَاۤءَ ٱلنَّبِیِّ لَسۡتُنَّ كَأَحَدࣲ مِّنَ ٱلنِّسَاۤءِ إِنِ ٱتَّقَیۡتُنَّۚ”*
*”یَـٰنِسَاۤءَ ٱلنَّبِیِّ مَن یَأۡتِ مِنكُنَّ بِفَـٰحِشَةࣲ مُّبَیِّنَةࣲ یُضَـٰعَفۡ لَهَا ٱلۡعَذَابُ ضِعۡفَیۡنِۚ وَكَانَ ذَ ٰ⁠لِكَ عَلَى ٱللَّهِ یَسِیرࣰا، وَمَن یَقۡنُتۡ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعۡمَلۡ صَـٰلِحࣰا نُّؤۡتِهَاۤ أَجۡرَهَا مَرَّتَیۡنِ وَأَعۡتَدۡنَا لَهَا رِزۡقࣰا كَرِیمࣰا”*
*”إِنَّمَا یُرِیدُ ٱللَّهُ لِیُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَیۡتِ وَیُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِیرࣰا”*
فإذا كانت المسؤولية والمضاعفة واضحة في حق نساء النبي لقربهن المؤقت من رسول الله فهي أوضح وأجلى وأولى في عترته أهل بيته لقربهم الدائم منه صلى الله عليه وآله وسلم.

وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى