العلاقات السعودية الإسرائيلية الواقع، المتخيّل، المخاطر
مجلة تحليلات العصر الدولية - مازن صوالحة

سافر فيصل الى انجلترا سنة 1919 وكان عمره 13 عاماً، أي بعد عامين من اطلاق وزير الخارجية البريطاني بلفور وعده بتحويل فلسطين إلى وطني قومي لليهود. ثم شارك في مؤتمر المائدة المستديرة في لندن المنعقد في الفترة ما بين 7 فبراير ـ 17 مارس من سنة 1939 بوصفه وزيراً للخارجية، حيث تمت دعوة العرب لمناقشة القضية الفلسطينية، بعد ثلاثة أعوام على اخماد ثورتها بقرار عربي صاغه الملك عبد العزيز في رسالة الى قيادة الثورة الفلسطينية.
يحاول بعض الكتّاب إخفاء مجريات اللقاءات السرية والعلنية التي دارت بين الوفد اليهودي وعدد من ممثلي العربية من بينهم الأمير فيصل بن عبد العزيز وفؤاد حمزة. وفيما يتم إستبعاد إسم فيصل من المشهد وتكثيف حضور فؤاد حمزة، كونه فلسطيني الأصل، ولكنه يعمل مستشاراً لملك عبد العزيز، فإن الخلاف حول الأسماء لم تغيّر من حقيقة الموقف السعودي المتفق عليه، فقد كان الوفد اليهودي يتلقى المقترحات السعودية عبر أحدهما. وفيما رفض الوفد العربي الجلوس مع الوفد اليهودي على طاولة واحدة، تحدّثت وثائق بريطانية عن لقاءات جمعت الوفدين الإسرائيلي والسعودي في 7 مارس 1939، بين رئيس الوزراء الاسرائيلي لاحقاً دافيد بن غوريون، ووزير الخارجية موشيه شرتوك، وأول رئيس لدولة اسرائيل حاييم وايزمان، مع مندوب الملك عبد العزيز الشيخ فؤاد حمزة بحضور اللورد هاليفاكس. وكان موضوع اللقاء هو الاعتراف بدولة إسرائيل حال قيامها. وقد ذكرت الوثيقة المدموغة بعبارة (سري جداً) والمؤلّفة من ثماني صفحات محفوظة في أرشيف دار السجلات في مكتب الخارجية البريطانية تحت رقم (FO371/23228/E1875/6/31) بأن اللقاء كان من ضمن لقاءات أخرى جرت في مكان انعقاد المؤتمر في قصر سنت جيمس. وفيما اقترحت بريطانيا تأليف دولة تضم العرب واليهود، فإن وايزمان رفض الاقتراح، وأكد وايزمان على الحق اليهودي في فلسطين وقدم دعوة لممثل السعودية ومصر والعراق لزيارة فلسطين والاطلاع على ما يقوم به اليهود لناحية إنشاء وطن قومي لهم على أرض فلسطين، فيما طرح بن غوريون اقتراحا بتأسيس دولة يهودية في كامل فلسطين الغربية. وفيما فشلت الاجتماعات العلنيّة، تم التعويض عنها باجتماعات سريّة بين ممثلين عن الوفود العربية واليهودية تحت رعاية الحكومة البريطانية لناحية تقريب وجهات النظر حول الهجرة اليهودية في السنوات الخمس التالية، وقد أبدى الجانب السعودي موافقة ضمنية على هجرة أعداد من اليهود الى فلسطين في تلك المدة بحسب وثيقة رقم (FO371/23228/E1913/6/31).
وفيما تجاهل الجانب السعودي وعد بلفور في مؤتمر الطاولة المستديرة، فإن الحكومة البريطانية عقدت اجتماعاً في 9 مارس 1939 مع أعضاء الوفد اليهودي في قصر سنت جيمس بلندن، وتمت مناقشة التعليمات الرسمية المبلغة للقائد هوجارث في يناير 1918 بشأن الرد على احتجاج الشريف حسين على وعد بلفور (أنظر الوثيقة رقم (FO371/23228/E1874/6/31). وتنص التعليمات على أن خيار تقسيم فلسطين هو الحل المناسب وعودة اليهود إلى فلسطين والاعتراف بالوضع السياسي والاقتصادي للعرب في فلسطين.
ورغم محاولات إبعاد رئيس الوفد السعودي الأمير فيصل بن عبد العزيز (الملك لاحقاً) عن مشهد اللقاءات العلنية، فإن رسالة فيصل الى أمين الريحاني في 3 مارس 1939، أي خلال مشاركته في اجتمعات مؤتمر لندن، تكشف خلاف ذلك بما نصّه (منذ وصولنا إلى هنا لم نسترح مطلقا، فمن اجتماع إلى آخر ومن مقابلة إلى مقابلة ومن حفلة إلى حفلة أخرى..)، فهل كانت هذه الاجتماعات والمقابلات والحفلات المتعاقبة تجري في مكان آخر خارج قصر سنت جيمس؟. أما ما يقال عن تعليمات الملك عبد العزيز لإبنه بخيارات الاستقلال ومنع الهجرة اليهودية واستقلال فلسطين، أو ما قاله فيصل للريحاني بأنه وباقي ممثلي الوفود العربية نجحت في اقرار أسس للتفاوض من بينها: تحديد الهجرة اليهودية، والإقرار باستقلال فلسطين، وغيرها تكذّبها وثائق المؤتمر نفسه، والتي تحدّثت عن رفض اسرائيلي لمقترح بريطاني ولكل المقترحات العربية.
لقد بدا واضحاً في السنوات اللاحقة بأن السعودية لم تقدّم ما يثبت مدّعيات الدفاع عن فلسطين ولا بيت المقدس، فقد رفضت السعودية مطالب السوريين بقطع البترول عن الولايات المتحدة بعد اعلان قيام دولة الكيان الاسرائيلي في العام 1948.
وقد التقى فيصل في العام 1966 مع رئيس اسرائيل (زلمان شازار (1936 ـ 1973) بحجة هبوط الطائرة (السعودية) اضطراراً في مطار (لشبونة) عاصمة البرتغال حيث جرى لقاء سري بينهما، لم تكشف تفاصيله.