اللادولة التي صنعتها امريكا وفشل الاحزاب السياسية في العراق

العصر-جاءت واشنطن في لحظة من الزمن وقررت اسقاط النظام العفلقي، بعد أن استثمرت واستغلت حماقات النظام في انهاك بلده وشعبه وتمزيق المنطقة، كان القرار اعادة هندسة النظام السياسي في العراق كي يحتوي الاغلبية الشيعية التي كانت قيد الانفجار، الذي لو حدث كانت شظاياه ستتمدد لجميع الدول المجاورة.
هنا بدأ المشروع في الاعتماد على المعارضة العراقية، ولم تكن المعارضة تعي ماهية المشروع الامريكي القادم.
قفزت المعارضة الى السلطة دون دراية بما يراد بها، كان الهم الامريكي الغربي يترقب بحذر شديد حجم الخطر المكبوت الذي يمثله شيعة العراق على المنطقة، اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار أن هذه الكتلة البشرية بما تحمله من معتقدات وثقافة ثورية تمثل شرارة التغيير الكبرى في المنطقة، وبما يحمله هذا المجتمع من توجه ناقم على النظام العالمي.
عبر هذا السيناريو الشيطاني سارعت واشنطن لفض الزواج بين بغداد وواشنطن.
ابتلي العراق بالمؤامرات الامريكية من جهة، ومن جهة أخرى بالطبقة السياسية التي تشكلت لقيادة العراق.
همان كبيران جثما على صدر العراق، حيث اقتضت الظروف زج كل من هب ودب في العمل السياسي وادارة مؤسسات الدولة، مع ظروف قاهرة فرضها المحتل الامريكي بالتعاون مع دول الجوار اللتان تآمرا على الشعب العراقي.
_ لم تكن هذه الطبقة تمتلك الاستعداد والقدرة لتحمل مسؤولية قيادة المشروع الشيعي في العراق، ولم يكن هناك تناغم وانسجام بين جميع هذه الاطراف، ولم تمتلك مشروعا موحدا لادارة المرحلة القادمة، فضلا عن الافتقار المعرفي والتصحر الثقافي الذي تعاني منه الجهات التي جاءت من خارج العراق وداخله.
ـ ادركت امريكا بدهائها حجم الورطة الكبرى التي جاءت بها للعراق، وتعلم بدقة متناهية مستوى الشخصيات التي تتعامل معها، بل هي على دراية كافية بتطلعاتها واهدافها وطموحاتها.
_ افتقار شيعة السلطة للتجربة السياسية وخوائهم في الجانب العلمي وعدم انسجامهم مع بعضهم البعض، وتدافعهم على المصالح والمكاسب الحزبية، وضعف قاعدتهم الشعبية، وابتعادهم عن الواقع العراقي ثقافيا وفكريا واجتماعيا ومكانيا، كان اللبنة الاولى لبداية الانحدار.
ـ اسرار الفشل في الحالة العراقية يكمن بأن الولايات المتحدة العراقية على دراية وافية بكل مشاكل العراق الحالية والتاريخية وفي كل المجالات والمستويات، بعكس الطبقة السياسية التي تفتقد لابسط المعلومات والبيانات التي تخص القضية العراقية ، بل تكاد هذه الطبقة أن تخلو جعبتها عن ابسط المعلومات التي تخص عدد كبير من الملفات، على سبيل المثال المشاكل الحدودية وملف الكهرباء وملف الاقتصاد والملف المصرفي والمالي وملف النزاع على المياه.
ـ بعد مرور عقدين من الزمن نجد أن الفوضى تضرب اجزاء ودقائق كل شيء تقريبا، انهيار الثقة بالطبقة السياسية بشكل تام ، اقتصاديات الاحزاب وهيمنتها على مشاريع الدولة واستنزافها لموارد الدولة، انهيار المنظومة الاخلاقية والقيمية والثقافية، تداعي الخصومات والخلافات بين الطوائف والقوميات والمذاهب والعشائر، حتى ةصل الانقسام الى البيت الواحد.
ـ استفحال الفساد المالي والاداري، وتنفذ الفاسدين والنفعيين الى ملاكات مؤسسات الدولة، واستباحة الاراضي واملاك الدولة، واستفراد قرارت المؤسسات بحسب الجهات التي تديرها، وضعف السلطة السياسية في فرض هيمنها على مؤسسات الدولة، وغياب سلطة رئيس الوزراء وضعفها للتأثير في الوزارات والهيئات والمديريات.
ـ ما نشهده أن السلطة موجود فقط في الاعلام فحسب، ومسؤول كل وحدة ادارية يتعامل وفق مزاجه ومصالحه ومصالح الجهة التي ينتمي لها او يتبعها، ولا تتوفر السلطة بما هي سلطة سوى في الساحة الاعلامية.
ـ كبيريات القضايا العراقية لا يعلم بتفاصيلها وحقائقها سوى واشنطن وخبرائها ومستشاريها ومراكز أبحاثهم، المسؤول العراق خالي من أي دراية دقيقة، لان الاحزاب والقوى لا يمتلكون مراكز ابحاث رصينة، وان وجدت فأنهم لا يبالوا بالدراسات والتوصيات أيا كانت، حالة من التصحر الفكري تعاني منها الطبقة السياسية وزعاماتها.
ـ النخبة لا تجد لها أذن صاغية ومركونة في الرفوف، والمساحة يشغلها المتملقون والانتهازيون والنفعيون، انفصال واقعي وحقيقي بين طبقة السياسين وبين النخبة والمثقفة والاكاديمية، وكل ما يرد من دراسات لا تلقى اهتماما وعناية من قبل هذه الاحزاب وكوادرها.
ـ ملف الكهرباء الذي عجزت عنه كل الحكومات المتعاقبة وهيمنة واشنطن على القرار المالي والاقتصادي وتوسع القواعد الامريكية شمالا وغربا، وضعف التسليح للقوات الامنية بكل صنوفها، واستفراد اقليم كردستان بقراراته ومشاكل الخدمات التي تحاصر العراقيين وازمة المياه وتصحر الاراضي وجفاف الانهار وازمة البيئة واختناق الشوارع واكتضاض المدن وانحدار المستوى التعليمي والتربوي والديون التي تكبل العراق جراء القروض الداخلية والخارجية، مشاكل تتبعها مشاكل لا يمتلك المسؤول العراقي حلا لها.
– لم تتمكن هذه القيادات من قراءة التحولات الكبيرة التي تجري في العالم، ولم تتفاعل مع تغير موازين القوى، ولا تملك خطة واضحة للتكيف مع التحولات الاقليمية الدولية، ولا زالت تقبع داخل الرؤية الامريكية.
– لم تتمكن هذه الاحزاب والقيادات الافادة من تجربة الجمهورية الاسلامية على صعيد القيادة وادارتها وزهدها وبعد نظرها، ولم تستفد من حجم الدعم الكبير الذي قدمته الجمهورية الاسلامية للتجربة العراقية، بل اضحت ثقل وعالة على جميع الحلفاء.
ـ الفرد العراقي بات محبطا ويائسا من أي اصلاح، وحالة التلميع ومحاولات نفخ الروح في جسد واهن وعلى ابواب الموت امر في غاية السخرية، والانشغال بقضايا أنية يثيرها الاعلام ويتفاعل معها الجميع والمسؤول على حد سواء دليل على الخواء والضعف الادراكي، مالم يلتفت المسؤول لامهات المشاكل ويعالجها وهذا مستصعب في ظل التجربة والواقع، فأن الامور باتت مرهونا بأوقاتها، وبتنا نعيش مقولة كذب كذب حتى يصدقك الناس.