المستقلون في العراق.. ما نفعهم؟

علي الصراف
العصر-صراع لن ينتهي اليوم ولا غدا
نظام “سانت ليغو” لتقسيم الأصوات الانتخابية، “سيء الصيت” في العراق، إلا أنه ليس سيء الصيت في النرويج ولا في السويد وغيرهما. وهو يثير الجدل في العراق منذ عدة سنوات. وكانت المعركة الأخيرة في البرلمان العراقي أحد الأمثلة على أن هذا الصراع لن ينتهي اليوم ولا غدا.
بكلام مجرد، النظام يفيد الأحزاب والتحالفات الكبيرة. يحدّ من التشرذم السياسي. ويقلص عدد النواب الأفراد الذين غالبا ما يُطلق عليهم لقب “المستقلين”.
زيادة في التجريد، فإن النظام يقوم على تقسيم عدد أصوات الكيانات الانتخابية على تسلسل أرقام، يبدأ في العراق من 1.7، ثم 3، ثم 5، ثم 7.. الخ. فإذا كانت المنافسة في الدائرة الواحدة تجري على عشرة مقاعد، فإن عدد الأصوات التي فاز بها كل كيان تُقسّم على المُعامل الأول 1.7، ثم الثاني فالثالث إذا اقتضت الحاجة. والغاية من أعمال التقسيم هي الحصول على أكبر عشرة أرقام. أي أن ما تحصل عليه الكيانات المتنافسة من أصوات يتم تقسيمه على 1.7، ثم 3 ثم 5 حتى تظهر أكبر عشرة أرقام. وهذه الأرقام ستكون هي المقاعد التي حصل عليها كل كيان. وفي الغالب فإن كتلتين أو ثلاثة هي التي سوف تحصد حصصا من تلك المقاعد العشرة، حسب ما حصلت عليه من أصوات، بينما يذهب الباقي هدرا.
◙ بعض الوطنيين في العراق ظل يرفض الانخراط في “العملية السياسية” لأنها في الأساس كانت عملية هدم خالصة ومتواصلة، فأدلة العشرين عاما الماضية لم تثبت شيئا أكثر وضوحا من هذه الحقيقة
السؤال الأهم لا يتعلق بالآلية الحسابية أو جدواها، وإنما بجدوى التشرذم السياسي. وفي العراق فإن السؤال يتجاوز التشرذم ليتعلق بجدوى أن يكون هناك مستقلون أصلا. فهؤلاء يتبعون أهواءهم أو تصوراتهم السياسية الخاصة، ويكسبون مقاعدهم في العادة، إما لاعتبارات عشائرية، أو لكونهم شخصيات اجتماعية محلية مؤثرة. وفي الغالب، فإنهم يدخلون البرلمان لمصالح أو تطلعات ضيقة. ولم تعرف برلمانات ما بعد الاحتلال، سوى أنهم:
1ـ أفراد يمكن بيعهم وشراؤهم. وهو الحال السائد، حتى أصبح “المستقلون” تجارا في التصويت على كل مشروع قانون.
2ـ نشطاء متناحرون فيما بينهم، لم يتوافقوا على رؤية وطنية محددة.
3ـ ممثلون لأسوأ ما في المجتمع من معايير عشائرية أو فئوية، ما يجعلهم من دون رؤية وطنية أيضا.
ولقد سبقت البرلمان الحالي أزمة كان بوسع المستقلين أن يشكلوا بيضة القبان في النزاع بين التيار الصدري وجماعات الإطار التنسيقي، ففشلوا في أن يلعبوا دورا يحسم النزاع، على تصور وطني، أو قيمي، أو أخلاقي، أو قانوني من أيّ نوع.
كان بوسعهم، على سبيل المثال، أن يشكلوا قوة تُلزم الطرف الفائز بدعمهم على تطهير الدولة العراقية من الفساد. فقط. فيكونون قوة تغيير لإعادة بناء الدولة وتصويب مسارات إنفاق الأموال فيها، فيخدمون شعبهم من هذه الزاوية وحدها على الأقل. كان بوسعهم أن يشترطوا إلغاء نظام المحاصصة الطائفية أو توفير ضمانات صارمة لنزاهة الانتخابات، أو غيرها من المطالب الجوهرية الأخرى، التي يمكن للطرف الراغب بتشكيل الحكومة أن يقبل بها. إلا أنهم لم يفعلوا ذلك. فشلوا حتى عندما عُرض عليهم أن يشكلوا الحكومة بأنفسهم. والسبب هو أنهم شرذمة أهواء، يغنّي كل واحد منهم على ليلاه.
◙ بعض الوطنيين في العراق، ظل يرفض الانخراط في “العملية السياسية” لأنها في الأساس كانت عملية هدم خالصة ومتواصلة لا عملية إعادة بناء.
◙ بعض الوطنيين في العراق، ظل يرفض الانخراط في “العملية السياسية” لأنها في الأساس كانت عملية هدم خالصة ومتواصلة لا عملية إعادة بناء.
وبكل تأكيد فإنهم أدنى مستوى في السياسة والثقافة من أن يتوصلوا إلى تصور مشترك فيما بينهم، أو أن يتوافقوا على هدف وطني واحد، مهما كان صغيرا، أو أن يستغلوا عددهم الكبير نسبيا لتشكيل كتلة تفرض ولو تغييرا واحدا من بين العشرات من التغييرات المطلوبة لإصلاح النظام السياسي، أو للحد من الفساد، أو لحماية استقلال البلاد وسيادتها.
لم يفعلوا ذلك، ولم يكن بوسعهم أن يتوافقوا، فيما بينهم هم أنفسهم، على أي شيء