حتى بدون تخطيط فإن الأزمات التي افتعلها الرئيس ترامب خلال ولايته وأثناء العملية الانتخابية أدت لتبييض صفحة الولايات المتحدة خارجياً وتجديد ديمقراطيتها داخليا وتحميل ترامب وزر كل أخطاء إدارته وكل الإدارات السابقة، وبذلك يكون ترامب قدم خدمة لبلاده ولخلفه جو بايدن الذي ستجد سياساته في فترته الأولى القبول دون كثير معارضة عندما يتم مقارنتها بسياسات سلفه ترامب وخوفاً من أن يؤدي فشله لعودة ترامب والحزب الجمهوري.
الارتياح داخل الولايات المتحدة الامريكية وخارجها لنجاح الديمقراطي جو بايدن لا تمنح حكم مطلق بالأفضلية أو شهادة حسن سلوك مسبقة للرئيس بايدن وحزبه الديمقراطي أو أن الولايات المتحدة في عهد بايدن انفصلت عن تاريخها السيء وخصوصا تجاه شعوب العالم الثالث وحركاتها التحررية والتقدمية، أو أنها لم تعد ما كانت عليه طوال عقود وخصوصاً في مجال السياسة الخارجية وبتحديد أكثر في علاقتها بالشرق الأوسط و بالقضية الفلسطينية.
ما جرى في الانتخابات الأخيرة أن الأمريكيين والدولة العميقة أنهوا حكم رئيس نهج بعض السياسات والمواقف الدراماتيكية والتي تتعارض مع ما سارت عليه الإدارات الأمريكية المتعاقبة وخلق حالة من الاحتقان الداخلي التي نتجت عن تصريحاته ومواقفه العنصرية، ومواقفه في السياسة الداخلية كانت السبب الرئيس في خسارته للانتخابات.
صحيح أن الرؤساء في الولايات المتحدة الأمريكية يضعون ويتركون بصماتهم على سياسة البلاد ولكن لا تتغير الاستراتيجيات جذريا مع كل رئيس جديد. فبالرغم من تعاقب عدة رؤساء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على الحكم ما بعد الحرب الباردة إلا أن الاستراتيجية الأمريكية تجاه العالم الخارجي لم تتغير كثيرا، لا تجاه روسيا الاتحادية أو الصين مع بعض التغيير تجاه اوروبا والأمم المتحدة، حيث كنا نلمس تغييرا في الخطاب واللغة وفي السياسة، بما هي دون الاستراتيجية، وليس تغييرا في الاستراتيجية نفسها.
وبالنسبة للملفات المتعلقة بالشرق الأوسط وأكثر تحديداً بالنسبة لإسرائيل. فالرئيس الجديد بايدن من الحزب الديمقراطي وهو حزب عريق حكم الولايات المتحدة لعقود طويلة بالتناوب عبر صناديق الانتخابات مع الحزب الجمهوري وخلال هذه العقود تواصل الموقف الأمريكي المعادي للحقوق الفلسطينية والمؤيد للكيان الصهيوني بغض النظر عن الحزب الحاكم، كما أن بايدن كان نائب الرئيس أوباما قبل مجيء ترامب وقد لمسنا وعشنا مرحلة أوباما التي كانت الأسوأ في التعامل مع القضايا العربية، ففي عهده رعى وموَّل، مباشرة أو من خلال الانظمة العربية التابعة لواشنطن وخصوصاً الخليجية، ما يسمى (الربيع العربي) الذي نشر الخراب والدمار في العالم العربي ومول جماعات الإسلام السياسي المتطرفة وشجع دول الجوار على التدخل في الشؤون العربية بل واحتلال بعض الأراضي العربية، كما كانت الإدارة الامريكية في عهد أوباما أكبر مساند لإسرائيل في سياساتها الاستيطانية والعدوانية، وإدارة أوباما كانت وراء فشل كل محاولات إدانة إسرائيل في المنظمات الدولية الخ.
استبشر كثيرون خيرا بذهاب ترامب وكأن المشكلة كانت في الرئيس ترامب وليس في الدولة الأمريكية. فحتى لو عادت السياسة الامريكية إلى ما كانت عليه قبل أربع سنوات فهل كانت سياسة عادلة ومنصفة ومسالمة؟ وهل بمجيء بايدن وحزبه الديمقراطي ستسقط عن أمريكا صفة الدولة الامبريالية والعدوانية وعدوة الشعوب العربية وقضاياها العادلة كما كان الخطاب السياسي العربي يصفها طوال عقود؟ وهل ستسقط عنها صفة وواقع الحليف الاستراتيجي لإسرائيل؟ وعندما يقول حسين الشيخ وزير الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية إن ما صدر عن الإدارة الامريكية الجديدة من تصريحات “خطوة إيجابية يمكن البناء عليها وعودة العلاقات مع أمريكا لطبيعتها”، فما هي العلاقة الطبيعية بين الفلسطينيين وامريكا؟ أليست علاقة عداء وتنَكُّر للحقوق الوطنية الفلسطينية؟.