أحدث الأخبارفلسطينلبنان

المصلحة الوطنية تستدعي بناء هوية واقعية للدولة العراقية

علي المؤمن

العصر- أحد الأحبة الذين أحترمهم، ارتأى أن أحدف المنشور الذي أشبّه فيه هارون الرشيد بصدام حسين، لأنه يعتقد أنني مفكر إسلامي، ورسالتي أكبر وأعمق، وعليّ استيعاب الآخرين وعدم وضع حواجز مع نخبة المكون السني، فالرسالة الإصلاحية مساحتها أكبر.

وجواباً على رأي الأخ العزيز أقول:

هل تقصد أن ندعو الى الصمت تجاه شيوع الثقافة المعادية للتشيع في العراق؟ والثقافة التي تستفز الشيعي وتمرغ مشاعره في الوحل وتعتدي على عواطفه؟ والصمت على حضور أسماء قاتلي أئمة الشيعة وأبنائهم وأنصارهم، في كل مفاصل البلاد؛ حرصاً على مشاعر أهلنا السنة؟



وهل تتعارض رسالة الفكر والإصلاح مع الجهر بالدفاع عن استحقاق الأغلبية الساحقة من سكان العراق؟، أو أن كوني مفكراً اسلامياً – كما تقول – يفرض عليّ أن أُجامل وأنسحق وأنهزم أمام الموروث العنصري الطائفي للدولة العراقية؟ فإذا كانت ضريبة احتفاظي بوصف المفكر أن أجامل وأدوس على عقيدتي وقلبي؛ فليذهب هذا الوصف الى الجحيم، وأفضّٓل أن أكون عاملاً في منجم فحم، على أن أوصف بمفكر منسحق ومهزوم ومجامل.

ثم هل أن ال ٦٥ بالمئة من الشعب العراقي يجب أن يراعوا مشاعر ال ١٦ بالمئة من الشعب، ويصمتوا أمام الطعن بمشاعرهم وعواطفهم؟، أو أن ال ١٦ بالمئة يجب أن يراعوا مشاعر وعواطف ال ٦٥ بالمئة، ويرفعوا أسماء وتماثيل وسيرة قاتلي ائمتهم واجدادهم من الشوارع والمناهج الدراسية وأدبيات الدولة ورمزياتها؟ أستغرب جداً أن تكون الأمور مقلوبة لدى بعضنا.

فمن ينبغي أن يستوعب من؟ ومن يجب أن يحترم من؟ ومن يجب أن يرفع الحواجز امام من؟ هل أنا الذي أشاهد تمثال قاتل إمامي وجدي في الشارع الذي أمثل أكثريته؟ أم أن الذي وضع هذا التمثال والاسم يجب أن يحترمني ويراعي مشاعري ويرفع تمثال قاتل إمامي وجدّي؟



حسناً؛ هل أن رعاية مشاعر إخواننا السنة بشأن المنصور وهارون والايوبي؛ ينسحب على مجالس عزائنا في الإمام الصادق والإمام الكاظم والإمام الرضا أيضاً؟ فهل سنتجنب أيضاً الحديث عن جريمة قتل هارون الإمام الكاظم بعد سجنه وتعذيبه، ونقول أن الإمام الكاظم مات غرقاً مثلاً؟ أو نكتفي بالقول ان الخليفة هارون الرشيد قتل الإمام الكاظم لخلاف سياسي بينهما؟ هل نتجنب في مجالسنا الحديث عن ظلم هارون وقمعه الشيعه وقتله أخيارهم، وعن مجالس فسقه وفجوره، لكي لانجرح مشاعر أهلنا السنة؟

والأهم من ذلك؛ لماذا تتصور أن المنصور وهارون والمتوكل والأيوبي رموز سنية؟؛ فهؤلاء ليسوا رموزاً سنية، بل سلاطين وطواغيت، حالهم حال صدام تماماً، أما رموز أهل السنة في العراق، والذين نحترمهم، ونقدر أن تكون هناك شوارع وساحات باسمهم، ويكون لسيرهم حضور في المناهج الدراسية؛ فهم الفقهاء والمحدثين وأئمة المذاهب وشيوخ الإفتاء، أمثال الإمام أبي حنيفة والإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد والشيخ أبي يوسف القاضي والشيخ الگيلاني والشيخ معروف الكرخي.

حقيقة؛ كلي أسف وحزن على منهج تفكير بعض المفرَّطين بمشاعر أهلهم وثقافتهم، لكنهم حريصون، دون واقعية وموضوعية، على مشاعر الآخرين.

والحال؛ أن المصلحة الوطنية والوحدة الوطنية والتعايش المجتمعي، وثبات ركائز الدولة من خلال استقرار هويتها الوطنية المذهبية؛ يفرض علينا أن نجهز بهذه الاستحقاقات، وندافع عن حضور ثقافة الأكثرية السكانية ورموزها ومشاعرها، في كل المفاصل الثقافية والتعليمية للدولة العراقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى