المقاومة الشعبية الفلسطينية وآفاق المستقبل ورقة تحليل وابعاد
مجلة تحليلات العصر الدولية - أ. ماجد الزبدة
ستون يوماً مضت على اجتماع الأمناء العامّين للفصائل الفلسطينية في بيروت، الذي حمل بُشريات أثلجت صدور الفلسطينيين بتوافق جميع القوى الفلسطينية على تشكيل لجنة وطنية موحّدة لقيادة المقاومة الشعبية الشاملة بحسب البيان الختامي للاجتماع، دون أن تجد تلك البشريات طريقها إلى أرض الواقع حتى يومنا هذا.
التوافق على تفعيل المقاومة الشعبية كخيار مرحلي يُعد الحد الأدنى من التوافق الوطني والذي جاء ضمن خطة وطنية وضعتها الفصائل الفلسطينية في غزة نهاية شهر يونية الماضي كخيار أمثل لمواجهة “صفقة القرن” الأمريكية ومخطط تصفية القضية وقرار الاحتلال ضمّ أجزاء واسعة من الضفة المحتلة.
المقاومة الشعبية.. أسلوب معتمد فلسطينياً
تعتبر المقاومة الشعبية من أكثر الأساليب استخداماً في تاريخ النضال الفلسطيني، فقبل قرن مضى من الزمن عبّر الفلسطينيون عن رفضهم المُطلق للاحتلال الأجنبي في أرض فلسطين، حيث انطلقت الشرارة الأولى لتلك المقاومة عام 1920م من مدينة القدس مع اشتعال “ثورة النبي موسى”، لتتبعها في العام التالي “ثورة يافا” والتي وصلت الاشتباكات فيها إلى مدينة طولكرم، ثم “ثورة البراق” عام 1929م التي طالت المواجهات الشعبية فيها معظم الأراضي الفلسطينية المحتلة، وشكّلت منعطفاً رئيساً في الصراع مع الاحتلال البريطاني في أرض فلسطين في تلك الحقبة لتمهّد لانطلاق “الثورة الفلسطينية الكبرى” سنة 1936م التي طالت جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة وامتدت على مدار ثلاث سنوات متتالية.
وبعد نكبة 1948م نجح اللاجئون الفلسطينيون في إفشال مخطط تصفية القضية الفلسطينية من خلال إشعال انتفاضة شعبية مطلع آذار من العام 1955م والتي نتج عنها إفشال مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء، ثم كانت “انتفاضة الحجارة” عام 1987م التي امتدت على مدار ست سنوات وقدم خلالها الفلسطينيون ألفا وخمسمائة وخمسين شهيدا، وأكثر من مائة ألف معتقل بحسب مؤسسة رعاية الشهداء والأسرى.
إنشاء السلطة الفلسطينية لم يتخلّ الفلسطينيون عن مقاومتهم الشعبية للاحتلال، حيث أطلقوا “هبة النفق” عام 1996م و”انتفاضة الأقصى” عام 2000م دفاعاً عن المسجد الأقصى، كما أشعلوا “انتفاضة القدس” عام 2015م رداً على اعتداءات المستوطنين الصهاينة، و”مسيرات العودة الكبرى” عام 2018م التي انطلقت بهدف كسر الحصار الخانق على قطاع غزة.
المقاومة الشعبية في ميزان القانون الدولي
فشلت الولايات المتحدة الأمريكية نهاية عام 2018م في تمرير قرار أممي يجرّم المقاومة الشعبية الفلسطينية، حيث أشار مشروع القرار الأمريكي آنذاك الطائرات الورقية الحارقة التي استخدمها الشبّان الفلسطينيون إلى جانب أدوات شعبية أخرى مثل اقتحام الأسلاك الشائكة، والإرباك الليلي، وقذف الحجارة والتي أثبتت نجاعتها في الضغط على الاحتلال ودفعه إلى إبرام تفاهمات تهدئة مع غزة كإحدى ثمار “مسيرات العودة الكبرى” التي امتدّت طيلة عامين متواصلَين على الحدود الشرقية لقطاع غزة.
ورغم أن المشروع الأمريكي يأتي في سياق الرؤية الأمريكية لتبنّي صهيونية الصراع، إلا أن ذلك لا ينتقص من قانونية استخدام الفلسطينيين مختلف أشكال النضال في مواجهة إرهاب الاحتلال، وفي مقدمتها المقاومة الشعبية، سعياً لانتزاع الحرية وحقّهم في تقرير المصير، فقد أكدت العديد من القرارات الأممية على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، نذكر منها قرار الأمم المتحدة رقم 2621 الصادر في عام 1970م والذي نصّ على: “حق الشعوب المستعمَرة في الكفاح بكل الطرق الضرورية التي في متناولها ضد الدول الاستعمارية التي تقمع تطلعها إلى الحرية والاستقلال”، وأيضاً قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 43/37/RES/A الصادر عام 1982م والذي نصّ على “شرعية كفاح الشعوب في سبيل التحرُّر من الاستعمار بالوسائل المتاحة كافةً، بما في ذلك الكفاح المسلَّح”.
مدى جدّية السلطة الفلسطينية في تبنّي خيار المقاومة الشعبية
رغم تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن “المقاومة الشعبية السلمية هي السلاح الأمثل لمواجهة غطرسة الاحتلال”، ومشاركة حركة فتح في يونيو الماضي إلى جانب فصائل المقاومة الفلسطينية في وضع خطة وطنية تعتمد على تفعيل المقاومة الشاملة ضد الاحتلال، إلا أن تلكؤ عباس في تشكيل لجنة وطنية موحدة لقيادة المقاومة الشعبية وفق مخرجات اجتماع الأمناء العامين في بيروت يضع علامات استفهام كبرى حول جدّية حركة فتح والسلطة الفلسطينية في تبنّي خيار المقاومة الشعبية خاصة مع إحجام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تهيمن عليها حركة فتح عن توفير الاحتياجات اللازمة لاستمرار عمل اللجنة الوطنية لقيادة المقاومة الشعبية وفق تكليف الأمناء العامين في اجتماع بيروت الأخير.
بالعودة إلى تصريحات قادة السلطة الفلسطينية حول المقاومة الشعبية، نجد أن رئيسها محمود عباس أعلن في جوهانسبورغ عام 2013م أمام نشطاء التضامن الدولي مع فلسطين رفضه مقاطعة “إسرائيل”، علماً أن المقاطعة هي أبرز أشكال المقاومة الشعبية في مواجهة الاحتلال، كما أن المقاومة الشعبية السلمية التي لطالما دعا إليها رئيس السلطة الفلسطينية تبرز جليًا في مسيرات قرى “نعلين” و “بلعين” الأسبوعية والتي انطلقت قبل أكثر من عقد من الزمن لمواجهة الاستيطان وجدار الفصل العنصري في الضفة المحتلة، والتي أسهم إحجام السلطة الفلسطينية عن رعايتها أو توفير الدعم اللازم لاستمرارها في خفوت جذوة المشاركة الشعبية فيها بحسب تقرير نشرته صحيفة العربي الجديد بتاريخ 24/02/2018م.
كما أن تصريحات أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب مطلع أكتوبر الماضي بأن حركة فتح أقرّت تشكيل قيادة موحّدة لتفعيل المقاومة الشعبية في الوطن والشتات تتنافى عملياً مع رسالة السلطة الفلسطينية التي أرسلتها إلى الجنرال الإسرائيلي كميل أبو ركن في السابع من ذات الشهر حول نيّتها استئناف علاقتها مع الاحتلال، وهي الرسالة التي نشرها جيش الاحتلال بُعَيد إعلان حسين الشيخ القيادي في حركة فتح عبر تغريدة على موقع “تويتر” قرار السلطة باستئناف “التنسيق الأمني” مع الاحتلال في السابع عشر من نوفمبر الماضي ضارباً بعرض الحائط جميع التوافقات التي تمّت مع الفصائل الفلسطينية حول خيار المقاومة الشعبية الشاملة في مواجهة جرائم الاحتلال.
من جهة أخرى فإن قرار استئناف التنسيق الأمني يؤكد من جديد عدم رغبة السلطة الفلسطينية – التي تهيمن عليها حركة فتح – في إشعال أي مواجهة مع الاحتلال، وأن ارتباط تلك السلطة بالاحتلال اقتصادياً وأمنياً أضحى ارتباطاً وجودياً، في ظل عجزها المُطبق على مواجهة الاستيطان في الضفة والقدس، أو الالتزام بأية توافقات فلسطينية داخلية لمواجهة الاحتلال ولو في حدّها الأدنى، كما أن إحجامها عن إطلاق أية فعاليات شعبية أو تقديم أي دعم للمقاومة السلمية في الضفة هو نابع من تخوّفها من خروج الحراكات الشعبية عن سيطرتها بما يؤدي إلى إضعاف سطوتها على الشارع الفلسطيني في الضفة المحتلة.
خيارات الفصائل الفلسطينية في ظل المستجدات
لا شك أن تراجع رئيس السلطة الفلسطينية عن التوافقات الأخيرة مع الفصائل الفلسطينية، وقراره استئناف التنسيق الأمني مع الاحتلال رغم استمرار مصادرة الأراضي الفلسطينية وتصاعد عدوان جيش الاحتلال على الشعب الفلسطيني، وإعادته الرهان السياسي مرة أخرى على الإدارة الأمريكية المقبلة، وقراره إعادة سفراء السلطة إلى البحرين والامارات رغم تحالفهما العلني مع الاحتلال، يشكّل منعطفاً سياسياً للسلطة الفلسطينية باتجاه المحور الإقليمي المتحالف مع الاحتلال على حساب الحقوق الفلسطينية، ويعني عملياً وقوف أجهزتها الأمنية سداً منيعاً أمام انطلاق أية مقاومة شعبية حقيقية لمواجهة مخططات الاحتلال في الضفة، وعليه فإن مساعي الفصائل الفلسطينية لتفعيل المقاومة الشعبية ستصطدم حتماً برفض الأجهزة الأمنية التي تفرض سطوتها على مدن ومخيمات الضفة إلى جانب جيش الاحتلال.
في ظل تلك المعطيات المستجدة فإن خيارات فصائل المقاومة الفلسطينية في المرحلة المقبلة قد تنحصر في التالي:
توفير كافة أشكال الدعم لصمود الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
توثيق وفضح جرائم الاحتلال المتواصلة بحق أبناء الشعب الفلسطيني، والضغط على المؤسسات الحقوقية الدولية لرفع دعاوى قضائية على قادة الاحتلال أمام المحاكم الدولية.
العمل على استنهاض الشارع الفلسطيني في الضفة والقدس من خلال التركيز على المقاومة الشعبية الفردية بما يشبه “انتفاضة السكاكين” التي انطلقت مع انتفاضة القدس عام 2015م.
مراكمة المزيد من القوة بانتظار تغيّر الظروف الإقليمية المحيطة لصالح القضية الفلسطينية والحق الفلسطيني.
العمل على استنهاض النُخَب والشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم لإطلاق حملات مقاطعة للاحتلال في مختلف دول العالم.
تجريم عمليات التنسيق الأمني والتطبيع العربي مع الاحتلال.