الموجة الثانية من فايروس كورونا في ولاية ڤكتوريا
مجلة تحليلات العصر الدولية
بقلم د. إعصار الصفار
عندما انفجرت المظاهرات في العراق في تشرين اول ٢٠١٩ وانتهت باستقالة حكومة عادل عبد المهدي، واحد من الاسباب التي تم تداولها هو خطوة عادل عبد المهدي بعقد اتفاقية عملاقة مع الصين. تنص النظرية ان امريكا انزعجت كثيرا من خطوة عادل عبد المهدي تلك ووجدت فيها تهديدا خطيرا لمصالحها، فحركت الشارع وصعدت الامور التي تطورت الى استقالة عادل عبد المهدي والمجيء برئيس وزراء ممالي للمصالح الامريكية في العراق. وقتها، لم اكن مقتنعا تماما بهذا السيناريو، اذ ان السبب الاكبر لتفجير الشارع في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب دون غيرها، كان الخطر العقائدي والعسكري الذي يشكله الحشد الشعبي، وكونه جزء من محور المقاومة الذي يؤرق امريكا والكيان الصهيوني. ولهذا، ابتداءا، فقد قللتُ من الاحتمال الاقتصادي، لانه بدا لي تافها بالقياس بخطر محور المقاومة.
اذا رجعنا قليلا للوراء، وتحديدا للاسباب التي ازاحت نوري المالكي عن رئاسة الوزراء، نرى انها كانت ٣ اسباب رئيسية هي (١) دفعه بقوة باتجاه الاغلبية وليس التوافق، ومن يتذكر، فانه نجح في السنة السابقة للانتخابات، بتمرير الميزانية بالاغلبية وليس بالتوافق، ووعد بتوسيع قاعدة هذا الامر في فترة حكمه القادمة. هذا اكسبه عداء الجميع تقريبا، لا سيما الاكراد والسنة. (٢) صولة الفرسان التي خلص بها البصرة من قبضة قوات احد الاحزاب الشيعية التي اذاقت اهل البصرة الامرين في وقتها. هذا اكسبه عداءا من داخل البيت الشيعي. (٣) مشروع بسماية الجديد. المالكي اعترف ضمنا بعدم قدرته على السيطرة على الفساد، لذلك لجا الى شركات اجنبية تنفذ مشاريع بالآجل وكانت من ثمراتها مشروع بسماية السكني الذي تم تنفيذه من قبل شركة (هانوا) الكورية. وهو مشروع سكني متكامل بسعة ١٠٠ ألف وحدة سكنية وكلفة ٥ر٧ مليار دولار. وهو المشروع الوحيد الواضح منذ السقوط الذي كان مفيدا للعراق والعراقيين. هذا الامر دق ناقوس الخطر عند امريكا، اذ ان فترة ثانية للمالكي ستشهد المزيد من مثل هذه المشاريع التي تضر بمصالح امريكا! وهكذا كسب عداءاً مضافا من امريكا التي لم تكن تحبه اصلا. طبعا بالامكان اضافة عامل (٤) وهو توقيعه على اعدام صدام، الذي لولاه ربما لنجى صدام من العقاب. ولم يغفر البعض هذا الامر للمالكي.
انتظرتْ امريكا الانتخابات لترى ماذا سيحصل. وحين فاز تكتل المالكي واستطاع المالكي ان يمدد ولايته وتمسك بذلك رغم الضغوط، اطلقوا على العراق داعش مدعومة بكل الخونة الذين سلَّموا ثُلُثَ العراق لقمة سائغة، واضطُر المالكي للتنحي جراء ذلك.
هاتان الحادثتان جعلتاني اعيد النظر بكيفية تعاطي الادراة الامريكية مع المنافع الاقتصادية الامريكية، واستعدادها لاحراق اي بلد، بل بلدان، لاجلها، خصوصا في ظل ادارة رجل الاعمال الامريكي، ترامپ الذي لا يفهم سوى لغة المال. وهكذا ابتداءتُ اعطي هذه النظرية قبولا اكبر واكثر.
طبعا لبنان قد يدخل في نفس الدائرة. فمع تطبيق قانون قيصر في المنطقة، لم تتضرر منه سوريا فقط، ولكن لبنان ايضا وبشكل حاد ومفجع. حزب الله طرح فكرة الاتجاه شرقا، صوب الصين وروسيا، كاحد الخيارات المنطقية للخروج من الازمة. ولم يتاخر الرد، فجاء تفجير مرفا بيروت المروع والذي ادى لاضرار هائلة انتهت باستقالة حكومة حسان ذياب. فكان التفجير للبنان، كما كانت داعش ومظاهرات تشرين للعراق!
طيب، اين موقع ولاية ڤكتوريا الاسترالية من كل هذا؟
نعلم كلنا ان من بين جميع ولايات ومناطق استراليا، ڤكتوريا هي الوحيدة التي عانت بشكل شديد من الموجة الثانية من فايروس كورونا التي تسببت بالاف الاصابات ومئات الوفيات وادت الى اغلاق شبه كامل لمدينة ملبورن واغلاق لبقية الولاية وما رافق ذلك من اضرار اقتصادية مدمرة لولاية ڤكتوريا. والازمة لا زالت قائمة.
هل يمكن ان يكون السبب هو دان اندروز، حاكم ولاية ڤكتوريا، وميله الى الصين!
تاملت الوضع، فوجدته ممكنا ومعقولا، خصوصا اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار الامثلة اعلاه. فصحيح ان هناك تقصيرات واضحة في ادارة الازمة في ڤكتوريا، الا ان هذا لم يكن مقصورا على ولاية ڤكتوريا. كما ان مظاهرات “حياة السود تهم” التي خرجت في جميع الولايات الاسترالية، وكانت كبيرة ومتكررة في سيدني، واقل منها في ڤكتوريا، والتي لم يتم فيها الالتزام الصارم بشروط السلامة، مع ذلك لم تؤدِ الى موجة ثانية. انما حل البلاء على ڤكتوريا من القادمين من الخارج تحديدا، الذين تم حجزهم في فنادق. وحتى في هذا، فالمتابع لسير التحقيقات يرى ان هناك تضاربا في التصريحات واستنتاجات التحقيق، فمرة يقولون ان السبب هم موظفوا امن الشركات الخاصة ومرة يقولون بل هو كاتب في احد الفنادق!
قبل كل هذا، واثناءه، تمت الاشارة اكثر من مرة الى مَيل دان اندروز للصين وتوقيعه على اتفاقية معها سميت (Belt and Road Initiative) بخصوص التعاون في انشاء البُنى التحتية في الولاية. هذا الامر ذُكر اكثر من مرة وانتُقِد باعتباره تقارب غير مرغوب فيه مع الصين وانه تجاوز على السلطة الفدرالية، اذ ان ولاية ڤكتوريا وقعته بشكل مباشر مع الصين. من الملفت للنظر وخروجا على الاعراف الدبلوماسية، وفي تصريح له في ايار/مايو الماضي، فان وزير الخارجية الامريكية مايك پومپيو قد “حذر” ولاية ڤكتوريا من ان العلاقات مع الصين تحمل مخاطر جمَّة، ثم غلَّف ذلك بانه يقصد بخصوص الاتصالات! الا انه وفي نفس اليوم صرح السفير الامريكي في استراليا، ارثر كولفاهاوس، انه لا مخاطر على ڤكتوريا في مجال الاتصالات. بعبارة اخرى، فقد اُزيل الغلاف عن تهديد پومپيو، ليصبح تهديدا صريحا ومفتوحا! وبعد حوالي الشهر، بداءت الموجة الثانية في تلك الولاية!
لا اظن ان اي منا يشك في ان مستقبل دان اندروز السياسي سوف لن يكون بافضل من مستقبل المالكي او عبد المهدي او ذياب، سوى انه، على الاكثر، سيكون عن طريق صندوق الانتخابات وليس الاستقالة او الاقالة!
وللتبسيط، فعندما تم تحدي مصالح امريكا الاقتصادية في العراق مرتين، ضربوه مرة بداعش ومرة بالمظاهرات. وفي لبنان ضربوه بتفجير مرفا بيروت. وفي ولاية ڤكتوريا ضربوها بالموجة الثانية من فايروس كورونا! الاختلاف فقط في الدرجة.
طبعا تبقى هذه نظرية، الا ان لها من المرتكزات ما يجعلها جديرة بالتامل والاعتبار، باقل تقدير.
١-٩-٢٠٢٠