يُرْوَى عَنْ سيدنا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ أنه كَانَ يسير مَعه اثْنَا عَشَرَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الأَقْوِيَاءِ فَأَتَوْا عَلَى جِيفَةِ كَلْبٍ أَنْتَنَتْ، أَخَذُوا بِآنَافِهِمْ حَتَّى اجْتَازُوا الْكَلْبَ، أَمَّا سَيِّدُنَا عِيسَى لَمْ يَفْعَلْ, فلما تَجَاوَزُوها قَالُوا مَا أنُتْنَ الْكَلْبِ؟ إلا سيدنا عِيسَى قَالَ: مَا أَشَدَّ بَيَاضَ أَسْنَانِهِ.
هذه اللفتة تؤكد على مدى الإيجابية التي يتمتع بها سيدنا عِيسَى حيث نظر للمسألة من زاوية الكأس المملوء، وكأنها رسالة لنا.
مغزى القصة السابقة هو موجة تطبيع أنظمة عربية مع الإحتلال أو لنقل (إخراج العلاقة من السر للعلن) وما قابلها من موجة استنكار وغضب في الشارع العربي و الإسلامي.
التطبيع بلا شكٍ أمرٌ شنيعٌ ، لكنه لم يكن ليحدث لولا ظروف يفرضها واقعٌ مختل المعايير حيث العدو الصهيوني يملك قوة وغطرسة مدعوماً بالحنان الأمريكي، وطرف ضعيف لم يدخل قادته أي معركة مشرفة، لكن على أكتافهم تنام نياشين ما قتلت ذبابة.
لو تأملنا قول الله عزوجل (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) وأسقطناه على قصة التطبيع، سنجد خيراً كثيراً، لكن هذا ليس مدعاة للتراخي والكسل عن العمل ضد العدو ومشاريعه وأعوانه.
فما يا ترى الوجه الآخر للتطبيع ؟
1_كشف عورة أنظمة صدعتنا بنصرتها للقضية الفلسطينية، كنا نظنهم في لحظات غفلتنا أنهم أُسود، لكن لما عقلنا إتضح أنهم عملاء وأجبن من الأرانب.
2_إحداث تأثير نفسي سلبي عند الصهاينة خاصة المفكرين والعارفين بشئون الدولة بأن دولتهم على وشك الإنهيار، ولنتمعن تخوف رئيس وزراء دولة الإحتلال ” نتنياهو” وهو السياسي المفكر (سأعمل لأن تبقى إسرائيل مائة عامٍ، ولم نعمر أكثر من 80 عاما قبل ذلك وهي دولة الحشمونائيم)، ولو اعتبرنا ميلاد “اسرائيل ” عام 1948 وأضفنا عليه 80 عاما سيصبح 2028 يعني أنه حتى تلك السنة سيتقى المنطقة العربية تغلي تحتها رمال حارقة.
2_زيادة كره وحقد الشعوب العربية تجاه انظمتها الفاسدة، قد يدفعها ذلك لثورة عارمة ضد أنظمتها مما يمهد لزوال “إسرائيل “، وهنا للإمام محمد الغزالي رحمه الله رأي حيث يقول (إن زوال إسرائيل قد يسبقه زوال أنظمة عربية عاشت تضحك على شعوبها).
3_كشف عورة شخصيات، علماء، مثقفين، اعلاميين، سياسيين، كنا نعدهم من الأخيار ، فإذا بهم أرخص من الخيار، “رضوا أن يكونوا مع الخوالف” فباعوا أخرتهم بثمن بخس، انقلبوا على أعقابهم صاغرين.
ما الواجب علينا الآن؟
ما يحدث من هرولة تجاه التطبيع يعطينا حافز بأن نعمل بجدية أكثر تجاه حشد الطاقات لفضح خبث الأنظمة المطبعة والتي في طريقها للتطبيع، النظر لمن يؤيد التطبيع على أنه خائن .
تلك كانت رؤيتي للوجه الآخر للتطبيع وعلينا أن ننظر إليه باعتباره يأتي وفق السياق القرآني
“لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ”.