أحدث الأخبارشؤون امريكية

اليوم الذي يلي ابو مازن هنا بالفعل

مجلة تحليلات العصر الدولية - معاويه موسى / مركز ابحاث الامن القومي الاسرائيلي

“اليوم الذي يلي ” ابو مازن ليس بالضرورة سياتي مختلفا عن اليوم الذي قبل ” . والكثير من ذلك يعتمد على اسرائيل . اولا يجب عليها ان تضمن استقرار الفضاء العام والاوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية والتي كانت بمثابة وصفة للهدوء النسبي في المنطقة على امتداد اكثر من عقد .
تولي بايدن مقاليد السلطة في الولايات المتحدة قد يؤدي الى استقرارالنظام الفلسطيني في السياق المتصل باليوم الذي يلي . منذ الان خلق التغيير في واشنطن حالة من الهدوء والتفاؤل الحذر في رام الله .
ومع ذلك فان المستقبل يعتمد على الخيارات التي سيلجا لها الفلسطينيون : اذا اختار قادة السلطة الفلسطينية وفتح التماسك بدلا من خوض صراع عنيف على السلطة واذا نجح القائد او القادة بالادراك ان بقاءهم يتطلب علاقة وثيقة مع اسرائيل . وربما يستولي على السلطة جيل شاب متحرر من الشعارات القديمة ويعطي الاولوية لهدف الدولة “هنا والان” حتى لو كانت متواضعة في مكانتها وحجمها .

البحث كاملا :
تتميز المرحلة الحالية بحالة انهيار وطني متعدد الاوجه بالنسبة للفلسطينيين : يلحظ ابتعادهم عن كل هدف استراتيجي سعوا اليه وعلى راسها الدولة ، يتعمق الانفصال بين الضفة وغزة يوما بعد يوم .فيما تفشل كل مساعي المصالحة الداخلية باستمرار ، وتظهر المنظومة الدولية والعالم العربي ياسا متصاعدا تجاه القضية الفلسطينية ( الذي عبرت عنه عملية التطبيع مع اسرائيل حتى قبل التوصل لحل للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني ) اما القيادة الفلسطينية فلا يوجد لديها رؤيا تستطيع تقديمها للجماهير في المناطق باستثناء الصبر والصمود والانتظار . وهو شعار لا يعالج من وجهة نظر الفلسطينيين محنتهم الراهنة .
في اسرائيل يواجهون صعوبة في فهم التعقيدات التي تميز شخصية ابو مازن . الميل الى محاولة فهمه بادوات اسرائيلية خلقت صورتان متناقضتان ا فيها الرئيس الفلسطيني اما شريكا في اتفاق سلام او عدوا رافضا .
في واقع الحال يجسد ابو مازن حالة من التناقض تعكس الى حد كبير الشخصية المعقدة للنظام السياسي الفلسطيني برمته . من جانب يتمسك بالمسيرة السياسية ويرفض مبدايا اللجوء للعمل المسلح لكنه من الجانب الاخر وبصفته شخصا عاش النكبة على لحمه الحي يجد صعوبة كبيرة في التوقيع على قضايا حاسمة تتضمن تنازلات في القضايا الجوهرية من الصراع وعلى راسها قضية اللاجئين والقدس .
لذلك تحول ابو مازن الى عبء وذخر في ان واحد بالنسبة لاسرائيل والفلسطينيين . بفضله حصل الاستقرار الاستراتيجي في الضفة الغربية على الرغم من الهزات العنيفة التي حصلت في العقد الاخير وساهم في تجاوز الربيع العربي الفضاء الفلسطيني وقام بوضع حد لحماس وحافظ على علاقات وثيقة مع اسرائيل . لكنه من جانب اخر تمسك بالخط السياسي النمطي واضاع فرصا سياسية وعلى راسها المقترحات التي قدمت له في انابوليس – وتسبب في تكلس القيادة الفلسطينية وقاد نظاما اتسم بالفساد وانتهاك حقوق الانسان . من المتوقع ان تدخل فترة حكمه باعتبارها الافضل والاسوا في تاريخ النظام السياسي الفلسطيني ، وتحديدا في الضفة الغربية : استقرار وازدهار ومن الجانب الاخر ازمة عميقة ومتواصل .
من بين المشاكل الاستراتيجية التي تواجهها اسرائيل اليوم توجد الكورونا لكن ينبغي على اسرائيل ايضا رفع وتيرة استعداداتها لليوم الذي يلي ابو مازن . هذا ليس ” شانا فلسطينيا ” انما موضوعا من المتوقع ان ينعكس مباشرة على الوضع الاستراتيجي لاسرائيل . على الاقل حتى الان من المرجح ان يؤدي غياب ابو مازن عن الساحة الى وضع الساحة الفلسطينية في حالة من الغموض الكبير : من دون الية واجراءات واضحة لنقل السلطة ومن دون خليفة محدد ” ومع مجموعة من المرشحين ” البائسين ” جدا ” ، واحتمال نشوب صراع بين المتنافسين على التاج داخل فتح قد يقود الى تقسيم السلطات التي يتولاها ابو مازن اليوم وتميق القطيعة بين قطاع غزة والضفة وايضا الى محاولة حماس تعزيز نفوذها في النظام الفلسطيني .
يوجد حاليا عدة سيناريوهات رئيسية يمكن ان تتطور مع غياب ابو مازن : الاول توحيد مراكز القوة التي تدعي احقيتها بخلافة ابو مازن بهدف تثبيت اركان سلطة فتح ، على الاقل لفترة مؤقتة حتى يستطيع ان يبرز بين هذه المجموعة قائد مؤثر . الثاني مواجهات عنيفة بين المعسكرات المتنافسة داخل فتح مع احتمال ان تكون هذه الصراعات عنيفة وطويلة وتتسبب بانهيار الحكم الفلسطيني ، يصاحب ذلك حالة من الفوضى والكانتونات في الضفة الغربية التي تقودها قيادات محلية او ميلليشيات مسلحة . والثالث هو توجه فلسطيني فوري بعد غياب ابو مازن لتنفيذ عملي وواسع النطاق للمصالحة، وهي خطوة ستصاحبها بالاضافة لامور اخرى التقدم باتجاه اجراء انتخابات عامة واشراك حماس في القيادة ومؤسسات الحكم الفلسطيني .
ومع ذلك ليس بالضرورة ان يكون اليوم التالي مختلفا عن اليوم السابق

والكثير من ذلك يعتمد على اسرائيل . اولا على اسرائيل ان تضمن الاستقرار في المجال العام الفلسطيني وكذلك الاوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية باعتبارها وصفة للهدوء النسبي في المنطقة منذ اكثر من عقد مضى . اكثرية الجمهور لا تريد الانجرار خلف الحروب الداخلية ولا تظهر اي اهتمام ملحوظ بصورة المعسكرات المتبلورة ” تتركز اهتمامات الجمهور الفلسطيني بالكورونا والاقتصاد ” .
على اسرائيل ان تبحث عن نقطة توازن ذكية بين موقفها كمراقب على ما الاحداث المتوقعة والحذر من اي تورط في الساحة الفلسطينية الداخلية وبين تتويج الملوك – الاجراء الذي اكتوت اسرائيل بناره في غير مرة مثل ما حصل مع بشير الجميل في لبنان .
يعتمد السبيل الامثل الذي على اسرائيل ان تسلكه على الدمج بين المساهمة في استقرار النظام الفلسطيني، تحديدا بواسطة خطوات مدنية وبين مراقبة حثيثة للتطورات داخل النظام الفلسطيني التي يمكن ان تؤثر على اسرائيل سلبا ، وان لا تترد في قطع الطريق على اولئك الذين يمثلون خطرا كبيرا عليها على سبيل المثال احتمال سيطرة جهات متطرفة على الضفة الغربية وفي مقدمتها حماس .
من المهم ان تقوم اسرائيل بتنسيق خطواتها مع القوى الرئيسة في المنطقة التي تبدي اهتماما وانخراطا في مسالة “اليوم الذي يلي ” وعلى راسها مصر والاردن ودول الخليج مع محاولة تجنيد قوتها السياسية والاقتصادية في استقرار النظام الفلسطيني في هذا السياق يجب على اسرائيل ان لا تجد نفسها في مغامرة دعم مرشحين محسوبين على قوى اقليمية .
من المتوقع ان يؤدي تولي الرئيس بايدن السلطة الى المساهمة في استقرار النظام الفلسطيني في سياق اليوم الذي يلي . التغيير في واشنطن خلق جوا من التفاؤل والهدوء الحذر في رام الله : فابو مازن انهى الازمة المتواصلة مع اسرائيل ، ويستعد لاعادة العلاقات مع الادارة الامريكية وهناك امال عند ابو مازن لاعادة المساعدات الاقتصادية الامريكية ومن ثم اعادة تحريك العملية السياسية فيما تعود واشنطن للعب دور الوسيط النزيه من وجهة نظر فلسطينية من المحتمل ان يؤدي الواقع الجديد الى توترات بين اسرائيل والفلسطينيين وبين اسرائيل والادارة الامريكية الجديدة لكنها في المقابل ستخلق اطرا للحوار المباشر بين الاطراف الامر الذي سيساهم في استقرار السلطة الفلسطينية بعد غياب ابو مازن .
سيعتمد المستقبل ايضا على الخيارات التي سيلجا لها الفلسطينيون انفسهم : هل سيفضل قادة السلطة الفلسطينية وفتح الوحدة بدلا من خوض صراع عنيف على السلطة ( مثل النموذج الذي حصل بعد موت ستالين في الاتحاد السوفياتي وسمح ببروز قائد مهيمن واحد ) وهل سينجح القائد او القادة المستقبليين في الادراك بان تبني خيار المواجهة مع اسرائيل يعني فترة حكم قصيرة وان بقاءهم لفترة طويلة يتطلب صلات وثيقة مع اسرائيل . ربما يسيطر على السلطة” باليوم الذي يلي “جيل شاب متحرر من كل الشعارات التي اكل عليها الدهر ويمنح الاولوية لهدف دولة ” هنا والان ” حتى لو كانت متواضعة من حيث الحجم والمكانة – على الاستمرار بالتمسك برؤوية تتراجع يوما بعد يوم ، الامر الذي يلزم اسرائيل باتخاذ قرار حاسم وطني وتاريخي في مسالة الانفصال بين الشعبين .

⛔ميخائيل ميلشتاين
رئيس مركز ديان للدراسات الفلسطينية جامعة تل أبيب
ضابط سابق في الادارة المدنية في جيش الاحتلال

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى