انتخابات أم وفاق وطني؟

هاني المصري
العصر-أما الآن فحركة حماس تطالب بإجراء الانتخابات؛ أي الاحتكام إلى الشعب، أو التوافق الوطني على ترتيب الحصص والمشاركة في السلطة والمنظمة، مع أنها تعرف أن المطالبة بالانتخابات ليس عمليًا ولا حلًا ولا في متناول اليد ولا جديًا؛ لأن من بيده مفاتيح الانتخابات لن يُقدم عليها إلا إذا ضمن نتائجها، وجُرّبت الانتخابات وكانت منصة للانقلاب والانقسام، فالاحتلال يقف بالمرصاد لمنع أي انتخابات حرة ونزيهة من شأنها تمكين “حماس” من الفوز مجددًا، أو تقوية الفلسطينيين وتوحيدهم، كما أن “حماس” ليست متحمسة للانتخابات؛ لأنها تدرك أن فوزها في الانتخابات لن يُمكّنها في كل الظروف من حكم الضفة التي تقع تحت السيادة الإسرائيلية بالكامل.
أما مطالبة حماس بالتوافق الوطني، فهي أيضًا ليست حلًا؛ لأنها تدرك أو مفترض أن تدرك أن خصمها المتمثل في الرئيس وحركة فتح يريد الاحتفاظ بالانفراد بقيادة السلطة والمنظمة، وفي أحسن الأحوال يمكن أن يوافق على إلحاقها بقيادته، وإلّا فليبقَ الانقسام على أمل أن تنهار “حماس” تحت وطأة الحصار والعدوان، وهذا يعني بقاء الوضع على ما هو عليه، واحتفاظ كل طرف بما لديه؛ أي بقاء الانقسام وتعمقه، واحتفاظ “حماس” بالسيطرة على قطاع غزة، واحتفاظ الرئيس و”فتح” بالسيطرة على المنظمة والسلطة في الضفة، مع مراعاة أن السلطة، خصوصًا في الضفة، بلا سلطة، وهي أقل من سلطة حكم ذاتي محدود.
“حماس” مطالبة برؤية جديدة لتغيير الوضع الراهن
تأسيسًا على ما سبق، فإنّ “حماس” مطالبة بتقديم رؤية وخطة وبديل قادر على كسر الوضع الراهن وتغييره، وعدم الاكتفاء بالمطالبة بالانتخابات أو التوافق الوطني، بل النضال لتحشيد القوى والأفراد وبلورة جبهة وطنية عريضة ومراكمة الضغط السياسي والشعبي لإحداث التغيير المطلوب؛ من أجل إعادة إحياء المشروع والوطني، وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، مع الحرص على عدم المساس بشرعية المنظمة ووحدانية تمثيلها، وهذا يتطلب:
أولًا: طرح برنامج وطني واقعي يجسد القواسم المشتركة قادر على الإقلاع بعيدًا عن التهدئة المؤقتة أو الهدنة طويلة الأمد، مقابل التسهيلات الاقتصادية والاحتفاظ بالسلطة في القطاع؛ الأمر الذي جعل المقاومة في خدمة السلطة أكثر ما هي في خدمة إستراتيجية التحرير.
ثانيًا: تعميق البعد الوطني والاستعداد للشراكة عند “حماس”، مع احتفاظها بالبعد الفكري الديني.
ثالثًا: الاستعداد لفظيًا وعمليًا للتخلي عن سيطرتها الانفرادية على قطاع غزة، مقابل شراكة كاملة في السلطة والمنظمة، وهذه نقطة في منتهى الأهمية.
رابعًا: الاستعداد لدمج كتائب القسام وبقية الأجنحة العسكرية في جيش وطني خاضع لقيادة وطنية موحدة وإستراتيجية واحدة، ويمكن البدء بتشكيل مرجعية عليا للمقاومة المنصوص عليها في وثيقة الأسرى وثيقة الوفاق الوطني.
خامسًا: تقديم نموذج حكم رشيد في القطاع ينهي تحكّم “حماس” وتفردها، حتى قبل إنهاء الانقسام، ويقدم نموذجًا بالمشاركة والشفافية والمساءلة والمحاسبة الوطنية، وليس عبر اللجنة الإدارية التي تتحكم فيها “حماس”، ولا من خلال أعضاء كتلة “حماس” في المجلس التشريعي فقط، واحترام حقوق الإنسان وحرياته، ومكافحة الفساد والهدر والتضخم والمحسوبية والفئوية والفصائلية، وتجسيد قيم المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص والإنتاجية والكفاءة، وإجراء انتخابات على كل المستويات وفي كل القطاعات بشكل دوري ومنتظم، وخصوصًا انتخابات الهيئات المحلية.
تذبذب موقف “حماس” من القيادة الرسمية
مثل: تغيير مكانة الأقصى، أو الضم، أو التهجير، أو ارتكاب مجازر كبيرة.
وأخيرًا، هناك نقطة لا بد من حسمها، وتتعلق بإمكانية سماح الاحتلال طائعًا – كما يبدو أن “حماس” تتخيله أو أقسامًا منها – في ظل توازن القوى القائم حاليًا، بقيام دولة فلسطينية في قطاع غزة، فهذا الأمر خاطئ، فلا مجال لقبول إسرائيلي بدولة فلسطينية ذات سيادة، لا في الضفة وغزة، ولا في غزة وحدها، ولا ومليون لا في الضفة
المستهدفة بالضم والتهويد والتهجير والعدوان وتغيير مكانة الأقصى، بل إن استكمال تحرير القطاع المحتل وتحرير الضفة وكل فلسطين، لا يمكن أن يحدث في ظل المعطيات المحلية والعربية والدولية الراهنة، إلا بعد تغيير جوهري حاسم في ميزان القوى، وهذا بحاجة إلى وقت ونضال وتضحيات، وخلق حقائق جديدة على الأرض كل يوم، ولا مكان هنا للأوهام والرهانات الخاسرة، ولا لانتظار تحقق النبوءات والغيبيات واندلاع حروب إقليمية وعالمية تؤدي إلى زوال إسرائيل هذا العام أو قريبًا.
يعيش قطاع غزة حاليًا ضمن مسارين، إما مواجهة عسكرية غير متكافئة، أو هدوء تام من دون حتى مسيرات شعبية ووحدات الإشغال الليلي … إلخ، ولا شيء غير ذلك. إن وحدة الساحات الحقيقية تتجلى بأروع صورة فقط، عندما تتحقق الوحدة في الرؤية والبرنامج والمؤسسات والقيادة، ووحدة النضال والعمل السياسي والكفاحي بكل أشكالهما ضمن إستراتيجية واحدة وتحت قيادة واحدة.