انتخابات عراقية حرة ونزيهة من وجهة نظرPPLE…حقيقة أم خيال؟
مجلة تحليلات العصر الدولية
بقلم: د. حسين الاسدي/ عضو مجلس النواب العراقي
شهدت بداية العام الدراسي 2014-2015 في جامعة أمستردامUvA أول مجموعة من الطلاب تبدأ برنامج البكالوريوس في اختصاص جديد لم يعرف من قبل حيث يجمع بين العلوم السياسية وعلم النفس والقانون وعلم الاقتصاد Politics, Psychology, Law and Economics ويعرف اختصاراً PPLE ، وهو فريد من نوعه، وكمحاولة تطبيقية سنعالج الانتخابات العراقية القادمة بغض النظر عن كونها مبكرة أو دورية بحسب العلوم الأربعة مجتمعة ومتفرقة وفقاً للنمط الجديد من المعرفة، ونقدم تصوراً علمياً وعملياً يمكن ان يضع الانتخابات في نصابها ويساهم في بناء مرحلة قادمة على أسس معرفية سليمة.
الاقتصادEconomics: لنبدأ بالاقتصاد فالعراق يمر بأزمة مالية حادة وصلت الى تعذر صرف رواتب المتقاعدين والموظفين وطلبت الحكومة تجويز الاقتراض الداخلي والخارجي ووافق البرلمان بعد بعض التعديلات، بالإضافة الى ان الحكومة لم ترسل موازنة لعام 2020 الى هذا التاريخ فهل في هذه الأجواء يمكن للحكومة ان تنفق اموالاَ تقدر بـ 250 مليون دولار لإجراء الانتخابات سواء أكانت مبكرة خلال عام واحد أم كانت في موعدها الدوري بعد سنتين تقريباً؟، ان النسبة الأكبر من هذه النفقات يذهب الى العاملين في مراكز التسجيل ومراكز الاقتراع، فعدد موظفي مراكز التسجيل التي يبلغ عددها 550 مركز تسجيل في عموم العراق وعدد الموظفين في كل مركز 12 موظف ويساوي 6,600 موظف في حين عدد مدراء المراكز الفرعية 550 مديراً وعدد معاوني مدراء المراكز الفرعية 550 معاوناً وكان الراتب الشهري للمدير 600,000 دينار، والراتب الشهري للمعاون 550,000 دينار، الراتب الشهري للموظف 450,000 دينار، فالمرتبات الشهرية للمدراء 550 × 600,000 = 330,000,000 دينار، والمرتبات الشهرية للمعاونين 550 × 550,000 = 302,500,000 دينار، والمرتبات الشهرية للموظفين 5500× 450,000 =2,475,000,000 دينار، فمجموع مرتبات الموظفين للمراكز الفرعية شهرياً 3,107,000,000 دينار هذه النفقات لشهر واحد فقط مع ان عملية التسجيل تستغرق عدة أشهر، اما موظفي مراكز الاقتراع فان عددهم إذا كان يتكون من خمس محطات يتكون من 35 موظف اقتراع، وعدد مراكز الاقتراع في العراق 8,000 مركز، وعدد محطات الاقتراع 48,000 محطة، وعدد الموظفين في المراكز خارج المحطات 8,000 × 10 = 80,000 موظف، عدد منسقي المراكز 8,000 منسق، عدد مدراء المحطات 48,000 مدير، عدد الموظفين في المحطات 48,000 × 4 = 192,000 موظف، عدد الموظفين في المراكز والمحطات 192,000 + 72,000 = 264,000 موظف، راتب منسق المركز 400,000 دينار، راتب مدير المحطة 350,000 دينار، راتب موظف محطة الاقتراع 300,000 دينار، مجموع مرتبات منسقي المراكز 8,000 × 400,000 = 3,200,000,000 دينار، مجموع مرتبات مدراء المحطات 48,000 × 350,000 = 16,800,000,000 دينار، مجموع مرتبات الموظفين 264,000 × 300,000 = 79,200,000,000 دينار، المجموع الكلي للمرتبات 99,200,000,000 دينار وهذه المبالغ الطائلة تصرف في يوم الاقتراع، وللتخلص من الأعباء المالية التي تتحملها الدولة بسبب الانتخابات يمكن الاستفادة من الطاقات البشرية الكبيرة المتوفرة في وزارتي التربية والتعليم العالي وبقية الوزارات الأخرى من الموظفين الحكوميين وهم من اكثر طبقات المجتمع وعياً وادراكاً للمسؤولية كما وانه يمنع من اختراق الانتخابات من العناصر غير المرغوب بها لمعروفية الموظفين الحكوميين هذا بالإضافة الى انه يحد من ظاهرة المحاصصة والمحسوبية التي تستفيد منها بعض الجهات السياسية، وهو امر تقوم به العديد من دول العالم فيمكننا ان نوفر 225 مليون أي ان تكلفة الانتخابات تكون 25 مليون دولار فقط وهو رقم صغير جداً قياساً بالموازنات العراقية، ومن هنا نستطيع تجاوز العائق الاقتصادي.
السياسةPolitics : نظم قانون الأحزاب السياسية – الوقائع العراقية رقم العدد: 4383 تاريخ العدد :12-10-2015 – وفقاً للمادة 39 من الدستور النافذ لعام 2005 العمل السياسي في العراق وتضمن القانون في المادة 32 اولا: 1 – يجوز حل الحزب السياسي بقرار من محكمة الموضوع بناءً على طلب مسبب يقدم من دائرة الاحزاب في احدى الحالات الاتية:
أ – فقدان شرط من شروط التأسيس المنصوص عليها في المادتين 7 و8 من هذا القانون.
وسنأخذ منها المادة 8 ثالثاً: ألا يكون تأسيس الحزب وعمله متخذاً شكل التنظيمات العسكرية أو شبه العسكرية، كما لا يجوز الارتباط بأية قوة مسلحة.
ب – قيامه بأي نشاط يخالف الدستور.
ج – قيامه بنشاط ذا طابع عسكري أو شبه عسكري.
د- استخدام العنف في ممارسة نشاطه السياسي.
هـ- امتلاك أو حيازة أو خزن الأسلحة الحربية أو النارية أو المواد القابلة للانفجار أو المفرقعة في مقره الرئيسي أو أحد مقار فروعه أو أي محل أخر خلافا للقانون.
و- قيامه بأي نشاط يهدد أمن الدولة، أو وحدة أراضيها، أو سيادتها، أو استقلالها.
وجميع هذه الممارسات لا يمكن لمفوضية الانتخابات اثباتها أو البت فيها لا اختصاصياً ولا سياسياً فمخالفة الدستور شأن قضائي والقيام بنشاط ذا طابع عسكري أو شبه عسكري واستخدام العنف في ممارسة نشاطه السياسي كلها شأن أمنى وكذلك امتلاك أو حيازة أو خزن الأسلحة الحربية أو النارية أو المواد القابلة للانفجار أو المفرقعة في مقره الرئيسي أو أحد مقار فروعه أو أي محل أخر خلافا للقانون، هو الآخر شأن أمنى أما الفقرة (و) فلا يوجد أوضح من الدعوات الانفصالية التي نسمعها بين الحين والآخر ولم نجد جهة تحركت لمنع أصحابها من المشاركة في الانتخابات، وحل احزابها، وهذا بحد ذاته خلل كبير يتطلب تدخلاً يلزم الحكومة بالرقابة الاستخباراتية والأمنية للأحزاب وعملها ومقدار مخالفتها للقانون وتزويد الجهات القضائية بتحقيقاتها التي تبت بها كأي جريمة أخرى.
واما الفقرة ثالثاً من ذات المادة: ايقاف نشاط الحزب السياسي لمدة 6 ستة أشهر بناءً على طلب مسبب من دائرة الاحزاب في حالة ثبوت تلقيه اموالاً من جهات اجنبية خلافا لأحكام هذا القانون ويحل الحزب السياسي في حال تكرار هذه المخالفة.
فإننا نعتقد ان هذه العقوبة مبهمة وغير كافية فلو تلقى الحزب مالاً كثيراً لمرة واحدة لما احتاج الى مرة أخرى، كما انه هل تلقي الأموال من الخارج يمر دون عقوبة وهو تخابر مع الأجنبي يعاقب عليه قانون العقوبات العراقي، هذا ان لم يكن غسيل أموال، كما وانه يواجه ذات المشكلة حيث انه ليس من اختصاص عمل المفوضية وانما الأجهزة الرقابية وخاصة الأمنية والمصرفية منها.
الا انه سياسياً وهو محل نقاشنا في هذه الفقرة سيؤثر وجود السلاح واستخدام القوة والمال السياسي، على عمل الأحزاب الأخرى ونتائج انتخاباتها وهو امر جد خطير على مستوى السياسة فضلاً عن كونه يفسح المجال في تمرير اجندات خارجية، فكيف نتصور انتخابات حرة ونزيهة والسلاح والمال السياسي هو الحاكم في الموقف.
القانونLaw: تواجه الانتخابات القادمة مشكلتين قانونيتين الأولى بعدية: وهي عدم اكتمال نصاب المحكمة الاتحادية ولذا يتعذر المصادقة عليها وقد فصلناها في مقال سابق بعنوان الديمقراطية في العراق، وخطر الحلقة المفرغة…رؤية قانونية، والثانية قبلية وهي قانون الانتخابات ويتطلب القانون انجاز مهمتين أساسيتين كيما يكون ناتجاً وليس اجتراراً للمراحل السابقة الأولى: الدوائر الانتخابية المتعددة Multiple constituencies كما هو الحال في المملكة المتحدة بنحو يكون لكل دائرة منتخب واحد وان تعدد المرشحون ويؤخذ بأعلى اصوات المرشحين من يحوز 50% + من أصوات المشاركين في الانتخابات، أما لماذا الدوائر المتعددة بهذه الشاكلة فلأسباب اقتصادية حيث لا يتطلب من المرشح ان يتواصل دعائيا بحدود تتجاوز المنطقة التي يسكنها فلو فرضنا انه لكي يغطي العراق بأكمله أو المحافظة التي يسكنها نظام الدائرة الواحدة فاذا افترضنا انه ينفق دعاية انتخابية ليغطي دائرته الصغيرة معنى ذلك انه يتطلب ليغطي العراق بأسره بـ 329 ضعفاً فاذا كانت الدائرة الواحدة المنفردة تتطلب 50 – 500 ألف دولار دعاية انتخابية فللعراق 16,450,000 – 164,500,000 دولار واذا علمنا ان كل قائمة فيها ضعف العدد فعدد المرشحين في انتخابات 2018 هو 7,367 مرشحاً فيكون المجموع 121,187,150,000 – 1,211,871,500,000 دولار وهي ارقام كبيرة جداً وهدر بالأموال لا ضرورة له بالطبع الدائرة على مستوى المحافظة اقل ولكنها تبقى مرتفعة نسبياً.
والسبب الآخر تنظيمي حيث تكون العلاقة مباشرة بين الناخبين والمرشح فلديهم المعرفة الكاملة به وبتأريخه وما يمكن ان يقدمه لهم وان كان يمثل 100 ألف من العراقيين بحسب الدستور الا انه يبقى هؤلاء مسؤولون عن ترشيحه نيابة عن الاخرين والامر الاخر في حالة فشله في أداء مهامه ليست له فرصة للفوز من خلال تجمعات بشرية أخرى لفقدانه ثقة جمهوره.
والمهمة الثانية: في شروط المرشح بأن يكون حاصلاً في أقل تقدير على شهادة جامعية أولية في الاختصاصات التشريعية أو الرقابية أو ما يكون مؤثراً فيهما فيكون الاعتماد على ثلاثة اختصاصات أساسية هي الإدارة والقانون والعلوم السياسية واما لماذا هذه الاختصاصات فلان مجلس النواب وظيفته تشريعية رقابية وفقاً للمادة 61 من الدستور ومن الواضح ان غير هذه الاختصاصات ليس لها علاقة بالتشريع والرقابة، ويبقى الاستفادة من المستشارين في القضايا التخصصية حين الحاجة.
علم النفسPsychology: سيكولوجية الانسان تدفعه نحو الحصول على حقوقه فيرفض كل اشكال التلاعب التي تؤدي الى ضياع مكتسباته، وحيث ان الناخب وجد عدم جدوى الانتخابات لأسباب متعددة من أهمها انها لم تعد عليه بفائدة فما زال يعيش الفقر وسوء الخدمات وتفشي البطالة وتغول الفساد وانفلات السلاح، كل هذا بكفة والتزوير في الانتخابات بكفة أخرى حيث لاحظنا عزوفا شديداً في الانتخابات الأخيرة بحسب بعض المراقبين انها لم تصل الى 20% وعلى الأرقام الرسمية غير الموثوق بها 39% ولطمأنت الناخب ينبغي معالجة الإشكالات السابقة والعمل على زيادة الشفافية التي تؤكد على حرية ونزاهة الانتخابات، وبعكس ذلك فإننا سنشهد عزوفاً اكبر قد يؤدي الى فشل الانتخابات عملياً، وخروج الناس الى الشوارع للحصول على حقوقها.