أحدث الأخبارالعراق

انقلاب التاريخ

عادل عبد المهدي

سواء انتصرت روسيا ام لا، فنحن امام تاريخ جديد -بدأ قبل حقبة- وقاد للحرب. وهذه تلميحات سريعة لاثار سياسية واقتصادية لدينا ولغيرنا.
الاول: السياسي.
1- تغيرت معطيات كثيرة تتحسسها مراكز القرار العراقية وتتأثر بها وتحكمها. تشير لهيمنة ديناميكيات الاقليمي والدولي على ديناميكيات القرار الداخلي. وهذا صحيح عند الانتخابات، والتحالفات، وتشكيل الرئاسات والحكومة. فتدخل يومياً عوامل جديدة كاوكرانيا، او اعدام عشرات الشيعة وغيرهم في السعودية صبراً، او الصواريخ الايرانية على اربيل، او الحرب الخفية/العلنية بين “محور المقاومة”، والكيان الصهيوني وحلفائه، مما يبلور ويحسم اصطفافات الاطراف الداخلية، ويشي بالممكن والمستحيل من قراراتهم.
2- للتفرغ لمواجهة روسيا، ناهيك عن الصين، تسعى امريكا لحسم الملف النووي. مما قد يخفف حدة الصراع مناطقياً. ويُحدث تطورات تدريجية لاوضاع العراق ولبنان وسوريا واليمن والخليج، الخ. بالمقابل، ستنشط روسيا، مما سيغير معطياتنا الجيوبوليتيكية، ويضيف تشكيلات اقليمية/اوراسية/عالمية جديدة تحجز لنفسها مساحات مؤثرة عندنا ولغيرنا. فرغم تصويت االامارات والسعودية ودول العالم الثالث للقرار الاممي الغربي، لكن روسيا استثنتهم من الدول “غير الصديقة”، لرفضهم العقوبات. فاستمرار وتوسع الحرب، ودعوات التطوع ستجعل اوكرانيا واوروبا مركز الثقل، وساحة صراع رئيسية، تُغير من معطيات التدافعات في مختلف الساحات. دون استبعاد اشكال جديدة للصراع، اذا طالت الحرب وتوسعت. ويقينا سيتصاعد الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي، دفاعاً/وهجوماً، خفية/وعلناً (ضربات يسارية متسارعة، تتخلها يمينية محكمة)، خصوصاً عند انخراط دولة الاحتلال كلياً لصالح امريكا ضد روسيا، والعكس غير وارد.
3- هذه الدورة، او قريبة قادمة، سينتهي نظام الفصل العنصري والاحتلال، وتتحرر القدس وبقية الاراضي، وسيأخذ الغرب والشرق مكانهما وحجمهما، وسنتمتع بقوة اننا شرقيون/اوسطيون، وبوابة الشرق او جسره للغرب.
الثاني: الاقتصادي. روسيا من اوائل المنتجين في الطاقة الاحفورية. تزود (45%) من حاجة اوروبا من الغاز، و(+25%) من النفط، ومنتجة رئيسية للفحم. لم تتوقف الامدادات بعد الاجتياح، لكن اسعار الغاز تضاعفت مرات، وارتفع سعر النفط (30%). وكذلك القمح، اذ تنتج روسيا واوكرانيا (25%) من الانتاج العالمي.
وبايجاز شديد، لنرَ اثر الطاقة والقمح عراقياً.
وفق بيانات “سومو” (شباط)، صدّر العراق (3.314م.ب.ي)، بسعر موزون (92.083دولار/برميل) محققاً (8.54) مليار/دولار للشهر. وفي (12/3) بلغ (112-113) دولار/برميل. اي حوالي (+20%)، اذا احتسبنا بقية التكاليف. فنحقق (2) مليار دولار اضافية شهرياً. وقس على ذلك حسب الاسعار. كيف سنستثمرها؟
1- قد يضع قرار المجلس الوزاري للاقتصاد (6/3/2022) الذي اقره مجلس الوزراء اشارة للطريق الصحيح. ووفقه تُستلم الحنطة داخل وخارج الخطة، بسعر (750،000دينار/طن)، وسداد مستحقات الموسم السابق خلال (10) ايام، وموسم (2022) قبل نهاية حزيران، واقراض المزارعين لشراء المرشات بفائدة (5%).
يجب الاصرار على تطبيق القرار، وان يعزز على الاقل بالاتي: 1- تحمل الدولة للفوائد المصرفية. 2- شمول الشلب وبقية الحبوب والزراعة عموماً بقرارات مماثلة بدعم المخرجات اساساً. 3- اجراءات مماثلة من حيث التسهيلات والقروض لمشاريع “بدائل الاستيراد” (2020 استوردنا بـ40 مليار دولار)، والمشاريع التي توفر العمالة وتزيد من الناتج الوطني الاجمالي، واستكمال البنى التحتية، كميناء الفاو وغيرها. مع ضمان حقوق العاملين في القطاع غير الحكومي في الضمان والتقاعد وغيرهما.
2- ببرج (120دولار/برميل) وعلى اساس (100،000دولار/برميل)، سنحقق رصيداً يومياً يقارب (12) مليون دولار، سيُسجل في صندوق الاستثمار “الصيني-العراقي”، اي (4،4مليار/دولار/سنة). وهذه سيولة استثمارية بحوالي (25مليار/دولار) بشروط متفق عليها حسب الاتفاق. والارقام قد تتغير صعوداً بارتفاع الاسعار. مبالغٌ يجب عدم هدرها في مشاريع “انتخابية/استعراضية”، بل في البنى التحتية، ومشاريع القيم المضافة والارتكازية، لاستيعاب البطالة وزيادة الناتج الوطني. فـ(1و2) اول الطريق للخروج من الاقتصاد الريعي، وانسداداته، وتبعياته، وفساده.
3- الخشية، عدم استثمار الموارد الاضافية (إن تحققت) في تنمية الاقتصاد، بل في الاستيرادات والنفقات الاستهلاكية، فيصح علينا “لعب ساعة ودمار دهر”. فالغذاء يحتل المكانة الرئيسية في استيراداتنا. ففي (2020) استوردنا بالاطنان (1،1) مليون/رز، و(3،7) مليون/الحبوب، و(2،3) مليون/القمح، (0،569579) لحوم، دون ذكر البقية. فلنعطِ للزراعة اهتمامنا، فهي مع البنى التحتية والمشاريع الاساسية و”بدائل الاستيراد” محركات لبقية القطاعات الحقيقية والخدمات واعمار المساحات الشاسعة واستيعاب العمالة واصلاح الاقتصاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى