برهم صالح في مقال رأي في مجلة (فورين بوليسي) الأميريكية. ينتقد وضعاً كان هو أحد أقطابه وأحد المنتفعين منه.

هفال زاخويي
العصر- في مقال رأي نشرته مجلة (فورين بوليسي الأميريكية) مؤخراً لـ(برهم صالح ) رئيس جمهورية العراق السابق، ينتقد فيه الحياة السياسية للعراق، واضعاً اصبعه على مكامن الخطأ، وقد جاء المقال – كما حال السياسيين العراقيين بعدما يخرجون من العملية السياسية- متخماً بالمثاليات والشعارات وأساليب دغدغة عواطف ومشاعر الجماهير ، ولربما التلاعب بعواطف بعض المثقفين الذين يرون فيه وفي شعاراته ومثالياته مثلاً أعلى أو لربما كانوا منتفعين إبان فترة رئاسته.
يقول السيد برهم في مقاله: ” بيد أن العراق لم يرق إلى مستوى التطلعات التي رحبت بتحريره ” وفي فقرة أخرى يقول: ” لا يزال العراق يعاني من مشاكل عميقة الجذور تنبع من عقود من الإخفاقات السياسية والحكومية، حيث جراحات الديكتاتورية والعنف الطائفي لم تلتئم بعد. حيث أن الجمود السياسي، والنزاعات الدستورية، والتوترات العرقية والدينية، والحكم السيئ، والفساد المستشري يبتلي بها البلاد. لذا العراقيون ما زالوا ينتظرون العدالة والفوائد التي يستحقونها من
تحريرهم.”… هنا لا بد من التساؤل: ألم يكن برهم صالح جزءاً من العملية السياسية؟ ألم يكن ضمن نفس دائرة الحكم السيء والفساد المستشري (على حد قوله) حينما كان وزيرا للتخطيط في الحكومة الانتقالية (ولم يكن يداوم في مكتبه الا نادراً) ألم يكن نائباً لرئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية في العراق فترة ليست بالقصيرة إبان فترة ولاية السيد نوري المالكي؟… أي تخطيط انجزه للبلد حينها…؟ وأي تنمية اقتصادية حققها…؟ ألم يكن السيد برهم صالح حينها يرى اللاعدالة والتوترات العرقية والدينية والمذهبية…؟ ألم يكن قد بلغ سن النضج السياسي كي يكون بمقدوره تشخيص الخلل والأخطاء آنذاك والعمل على اصلاحه؟
وعلى مستوى اقليم كوردستان الم يكن برهم صالح رئيسا لحكومة إقليم كردستان للفترة من كانون الثاني 2001 وحتى منتصف 2004./ ادارة السليمانية / فما الذي قدمه حينها…؟ الم يكن رئيس لحكومة اقليم كوردستان للمرة الثانية في اربيل حيث تولى منصب رئيس حكومة الإقليم منذ تشرين الأول عام 2009 إلى عام 2011 فما الذي قدمه لللاقليم..؟
يقول في فقرة أخرى: “لا عجب أن يزداد احتقار العراقيين وعدم ثقتهم بالسياسة بسبب ما حصل وما جناه العراقيون لحد الآن من أثر السياسة”.
هنا تساؤل آخر يطرح نفسه ويفترض أن يتقن السيد برهم الجواب عليه، هل العراقيون احتقروا السياسة أم احتقروا السياسيين…؟ هل فقد العراقيون الثقة بالسياسة كمفهوم أم بالساسة الذين هو منهم بل من الذين تركوا بصماتهم في ساحة انعدام ثقة الأهالي بالسياسيين…؟ والذين استأثروا بمقدرات العراق والعراقيين… هل ما يرد في مقاله تأنيب للضمير أم لعبة أخرى من ألاعيب السياسيين للوصول الى المناصب العليا من خلال التلاعب باللغة والمفردات والتراكيب لدغدغة العواطف؟
في فقرة مثيرة للجدل يقول السيد برهم: ” ذكرتُ مرارًا وتكرارًا خلال فترة رئاستي للعراق، فإن البلاد بحاجة إلى عقد اجتماعي وسياسي جديد يعزز الحكم الصالح ويعيد تحديد العلاقة بين الحكومة والشعب.”…أي حكم (صالح) يقصده السيد صالح…؟ وما مفهومه ورؤيته للحكم الصالح والرشيد…؟ وأي عقد اجتماعي وسياسي يعيد تحديد العلاقة بين الحكومة والشعب بعد كل هذه الفجوة بين الأثنين..؟ ينبغي أن يفسر رؤيته لنمطية الحكم الصالح وتحديد العلاقة بين الحكومة والشعب لكن حسب المفهوم الحقيقي لـ( الحكم الصالح) وليس حسب مفهومه هو، إذ خبرناه وهو في المناصب العليا ورأيناه كيف كان يتحرك ويتعامل ضمن الحياة السياسية العراقية…!
في فقرة أخرى يذكر السيد برهم :” من خلال الحوار والنقاش والمباحثات، يمكن للعراقيين أن يتوصلوا إلى حلول وسط وفعالة للنزاعات المستعصية.”…وهنا نتساءل عن خطابه الاعلامي والسياسي لعقدين مضيا: ألم يفكر السيد صالح في الحلول الوسطى واليات تحقيقها ويحث عليها من خلال مواقعه العليا في الدولة العراقية لعقدين من الزمن؟! في وقت كان الخطاب السياسي والاعلامي لمجمل التيارات السياسية العراقية تتحدث عن (وطن واحد وشعب واحد) كحالة من الضحك على الذقون وتمويه الجمهور…!
في فقرة أخرى مثيرة للجدل يذكر السيد صالح ” يحتاج دستور 2005، الذي كان تاريخيًا عندما تم تقديمه، إلى التعديل ليعكس الدروس المستفادة من العشرين عامًا الماضية والآمال في العشرين عامًا القادمة “… وهنا يفرض التساؤل نفسه: خلال عقدين من الزمن مضيا أليست ذات الوجوه هي التي تتصدر العملية السياسية…؟ وهل المشكلة تكمن في الدستور أم في الرؤية السياسية لذات الوجوه التي تتصدر المشهد وبرهم صالح أحدهم… أم في التأويلات المتطرفة للدستور …؟
إنّ ورود هذه الفقرة الآتية في مقاله: ” يتطلب العراق إصلاحات جذرية، ورؤية سياسية جديدة، ومصالحة مخلصة بين المجتمعات المكونة له، وميثاق تاريخي بين الدولة والمجتمع، والتزاماً بالحكم الرشيد ” يعد ادانة واضحة لنفسه وللسياسيين الآخرين الذين شاركهم برهم صالح في ادارة الدولة العراقية، ألم يكن في ذهن رئيس الجمهورية السابق رؤية وفي نفسه ارادة حقيقية للمساهمة ولو نسبياً في تحقيق الاصلاحات..؟ وكيف ستكون هناك رؤية سياسية جديدة ومصالحة مخلصة بين المجتمعات المكونة للعراق إن كانت العقلية السياسية هي ذات العقلية التي مزقت البلد؟ عن أي ميثاق تاريخي بين الدولة والمجتمع يتحدث السيد برهم في وقت غابت فيه الدولة وبرزت سلطة وقوة فحسب، ولم يكن المجتمع في حسابات برهم أو غيره أصلاً يشكل شيئاً يُذكر…؟
ألم ينشق برهم صالح عن حزبه ورفاق دربه (الاتحاد الوطني الكردستاني) سنة 2016 ؟ الم يؤسس تنظيما جديداً بعنوان (التحالف من أجل الديمقراطية) ورفع شعارات التنمية والعدالة الاجتماعية…؟ ثم سرعان من ترك هذا التنظيم ورفاقه الجدد وجعلهم عرضة للصدمة بمجرد أن عرض عليه الاتحاد الوطني الكردستاني تولي منصب (رئيس الجمهورية)…؟ فكيف للثقة أن تنمو بطروحات السيد برهم صالح الجديدة فيما يتعلق بمستقبل العراق في مقاله الجديد المتخم بالشعارات والمثاليات التي لا يؤمن هو نفسه بها..؟!