بريطانيا تجمع “الإخوة الأعداء” للقتال في مأرب.. وشرط داعش للإنضمام الى المعركة؟
مجلة تحليلات العصر الدولية - المسيرة نت | ابراهيم الوادعي
جميع الخطوط الحمر في طريقها للتساقط في اليمن ومابقي تحت الطاولة من اوراق في طريقها للصعود والتكشف اقليميا ودوليا.
إعلان تنظيم داعش عن تواجده في مارب وتنفيذه عمليات عسكرية جنوب غرب مدينة مارب شكل مفاجئة لكل المتابعين للعلاقة بين الاصلاح والقاعدة وداعش ، فمأرب خلال السنوات الماضية كانت موطنا خالصا للقاعدة والاصلاح ، وبين الطرفين صراع دام يمتد ليس على جغرافية اليمن وانما بامتداد جغرافية الجزيرة العربية والدول التي تواجد فيها التنظيمان ، عوضا عن ان كل طرف منهما يكفر الاخر ويستبيح دمه .
خلال العملية العسكرية التي شنها الجيش واللجان الشعبية لتطهير البيضاء من تواجد داعش والقاعدة قبل ، قاتل كل من التنظيمين منفردين خلافاتهما وصراعهما لم يكن بالإمكان تجاوزه لتحقيق الدفاع المصيري المشترك ، لم يناصر داعش القاعدة في مواجهة الجيش واللجان الشعبية وهي التي خاضت المواجهة الاولى كون مناطقها اوسع وتطوق تنظيم داعش الذي اسس امارته في منطقة وظل محاصرا منذ تأسيسه على يد ابو محمد العدني ، وبالمثل فمن حاول الفرار من عناصر القاعدة عند وقوع الهزيمة الكاملة لم يمكنهم داعش منذ لك ، بل اشترط على عناصر القاعدة المنهزمين التوبة عن اعتناق افكار القاعدة ومناهجها ومبايعة امير داعش ابو محمد العدني ، وهو ما رفضه الكثير منهم وفضلوا التشرد في الشعاب ومواجهة الموت على النزول عند اشتراطات داعش ..
وفي وثائق عثر عليها الجيش واللجان الشعبية في معاقل داعش ، اشتكى داعش خلال صراع دام مع القاعدة في البيضاء طيلة خمس سنوات وحصدت اكثر من 5000 ما بين قتيل وجريح ، اشتكى من ان القاعدة تتلقى دعما مستمرا من مارب فيما ترزح امارته في الظهرة تحت حصار مطبق ، كما عثر في معاقل التنظيمين على مؤلفات ونشرات يكفر في كل منهما الاخر ويستبيح دمه وامواله ونسائه.
يعود تأسيس داعش في اليمن الى عام 2015م بعد سقوط الجنوب بيد تحالف العدوان ، وتاسيسها على يد الامريكيين في العراق كما اعترفت بذلك وزير الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون عام 2003م على يد ابو مصعب الزرقاوى ، والذي انشق عن تنظيم القاعدة واعتنق افكار تكفيرية اكثر تشددا من تلك التي حملها تنظيم القاعدة والذي تأسس رسميا في نهاية الثمانينات على يد بن لادن برعاية ضباط امريكيين وفق وثاق ويكليكس لمواجهة الاتحاد السوفيتي في افغانستان وامتصاص حالة الاحباط بين الشباب العربي في ظل تخاذل الانظمة العربية تجاه فلسطين .
ومع ان كلا التنظيمين يعتنقان المذهب الوهابي التكفيري ويتلقيان اموالا من خزائن خليجية ودعما لوجستيا من الاستخبارات الغربية لبريطانيا والولايات المتحدة الامريكية ، فقد خاض التنظيمان قتالا عقائديا مريرا في اكثر من ساحة مشتركة في سوريا وليبيا والعراق ، واليمن ، منشأه تنافس محموم ايضا على تلقي الاموال وتنفيذ المهمات الموكلة .
في اليمن كشف تقرير استخباراتي ان الضربات الامريكية بدون طيار بين عام 2016م وعام 2018م لتنظيم القاعدة بالرغم من كونه جزء من التحالف – العربي – استهدف قادة رفضوا وجود داعش واشتبكوا معه ، واعتبروا زراعته في اليمن تهديد لنفوذ القاعدة في اليمن المتجذر مع انتهاء الحرب في افغانستان وعودة المجاهدين العرب نهاية التسعينيات ، ومع ان داعش اسس له امارة في البيضاء الا انه ظل في حصار مطبق طيلة خمس سنوات الى انهار معقله في على يد الجيش واللجان الشعبية .
اعلان تنظيم داعش عن نفسه في مارب يقاتل الى جانب القاعدة في مارب ، وهما لم يفعلا ذلك في المعركة المصيرية في البيضاء يوحي باهمية معركة مارب لمن هم اكبر من داعش والقاعدة والاصلاح ، ولانبالغ إن قلنا للولايات المتحدة وبريطانيا .
تنظيم داعش اسس خلال ادارة امريكية ديمقراطية فترة الرئيس اوباما ، ومن الملحوظ ان داعش عاد للحياة مجددا في العراق مع بدء فترة رئاسة جو بايدن ودخول الديمقراطيين البيت الابيض ، التصريحات عن السلام ليست الا شعارات تعودت الادارات الديمقراطية الامريكية على تخدير وخداع فرائسها قبل ذبحها .
من المؤكد وفقا للمعطيات الاستخباراتية ان يكون داعش وضع شرط الاعلان رسميا عن وجوده في مارب للقتال الى جانب الاخوان والقاعدة ، وهو بقدر ما هو احراج للإصلاح ولتنظيم القاعدة شرط مذل جدا للإصلاح وللقاعدة عموما بالاستناد الى تاريخ الصراع المرير بين الطرفين ولكون مارب محرمة على التنظيم ولقي افراد له مصرعهم سابقا لمجرد انهم فكروا بالتجول في المحافظة او تهريب اسلحة او ادوية ، وذلك ماكشفته وثائق التنظيمين التي عثر عليها في البيضاء منتصف العام 2020م .
استعانة الاصلاح والقاعدة بالخصم اللدود داعش يدلل كذلك على الوضع الصعب عسكريا الذي بلغه الاصلاح ووصل اليه التحالف في مارب .
والامر الاخر ان الصفقة بين الخصمين اللدودين احدى ثمار تسليم الملف اليمني وملف مارب تحديدا الى البريطانيين ، وهم بارعون في تشغيل وجمع الاضداد ولو الى حين .
وبالنظر الى تصريحات السفير البريطاني مايكل ارنون الاخيرة على شاشة الجزيرة والصخب الدولي بما في ذلك دخول مجلس الامن في استجداء وقف عملية تحرير مارب ، تتكشف اهمية مارب للقوى الغربية وانها تتجاوز جغرافيتها المحلية باعتبارها اخر معاقل حزب الاصلاح الى كون سقوطها حدث مفصلي يضرب بزلزاله التحالف الامريكي في المنطقة وسيقيد يد اسرائيل باعتبار صنعاء جزءا من محور المقاومة .
الاستجداء البريطاني لوقف اطلاق النار في مارب واستذكار الوضع الانساني ، رغم تجاهل لندن والاتحاد الاوروبي خلال ست سنوات معاناة ملايين اليمنيين جراء الحصار والغارات اليومية على المدن والاحياء والبنى التحتيه .
صنعاء بدورها تؤكد المضي باستعادة مارب الى حضن الدولة ، وتتجاهل حملة النفاق الدولي بما في ذلك القلق الاممي واستجداء التحالف وقف المعركة ، فمابعد مارب وضع مختلف تماما ليس على مستوى اليمن بل على مستوى المنطقة .
تدرك صنعاء ان الاصلاح يلفظ انفاسه في مارب وافلات القبضة عنه خطأ تاريخي وعسكري ، وهي ليست في وارد خسارة الفرصة لإنهاء الحرب بشروطها ، وانهاء معاناة الشعب اليمني بعد سنوات من العدوان والحصار المرير ، في مقابل وعود بريطانية وامريكية جوفاء بالسلام وما من ضمانات بالتنصل عنه .
وليس بعيدا لاجغرافيا ولازمنيا اتفاق غزة اريحا بين الفلسطينيين وكيان العدو الصهيوني برعاية بريطانية وامريكية ، وكيف تحول الى مسار تدويخ بالفلسطينيين امتد لعقود ويجري قضمه رويدا رويدا حتى تحول الى جزر مقطعه يقيم عليها الفلسطينيون كما تشي خريطة صفقة القرن التي ورعها الامريكان ، بعد أن كانت الانتفاضة الفلسطينية على وشك صناعة تحرر على جزء كبير من ارض فلسطين لو ان القوم صمدوا وصبر قليلا ..
وليس مبالغة يؤكد متابعون أن معارك مارب أهم في البعد الاسترتيجي من معارك حلب السورية ، فهي مخاض ولادة اليمن القوي والمؤثر دوليا ، ومابعد تحرير مارب المنطقة مفتوحة على كل الاحتمالات وامام التحالف الخليجي الاسرائيلي تحديدا ايام عسيره ، استهداف السفينة الاسرائيلية في خليج عمان ليس الا شرر يتطاير من جحيم يعد للصهاينة ومن يطبع معهم وينهي التواجد الامريكي ككل .