يعيش العالم اليوم تحت هاجس الخوف من التطورات التي طرأت على فيروس كورونا، حيث يتمّ التداول حالياً وباعتراف منظمة الصحة العالمية بتحوّرات ثلاثة أساسية وهي (التحور البريطاني- التحور الإفريقي- التحور البرازيلي)، ولكل تحورٍ خصائصه وآثاره التي تُرعب سكّان الكرة الأرضية برمّتها وتضع مصير حياتهم ومستقبلهم بيد فيروس لا يرحم، لكن مهلاً هل هذه التحوّرات تعني أنّنا أصبحنا أمام واقع سوداوي لا يمكن الخروج منه؟ أم أنّ لهذه التحوّرات تفسيراً آخر؟
هناك تفسيران للتّحورات التي طرأت على فيروس كورونا، التفسير الأول هو أنّ هذه التحورات قد تتحوّل إلى فيروس جديد، وهنا تكمن المصيبة الكبرى، فهذا يعني تعاملا جديدا ودراسات لمعرفة ماهيّة الفيروس وكيفية التعامل معه وهل اللقاحات المطروحة بإمكانها مواكبة هذه التحوّرات؟
وقد عبر علماء عن “شعورهم بالقلق من التحورين البريطاني والإفريقي، لأنّهم يعتقدون أنّ بإمكانهما تغيير وظائف كورونا الرئيسية”. وهذا الذي لم تؤكده إلى غاية الآن منظمة الصحة العالمية، التي تعتبر أنّ التحورات لم تعدل بمكونات الفيروس بل بشكله، وبناءً عليه قالت شركة “بفايزر” المصنّعة للقاح كورونا إنّ “لقاحها سيظلّ فعالًا مع التحور البريطاني”، لتعود وتتراجع بعدها وتقول “إنّها تستطيع أن تصنع لقاحا يعمل مع التحور البريطاني خلال أسبوع”،
لكن ظهور تحورات عدّة منها التحور الإفريقي والتحور البرازيلي وما تعلن عنه دول عدة من أنّها تشكّ أنّ لديها تحورها الخاص، ومن المرجّح أن تُعلن كل يوم دولة عن متحورها، يجعل موضوع علاج فيروس كورونا أكثر تعقيداً وقد يرقى إلى مستوى الاستحالة، وبهذا يصبح مصير جميع اللقاحات في مهب الريح، ويصبح عامة الناس أكثر قلقاً وتوتّراً من ذي قبل، لأنّ هذه التحورات قد ساهمت بزيادة كبيرة بعدد الإصابات مثل التحور البريطاني وزادت عدد الوفيات مثل التحور الإفريقي، وزادت الإصابات والوفيات معاً مثل التحور البرازيلي.
وأمام هذا الواقع الكل ينتظر ويترقّب ويريد أن يصل إلى خشبة الخلاص التي تنجيه من أمواج كورونا العاتية، وهنا تدخل منظمة الصحة العالمية لكي تروّج لفكرة “أنّ اللقاح هو الحل وعند تطعيم 80% من الشعب ممكن أن يتمّ السيطرة على الوباء، لكن الذي يجري على أرض الواقع مُغاير، فعلى سبيل المثال لقاحات شركة “بفايزر” أظهرت عوارض جانبية خطيرة لدى متلقيها، لكنّ الأخطر من العوارض هو ما تحدّث عنه نائب رئيس الهيئة الوطنية للرعاية الصحية في المملكة المتحدة جوناثان فان تام، من “أنّ الأشخاص الذين حصلوا على التطعيم ضدّ “كورونا” ما زال من الممكن أن ينقلوا العدوى للآخرين، وبذلك ستستمر سلسلة انتقال العدوى”، أي ما تقوله منظمة الصحة العالمية عن مساهمة اللقاح بالسيطرة على كورونا هو كلام ليس بمحله بل على العكس سيضاعف عدد الإصابات، الذي سيؤدي إلى انهيار كامل للمنظومة الصحية بأي بلد، أمّا فعالية اللقاح فلم تثبت بعد على فيروس كورونا العادي فما بالك على التحورات؟
والأمر الذي ينذر بكارثة عالمية هو ما كشفه علماء صينيون من “أنّ الأجسام المضادّة لفيروس كورونا والتي تتشكّل بعد الإصابة بكورونا لا يُمكنها أن تحمي الشخص من تحورات فيروس كورونا”، وهذا يعني أنّ ما يقارب المليون مصابا بكورونا حول العالم سيصابون مرة أخرى بالفيروس المتحور، لكن مع خطورة أكبر على حياتهم، وأكمل العلماء الصينيون “أنّ العدوى الثانية من فيروس كورونا قد تكون أقسى وأقوى من عوارض العدوى الأولى التي أصيب بها الأشخاص”.
لكن هذا لا يعني أن ننسف أي فائدة للّقاحات فهي بأي حال تقلّل من نسبة الوفيات وهو ما يعتبر الجانب الوحيد للقاح كورونا المضمون، حيث لم تسجل منظمة الصحة العالمية أي حالة وفاة في العالم ناتجة عن تلقي لقاحات كورونا.
أمّا التفسير الثاني للتّحورات التي تحصل لفايروس كورونا، فهو أنّه إذا ما تحوّر الفيروس يصبح أضعف، وهذا يشكّل بارقة أمل بأنّه من الممكن أن يختفي الفيروس إلى الأبد، كالذي حصل مع فيروس السارس الذي ظهر عام 2003 واختفى في العام 2004 بشكل نهائي، وقد تحدث علماء أردنيون عن “مؤشرات تقنية داخل الخلايا البشرية التي تسلّل إليها فيروس كورونا في أجساد المصابين تبين أنّ الوباء في طريقه إلى الاختفاء في غضون شهرين”، وتابع العلماء أنهم “استندوا في توقيتهم الى دراسة منطقة الـ ORF ذات الأهمية البالغة في الفيروس والتي يتحدّد ضمنها مستوى قوته ومدى خطورته، ودعوا الباحثين المتخصّصين إلى المزيد من الاهتمام بها في دراساتهم”، وفي بارقة أمل أخرى ما نشره الباحثون في جامعة أوهايو الأميركية، عن “طريقة أخرى لوقف فيروس كورونا، تستند إلى تعطيل الحمض النووي الريبي (آر إن إيه) وقدرته على التكاثر”، وقالت الدكتورة جينيفر هاينز، الأستاذة في قسم الكيمياء والكيمياء الحيوية “لكي يتسبّب الفيروس في المرض، يجب أن يستمر في التكاثر داخل جسم الإنسان، لذلك نحن ننظر إلى هذا الجزء من الحمض النووي الريبي كهدف محتمل مضاد للفيروسات”، وإذا استطاع العلماء العمل على تعطيل فيروس كورونا فهذا سيساهم بطريقةٍ غير مباشرة بالتسريع في زواله أيضاً.
وبناءً على ما تقدم وفي كلا التفسيرين، لا يمكن أن يستسلم العالم لكورونا وستظلّ المحاولات جارية، إمّا من خلال اللقاحات والسعي لجعلها فعالة وآمنة بنفس الوقت، وإمّا من خلال المراقبة والمتابعة للفيروس للوصول إلى ثغرات قاتلة له، وإلى حين التخلّص من كورونا لا بد من الالتزام بمعايير السلامة وهي بالدرجة الأولى التّباعد الاجتماعي والكمامة وتعقيم اليدين، فكلّما حلّ الظلام وانسدّ الأفق لا بدّ لخيوط النور من أن تسطع وتسود تدريجياً، ومهما تعبنا من محاربة الجائحة سيأتي يوم ويقضى عليها، إلى ذلك الوقت دمتم بأمان وصحّة جيّدة.