ترامب يلفظ أنفاسه.. ما هي مفاجآت أيامه الأخيرة المتبقية؟ هل سيُعزل؟ وكيف سيكون المشهد الأمريكي بعده.. حرب أهلية؟
مجلة تحليلات العصر - عبدالباري عطوان
ترامب يلفظ أنفاسه.. ما هي مفاجآت أيامه الأخيرة المتبقية؟ هل سيُعزل؟ وكيف سيكون المشهد الأمريكي بعده.. حرب أهلية؟ انشقاق 18 ولاية عنصرية؟ ولماذا قد يكون خارج الحكم اخطر من داخله؟ وأين نحن كعرب وسط هذا الحدث التاريخي؟
⚪ لم يكن الرئيس الامريكي الأسبق جورج بوش الابن دقيقا عندما وصف ما يجري حاليا من فوضى، واعمال عنف، واقتحام للكونغرس (مجلس النواب) بأنه يعكس تحول أمريكا الى “جمهورية موز”، فلم يكن في معظم جمهوريات الموز التي اهينت بهذا التوصيف، رئيسا مجنونا، واحمقا، وكاذبا وغبيا، يتربع على عرش الحكم فيها مثل الرئيس ترامب، ويقوم المارقون الفوضويون فيها باقتحام البرلمان، حتى لو كان صوريا، وترويع نوابه وزرع قنابل متفجرة في اركانه، وسرقة وثائقه، واقتحام مكتب رئيسته واحتلاله والعبث بمحتوياته.
الدولة الامريكية العميقة هي التي تسترت على ترامب وانتهاكاته لأبسط قيم الديمقراطية وحقوق الانسان، وابرزها تحريض أنصاره على العنف، ورفض نتائج صناديق الاقتراع، والتهديد بالسلاح لمناهضيهم سواء كانوا حكاما، او مواطنين عاديين، والسبب في هذا التستر، ان هذه الدولة العميقة عنصرية واستعمارية، وتستخدم الديمقراطية وحقوق الانسان والحريات كشعارات مضلله، لإخفاء جرائمها في العالم بأسره، وخاصة منطقة الشرق الأوسط، فأي قيم ديمقراطية هذه التي تقتل الملايين في العراق وسورية وليبيا وأفغانستان واليمن؟
الأصوات تتصاعد الآن لعزل ترامب ومحاكمته، وتفعيل المادة 25 من الدستور الأمريكي، ونقل السلطة الى نائبة مايك بنس بعد تزايد الاستقالات في صفوف الوزراء وباقي المسؤولين الكبار من الحكومة، ولكن النائب بنس، الذي لا تقل عنصريته عن رئيسه، يرفض هذه الخطوة، الامر الذي قد يدفع السيدة الشجاعة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب لممارسة حقها الدستوري في محاكمته بتهم عديدة ابرزها التحريض على العنف، وانتهاك الأعراف الديمقراطية، والاتصال بحاكم ولاية جورجيا الجمهوري، ومطالبته بمنع فوز خصمه بايدن في الولاية وهو الذي يدعي تزويرها وعدم نزاهتها.
الجدل الدائر الآن حول دستورية عزل ترامب باعتباره لم يعد مؤهلا للحكم لأسباب “عقلية” يتجاهل امرا جوهريا للغاية، وهو الاخطار التي يمكن ان يقدم عليها هذا الرئيس “المجنون” و”المتهور” ليس على الولايات المتحدة، وانما العالم بأسره في الأيام القليلة المتبقية من حكمه، الامر الذي يحتم طرده فورا من البيت الأبيض، ووضعه تحت الإقامة الجبرية تمهيدا لمحاكته، ونزع جميع صلاحياته، بما في ذلك تجريده من “الزر النووي”.
ربما يجادل البعض بأن مثل هذه الإجراءات اذا ما جرى اتخاذها، ستحول ترامب الى “شهيد” وبطل قومي، وهذا جدل ينطوي على بعض الصحة، وليس كلها، لان تركه رئيسا حرا يمارس صلاحياته كاملة قد يؤدي الى نتائج عكسية وكوارث لا يمكن تصورها، فالرجل بات مثل الثور الجريح، ويدرك انه انتهى كسياسي، وسيقضي ما تبقى من حياته خلف القضبان، مما يدفعه الى المغامرة والمقامرة، فاذا لم يكسب فليس لديه ما يخسره.
ترامب الذي كان، وما زال، يعتبر نفسه فائزا واكبر من أمريكا، تحول الى عدو نفسه، ووقع في خطأ كارثي، عندما اطلق النار على قدمه، بتحريض أنصاره على الزحف الى الكونغرس، واحتلاله، مفشلا بذلك خطة كبرى كان قد اعدها بافتعال حرب مع ايران تمكنه من اعلان حالة الطوارئ والبقاء في البيت الأبيض لأطول فترة ممكنة.
تعهده بانتقال سلس للسلطة، واقراره الصوري بتقبل الامر الواقع وليس الهزيمة، مجرد محاولة أخيرة لكسب الوقت، ولكنها قد تكون “مناورة” محكومة بالفشل، بعد ان تخلى عنه الجميع، بمن فيهم معظم وزرائه، ونائبه مايك بنس، وقريبا زوجته، فعندما تسقط البقرة تكثر السكاكين ويكثر الجزارين.
توماس فريدمان الكاتب المعروف في جريدة “نيويورك تايمز” قال في آخر مقالاته قبل أسبوع انه بدأ حياته الصحافية مغطيا للحرب الاهلية في لبنان عام 1975، ويأمل ان لا ينهيها مغطيا للحرب الاهلية الوشيكة في الولايات المتحدة، ونرجح ان آماله هذه قد تخيب، فالولايات المتحدة تسير بسرعة قياسية نحو هاوية هذه الحرب، وقد تكون أيام وحدتها الجغرافية والديمغرافية باتت محدودة، وتواجه نهاية ربما تكون اكثر صعوبة ودموية من نهاية الاتحاد السوفييتي.
الحيلة الأخيرة في جيب ترامب ربما تتمثل في استقالته قبل بضعة أيام من مغادرته المفترضة للبيت الأبيض، وتسليم السلطة لنائبه مايك بنس مقابل الحصول على العفو، والحصانة الكاملة، باتفاق مع الأخير بصفته رئيسا للجمهورية، وفي هذه الحالة قد يصبح خطره اكبر وهو خارج الحكم مما هو في داخله.
علينا ان نتذكر ان ترامب حصل على أصوات 74 مليونا من الأمريكيين، معظمهم من العنصريين، ويشكلون الأغلبية في 18 ولاية، ولن يتورع عن مواصلة تحريضهم على العنف والانفصال، واذا كان “التويتر” وباقي وسائل التواصل الاجتماعي قد جَمّدت، وربما تغلق حساباته لاحقا، فمن غير المستبعد ان يؤسس محطة تلفزيونية خاصة به لبث سمومه، وتحشيد أنصاره العنصريين.
أيا كانت نتائج هذا المسلسل الامريكي الترامبي، فأننا كمواطنين عرب وشرق اوسطيين، اذا لم نكن ابرز الرابحين، فإننا لن نكون من الخاسرين مطلقا، ونحن نتحدث هنا عن الشرفاء الوطنيين الذين وقفوا في الخندق المقابل لمشاريع الهيمنة والدمار الامريكية، فانهيار الإمبراطورية الامريكية وبالتالي تفكيكها، وغرقها في حرب أهلية، كلها عوامل تعني كف شرورها وعدوانها وتدخلاتها في شؤوننا لمصلحة دولة الاحتلال الإسرائيلي، وإيقاف عمليات نهبها لثرواتنا من خلال اشعال فتيل الحروب في بلداننا.
ختاما نقول لرئيسها المخلوع والقادم أيضا، وكل الرؤوساء الآخرين، بضاعتكم رُدت اليكم، واشربوا من كأس العلقم الذي اسقيتمونا إياه، وزعامتكم للعالم في طريقها الى نقطة النهاية المأساوية، ولا عزاء لكل من دفعوا التريليونات رهانا على حمايتكم وعظمتكم.. والايام بيننا.