ثورة البحرين.. ثابتون حتى النصر
مجلة تحليلات العصر الدولية - ذوالفقار ضاهر
لا يحتاج الشعب البحريني وبالتحديد قوى المعارضة ونشطاء الرأي لموعد وذكرى محددة كي يتجدد عندهم العهد والشعور برفض الواقع المرير الذي تعيشه البلاد في ظل النظام الحاكم في المنامة والباسط سطوته على صدور البحرنييين، لا سيما ان كثير من هؤلاء النشطاء من قادة ورموز المعارضة إما في السجون او تم نفيهم الى الخارج، بعد التنكيل بهم جسديا او معنويا كمن سحب جنسيته وغيرها من الأشكال التي تخترعها سلطات النظام في التفنن بانتهاك حقوق الانسان في هذا البلد الذي لا ترصده الكثير من الدول الغربية على جدول انتهاك الحريات الأساسية.
مع كل ذلك يبقى للذكرى العاشرة لانطلاق الثورة البحرينية في فبراير/شباط من العام 2011، البعد المعنوي والأثر الكبير على نفوس البحرينيين عموما والعاملين في المجال السياسي المناهض لممارسات النظام والرأس الحاكم فيه، فهذه الذكرى تمر اليوم في ظل تطورات كبيرة عاشتها البحرين ومنطقة الخليج بشكل عام، كان أبرزها الاعلان عن التطبيع العلني للعلاقات بين النظامين الاماراتي والبحريني مع كيان العدو الاسرائيلي، ما يشكل دافعا جديدا وعنصرا إضافيا للمثابرة والتأكيد ان هذه المجموعة القابضة على الحكم في المنامة تتلطى خلف الغطاء والدعم السياسي وغير السياسي الذي يمدها بـ”الاوكسيجن” لتستمر بتحقيق مصالح بعض الانظمة الراعية لها في الخليج والمنطقة والعالم، لذلك تعطى “الضوء الاخضر” بممارسات كل أشكال القمع وكمّ الافواه وانتهاك حقوق شعب بأكمله دون حسيب او رقيب.
والممارسات والأساليب الماركرة التي تعتمدها السلطات البحرينية منذ ما قبل انطلاق “ثورة 14 فبراير” وحتى اليوم، تمزج بين القوة المفرطة حينا ومحاولة الالتفاف على المطالب المحقة احيانا اخرى، مرورا بزج القيادات في السجون ونفيهم عن البلاد، وكلها وسائل تهدف لإخماد شعلة الثورة من النفوس في محاولة لتطييع الشعب والقيادات والقوى المتنوعة، وهذا الامر من الامور الهامة التي نبه إليها آية الشيخ عيسى قاسم في كلمته يوم السبت 13-2-2021 بذكرى “ثورة فبراير” حيث قال “.. الحراك قائم، وحرامٌ أنْ يتوقف والمطالبة به يجب أن تستمر ما دام هدف إصلاح أوضاع الوطن وحياة وكرامة وكل حقوق إنسانه مفقودا على أرض الواقع ومعادَى من ناحية الحُكم..”.
في تصريح خاص لموقع قناة المنار عن مواقف الشيخ قاسم، قال المتحدث باسم حركة الحريات والديمقراطية(حق) البحرينية المعارضة عبد الغني الخنجر “في الذكرى العاشرة كان خطاب سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم حفظه الله، لافتا ومؤثرا للغاية وجاء شاملا ليرسم أفق العمل المعارض والمطالبة المشروعة بالتغيير الجدي والجذري ليؤصل لديمومة الحراك”، وتابع “خطاب آية الله قاسم هذا العام كان خطابا مفعما بالشموخ والإحساس والصدق، وكما العادة كان خطاب مرجعية تؤسس لضوابط ومحددات هامة ليسير وفقها أبناء شعبنا عامة وقوى المعارضة خاصة”.
وأوضح الخنجر “كان من أهم تلك المحددات وبتعبير سماحة آية الله قاسم ان الحراك قائم وحرام أن يتوقف، كما بيّن ان الإصلاح مطلوب كأعلى المطالب المشروعة”، واكد ان “كلام آية الله قاسم يحذر من الذهاب فقط لاصلاحات شكلية او لحلول مجتزأة لآثار وتداعيات القمع والبطش الوحشي”، وتابع أن “الخطاب ركز بشكل واضح على رفض خطوات السلطة بالتحالف والتطبيع مع كيان العدو الاسرائيلي”.
والعلاقات المعلنة حديثا بين نظام البحرين والعدو فتحت الباب أمام مزيد من التعاون الامني بين الطرفين، خاصة ان كلاهما له الباع الطويل في قمع الأحرار ومواجهة كلمة الحق والتصدي للمسيرات السلمية، لذلك تطرح العديد من التساؤلات عن وجود تعاون أمني واستفادة من الإمكانات الاسرائيلية لمزيد من القمع بالبحرين ومنع الثورة من الوصول لتحقيق أهدافها كما يحصل بمواجهة الشعب الفلسطيني، خاصة ان الشعب البحريني بكل قواه الحية في الداخل والخارج عبّر بوضوح عن رفضه لاي علاقات مع العدو، وقد أكد آية الله قاسم في كلمته المشار اليها اعلاه ان “النظام تخطَّى كلّ الحدود مع تحدّيه للشّعب وكلّ الأمة بما أقدم عليه من خطوته الآثمة المتمثلة في اتفاق التطبيع مع العدوّ الصهيوني”، وبالتالي فإن قمع مثل هذه الثورة الحرة والنزيهة هو لا شك من الغايات المشتركة لكلا النظامين في المنامة وتل أبيب.
وبالرغم من كل الظروف الصعبة التي يعيشها شعب البحرين في الداخل والخارج خاصة ما يتعلق بالاجراءات الامنية المشددة وتفشي جائحة كورونا، إلا انه تم إحياء ذكرى الثورة بكمّ كبير من الفعاليات في الخارج لا سيما الندوات الحقوقية والسياسية التي نظمتها قوى المعارضة وعدد من المنظمات، ناهيك عن المسيرات في الداخل التي أقيمت بظل الحصار الأمني الواسع لاجهزة النظام على مختلف المناطق.
يبقى ان الشعب البحريني لم يتراجع قط عن أهداف ثورته التي خرج من أجلها وقدم في سبيلها الشهداء والسجناء من مختلف الأعمار والفئات، وثابر على ضرورة تحقيق الإصلاح وإنهاء الفساد، وحافظ على أحد أبرز العناصر التي ميزت هذه الثورة ألا وهي السلمية التي يحاول النظام نزعها عن الحراك بمختلف الوسائل، ما يؤكد صبر وثبات هذا الشعب على مبادئه حتى النصر.