جامعة أحمد أبو الغيط العربية

بقلم علي خيرالله شريف
العصر-أطَلَّ علينا أحمد أبو الغيط بصوته المرتجف الناعم، قليل الحزم والحسم، والبعيد عن كُلِّ ما يوحي بالنخوة العربية تجاه شعبٍ فلسطيني بأكمله يتعرض للإبادة أمام أعين العرب الـمُغمضة سهواً وعمداً. أطلَّ كما كل مرة بعد اجتماع ما يسمى بالجامعة العربية، ليتلو بيان الجامعة بلغته العربية الـمُكَسَّرَة كما هيبة الجامعة، والمتراجعة كما كرامة العرب. وليست المشكلة فحسب في سوء القراءة وسوء اللفظ وإلغاء الأحرف اللثوية ورفع المجرور وجر المنصوب وتهشيم بالنحو وتمزيق كتاب القواعد العربية، ولكن الأهم من ذلك كُلِّه، قرارات تلك الجامعة التي تُعَبِّرُ عَن حَقِيقَةِ وَضعِها الـمُتَرَدِّي. ويكفي أن نعرف تحت أي سيطرة تنوء هذه الجامعة، لكي نعرف أيَّ تردٍّ وصلت إليه. يَتَحَكَّمُ بِها مالُ الـمَشيَخاتِ الـمُرتَهَن لِلغَربِ ولِلصَهيُونِيَّة، وَيغيب عنها الرجال العظام أمثال جمال عبد الناصر وحافظ الأسد وأحمد بن بله وهواري بو مدين وغيرهم. فمنذ أن غاب هؤلاء الكبار، ومنذ أن رحل الأمناء العامُّون الحقيقيون للجامعة، صارت مُجَرَّد ديكور تابع لجيوب من يدفع أكثر. والـمعادلة الـمُخزية أن من يُمَوِّل الجامعة العربية هو نفسه يُمَوِّل العدو والعدوان على غزة.
وكأنِّي بأَعرابِ التطبيع الـمُهَيمِنين على الجامعة ينتظرون إبادَةَ غزة عن بِكرَةِ أبيها. ويبدو أنهم يتعاونون مع العدو لتحقيق ذلك عِقاباً لها على تلقيها الدعم من إيران وعلى ما “تقترفه” من مق_او_مة للاحتلال. وتقول بعض المصادر أنه منذ عملية طوفان الأقصى في ٧ تشرين الأول ٢٠٢٣ تُسَيِّر دوَلٌ عربية معروفة، ما يشبه الجسور الجوية والبرية والبحرية لدعم كيان الاحتلال بالمال والغذاء والذخائر وبِشِراء كل أنواع الأسلحة لصالحه. أما الجامعة العربية، فلا وجود لها إلا على هيئةِ اجتماعات رفع العتب وبيانات الوعظِ الركيكة التي لا تُسمِنُ ولا تُغني من جوع، بل المنسجمة مع تَوَجُّهات وأوامر هؤلاء الـمُمَوِّلين للجامعة وللعدوان في آن.
للأسف، لا يوجد أي أمل حالياً بترميم هذه الجامعة ما لم يتم ترميم الدُوَل الـمُكَوِّنة لها. فإذا استعرضنا أعضاءها ومُكَوِّناتِها، نجد أن كل دولة منها محكومة بنظام مربوط من رأسه حتى أخمص قدميه، بإرادة الغرب، ومتشبث بهذا الارتباط بمقدار تَشَبُّثِهِ بِبَقائِهِ في الحُكم. نستثني منهم بعض الدول التي تشكل محور المق_او_مة والدول المقربة منها. فَدُوَلُ المحور هذه هي الأمل الوحيد لنا بالتغيير المستقبلي في الوطن العربي، ويُعَوَّلُ عليها أن تُفسِحَ المجالَ أكثر أمام الأجيال الشابة للمشاركة في صناعة هذا التغيير. ويزرع الأمل في نفوسنا بمستقبلٍ أفضل لِلوَطن
العربي ما نشهده حالياً من تَلاقٍ بين مُكَوِّنات شعوب المنطقة ضمن محور المق_او_مة وغيره من الشعوب العربية. وهذا يبشر بمستقبلٍ واعد، من التواصل والتعاون العربيَّين، إذا ما تم توجيهه بالشكل الصحيح. فقط إذا نَمَا هذا التلاقي الشعبي قد تتحول الجامعة من جامعة أحمد أبو الغيط ومُمَوِّلِيه إلى جامعة حقيقية للدول العربية.