احمد المدلل
لقد مثّل اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية مع الرئيس ابو مازن عبر الفيديو كونفرنس انطلاقة مهمة طالما طالبَ بها الكل الفلسطينى وخصوصا حركة الجهاد الاسلامى من خلال مبادرة النقاط العشر التى أطلقها الامين العام الراحل للحركة د رمضان عبدالله رحمه الله عام ٢٠١٦م مرورا بمبادرة جسر المصالحة التى أطلقها الامين العام الحالى الاستاذ زياد نخالة بعد انتخابه عام ٢٠١٨م لقيادة الحركة وليس انتهاء بالرؤيا التى قدمتها ثمانية فصائل فلسطينية- أربعةٌ منها أعضاء فى م ت ف – وعلى رأس الفصائل الثمانية حركة الجهاد الاسلامى عام ٢٠١٩م … وقد صدر عن هذا الاجتماع القيادى بيانٌ ختاميٌّ تضمن عدة نقاط مهمة كانت محلَّ إجماع الكل الفلسطينى ، فيما تحفظت حركة الجهاد الاسلامى على نقطتين وهما اقامة دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧
ومنظمة التحرير الفلسطينية وتمثيلها للكل الفلسطينى .
مع تأكيد الحركة أنها لن تكون عائقا امام تنفيذ بنود البيان الختامى بل ستساهم فى تنفيذ آليات الكثير من بنوده ، وهذا ليس جديدا على حركة الجهاد الاسلامى فقد أكدت موقفها هذا على وثيقة الوفاق الوطنى عام ٢٠٠٦ وعند اصدار البيان الختامى لاجتماع الفصائل الفلسطينية فى موسكو فبراير عام ٢٠١٩م ، وأبدت هذا الموقف فى اكثر من موضع ولكنها تؤكد دائما الى جانب ذلك انها لن تعيق تنفيذ اى اتفاق فلسطينى – فلسطينى يتم التوافق عليه، لكن من حقها تسجيل موقفها … ليس غريبا أن تتحفظ حركة الجهاد الاسلامى على هاتين النقطتين من البيان الختامى لاجتماع الرئيس الفلسطينى عباس مع الامناء العامين للفصائل الفلسطينية مع العلم ان نقاط الاتفاق كانت متعددة وكثيرة وكان الالتقاء الفلسطينى واضحا على الحد الادنى والقواسم المشتركة واعتقد ان تحفظ حركة الجهاد على النقطتين يضيف عنصر قوة على الموقف الفلسطينى امام هذا العالم الظالم وغطرسة العدو الصهيونى ، وهذا تاكيد من حركة الجهاد الاسلامى على أن لديها مواقف مبدأية ثابتة انطلقت بها ولا يمكن تغييرها … ولتوضيح اسباب هذا التحفظ :
أولاً – الدولة الفلسطينية على حدود عام ٦٧ : هذا الموضوع استنفذ الحديث فيه كثيرا من اطراف فلسطينية واصبح يمثل وهما لدى الفلسطينيين ، لأنه لم يعد له حضور فى العقلية الصهيونية والامريكية وكذلك الاوروبية التى تتعامل بمنطق النفاق السياسى والتى لم تستطع ان تنفذ قراراً من قرارات الشرعية الدولية امام هيمنة أمريكا التى تعمل من أجل مصلحة دولة الاحتلال وحتى لم يعد له حضور فى عقلية الانظمة العربية ان كان من خلال المبادرة العربية للسلام التى أطلقتها السعودية فى اجتماع الجامعة العربية عام ٢٠٠٢ فى بيروت والتى أبدت الانظمة العربية فيها موافقتها على تبادل أراضى تقع فى حدود ال٦٧ بكتل سكانية فى حدود ال٤٨ من اجل حل المشكلة الديموغرافية التى تهدد دولة الاحتلال من الداخل او من خلال عمليات التطبيع التى تقوم بها بعض الانظمة مع اسرائيل وأصبحت القضية الفلسطينية لا تهمها كثيرا إن كان إقامة الدولة الفلسطينية على حدود ٦٧ أو حدود ٤٨ وهذا ما اكده الرئيس الأمريكى الأسبق كارتر فى مذكراته قائلاً ( لم يعرض علىّ أى رئيس عربى التقيته إقامة دولة فلسطينية مستقلة) بل أصبح ما يهم بعض الأنظمة العربية إقامة تحالف استراتيجى مع دولة الاحتلال والتعامل معها كدولة طبيعية فى وسط العالم العربي فيما تقوم أمريكا مقابل ذلك على حماية واستمرار حكم هذه الانظمة ومساعدتها فى مواجهة ايران والتى تمثل الآن العدو المركزى للامة العربية حسب وجهة نظر أنظمة التطبيع .
– لذا ، عقائديا يُحرم الاعتراف بشرعية الاحتلال الصهيونى على شبر من ارض فلسطين المقدسة والتى هى ملك للعرب والمسلمين وهو يُعتبر تنازل عن مقدس ، وأما سياسيا فإن حركة الجهاد الاسلامى تؤكد أنه من العبث الآن استمرار الحديث عن قبول الفلسطينيين بإقامة دولة على حدود ٦٧ فيما التغول الاستيطانى الصهيونى قضم مساحات كبيرة جدا من اراضى ال٦٧ فى الضفة والقدس وأقام مدناً استيطانية كبيرة الى جانب المستوطنات المتفرقة والبؤر الاستيطانية التى لم يتوقف انشاؤها فى الضفة والقدس من منطلق عقائدى صهيونى بأنها اراضى مملكة يهودا والسامرة واورشليم العاصمة الأبدية والموحدة لدولة اسرائيل اليهودية المرتقبة ومن منطلق استراتيجى أيضا يتعلق بالحفاظ على أمن واستقرار دولة الاحتلال ، وكما أقرت ايضا بذلك صفقة ترامب ويقوم الاحتلال بتنفيذ بنودها على قدم وساق أمام مشهد ومسمع الفلسطينيين والعالم كله وأكد ترامب فى الكثير من لقاءاته واجتماعاته وكذلك نتنياهو أكد امام العالم كله لم يعد هناك اى وجود لإمكانية تنفيذ حل الدولتين انما هى دولة واحدة للشعب اليهودى . لذا يصبح من العبث ان تبقى هذه الاسطوانة المشروخة بالحديث الذى لا ينتهى عن موافقة الفلسطينيين على اقامة الدولة الفلسطبنية على حدود ١٩٦٧ ، والآن ما يجب ترسيخه أن حدود فلسطين التاريخية من البحر الى النهر هى حق مقدس لن نتنازل عنه ، وان يكون عنوان المرحلة هو المواجهة الشاملة مع الاحتلال حتى تحقيق أهداف وطموحات شعبنا بتحرير فلسطين من البحر الى النهر والعودة .
ثانيا – موضوعة منظمة التحرير الفلسطينية : والتى يُقر الكل الفلسطينى انها يجب أن تكون المظلة الفلسطينية الجامعة للكل الفلسطينى بكافة فصائله ومكوناته ، وإن مراجعةً بسيطة للذات التاريخية الفلسطينية تقول أن م ت ف تم تأسيسها من اجل الحفاظ على حالة النضال الفلسطينى مستدامة وموحدة حتى الحرية والعودة ، ولم يكن يُقبل داخل صفوف المنظمة اى فصيل ليس له جناحا عسكريا وكما نص على ذلك الميثاق الوطنى الفلسطينى فى البند ٩ منه ” الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، وهو بذلك إستراتيجية وليس تكتيكاً،، ومن اهم مبررات وجود المنظمة العمل النضالى الدؤوب من أجل تحرير فلسطين من البحر الى النهر وهى التى دائما كانت تمثل الضاغط على الزناد – فى كل مؤتمرات القمة العربية ما قبل قبولها بالحل المرحلى – الرافض لأى انحراف عربى باتجاه الاعتراف او التفاوض أو التنازل عن شبر من ارض فلسطين … وللاسف الشديد فى عام ١٩٩٣ كانت منظمة التحرير نفسها التى يتزعمها القائد المرحوم ابو عمار هى التى توقع على اتفاق اوسلو معترفة بحق اسرائيل فى الوجود وحقها باستمرار احتلالها 78% من ارض فلسطين فيما بقيت ال22% من باقى الارض الفلسطينية أرضا متنازعا عليها وقابلة للتفاوض ولم تتضمن الاتفاقية الحديث مباشرة عن دولة فلسطينية كما حاول الكثير من المفاوضين الفلسطينيين ان يوهمونا ، ومن ثم بعد التوقيع على اتفاقية اوسلو من قبل ابو مازن امين سر المنظمة حينذاك بموافقة وحضور ابى عمار فى ظل مهرجان عالمى فى حديقة البيت الابيض بحضور قادة عرب وغربيين ونخب عالمية أُنشئت السلطة الفلسطينية ضمن مهام محددة وضعتها اسرائيل وامريكا وقد اتخذ الشق الامنى فيها حيزاُ كبيراً ، ومن ثم انتقلت معظم مؤسسات منظمة التحرير الى مؤسسات للسلطة الفلسطينية وتم اضعاف م ت ف بشكل دراماتيكى مُحزن وبقيت هيكلاً عظميا فارغا من أى محتوى ولا تأثير لها على القرار الفلسطينى لأن رئيس المنظمة هو نفسه رئيس السلطة ومعظم أعضاء اللجنة التنفيذية ل م ت ف إن لم يكونوا كلهم انما هم موظفون فى اجهزة السلطة المختلفة ولم يبقَ من المنظمة او المجلس الوطنى إلا الاسم ، لذا من الطبيعى لكل حصيف فى السياسة ان يتفهم موقف حركة الجهاد الاسلامى من دخولها فى منظمة التحرير بوضعها الحالى ، وكان هناك توافقا فلسطينيا سابقا عام ٢٠٠٥م بتشكيل الاطار القيادى المؤقت ل م ت ف ( لجنة تطوير منظمة التحرير) للخروج من هذه المعضلة وقد ضم هذا الاطار حماس والجهاد ومكونات فلسطينية اخرى وشخصيات وطنية مستقلة، وظيفته استمرار الحوارات الفلسطينية والنقاشات للالتقاء حول موقف فلسطينى موحد وكذلك تستمر المساعى من اجل اعادة بناء وهيكلة منظمة التحرير من جديد لتخدم المصالح والاهداف الفلسطينية وتحافظ على حالة النضال الفلسطينى التى لم ولن تتوقف الا بتحقيق اهداف الشعب الفلسطينى بالحرية والعودة ، وللاسف الشديد منذ ذلك الحين لم تُعقد جلسات الاطار القيادى إلا ثلاث مرات متباعدة … كما ان حركة الجهاد الاسلامى تؤكد دائما على موافقتها ودعمها المتواصل من اجل اجراء انتخابات المجلس الوطنى الفلسطينى المعطلة منذ عشرات السنوات والذى يُسرّع فى تحديث منظمة التحرير الفلسطينية لتضم حماس والجهاد وكل فصائل ومكونات الشعب الفلسطينى فى كل أماكن تواجده .
منذ بداية انطلاقتها وضعت حركة الجهاد الاسلامى الوحدة الفلسطينية على رأس أولوياتها وقد عبر عن ذلك الأمين العام المؤسس د فتحى الشقاقى رحمه الله فى كثير من كتاباته وحواراته ولقاءاته وأصبحت شعارا ملازما لكافة قيادات وكوادر وعناصر الحركة ” وحدة الفصائل الفلسطينية فريضة شرعية وضرورة وطنية من اجل تحقيق أهداف شعبنا ” … لذا دورها كان ولا يزال يمثل صمّام الأمان داخل الساحة الفلسطينية حتى لا يؤثر الخلاف الفلسطينى الفلسطينى على مسيرة شعبنا النضالية، وقد تأكد ذلك من خلال تواصلها الذى لم يتوقف لحظة مع الكل الفلسطينى وحرصها على الاستمرار فى عقد اللقاءات والحوارات الجامعة للكل الفلسطينى دون استثناء احد ، ولعل تحفظّها أحيانا على بعض المواقف والنقاط يقع تحت طائلة الاجتهاد السياسى والثوابت التى تحافظ عليها وهذا ينبغى ان يكون موضع احترامٍ وتَقَبُّلٍ من الجميع