
د. جواد الهنداوي
نقول اتفاق استراتيجي آخر نسبةً و تمايزاً عن اتفاقية الإطار الاستراتيجي للصداقة وللتعاون بين العراق والولايات المتحدة الامريكية ، والموقعة في شهر تشرين الثاني عام ٢٠٠٨.
النتائج الملموسة لتلك الاتفاقية الاستراتيجية، وعُمرها اكثر من عقد ، لا تتعدى عن أنجاز انسحاب القوات و المعدات الامريكية من العراق .
حكومة العراق ، وهي حكومة تصريف اعمال ، رحّبت رسمياً بهذه الدعوة ، وخيراً فعلت . ولا يمكن لمتابع سياسي او غير سياسي الاّ التفاؤل بمبادرة الدعوة .
جاءت الدعوة الامريكية للتفاوض من اجل إبرام اتفاقية ، عقب مطالبة العراق بانسحاب ما تبقى من القوات الامريكية و غلق القواعد الامريكية . و سارعت امريكا بطرح مبادرتها للتفاوض ولكن ليس بعنوان ” تفاوض من اجل انسحاب وانماّ تفاوض من اجل إبرام اتفاق استراتيجي ” . ويبدوا أنَّ امريكا على عجالة من امرها في التفاوض مع العراق فأعلنت رغبتها في البدء
رغم ان حكومة العراق هي حكومة تصريف اعمال . في استعجال الامريكان للتفاوض دالة على انهم في ضائقة الاستحقاق الانتخابي القادم في شهر تشرين الثاني من هذا العام ، ويريد الرئيس ترامب توظيف هذا الانسحاب كإنجاز يحققّه للشعب الامريكي ، ما يُخيف ترامب و يُفشِلْ فوزه الانتخابي هو مقتل لجنود امريكيين خلال المدة المتبقية للانتخابات .
كتبتُ في ٢٠٢٠/١/١٣ مقالاً بعنوان ” الوقت المناسب لانسحاب القوات الامريكية من العراق ” . و اقتبسُ من المقال ، ما توقعتّه برغبة الجانب الامريكي بالانسحاب من العراق قبل تاريخ الانتخابات :
” الأشهر القادمة ، وقبل يوم الانتخابات ،هي
الفترة المناسبة لرحيل القوات الأمريكية ، وينبغي ،من الآن ، الإسراع في تطبيق قرار مجلس النواب ، و اتخاذ الإجراءات الحكومية ، قد يرغب الرئيس ترامب بأنْ يكون الانسحاب قبيل الانتخابات كي يعتبره انجازاً وطنياً للشعب الامريكي بالحفاظ على ارواح الجنود الأمريكين ، و وفاءاً منه لتعهداته السياسية التي أعلنها للأمريكيين قبل رئاسته .
مِنْ الآن ينبغي تفعيل مساريّن لتحقيق هدف اخراج القوات الأمريكية و الأجنبية : المسار السياسي والدبلوماسي وهو على عاتق الحكومة و مجلس النواب ، وقوة هذا المسار و شرعيته تتجسدان في قرار مجلس النواب ، و المُتخذْ تحت قبة البرلمان ، وليس في الجلسات الخاصة و المغلقة لبعض البرلمانيين او السياسين ، او في الجلسات الخاصة التي تجمع بعضهم بالسيد بومبيو ( وزير خارجية امريكا ) ، كما وردَ في حديث للسيد الوزير ، في منتدى في جامعة ستانفورد ،بتاريخ ٢٠٢٠/١/١٣ ، قال فيه :” ان القادة السياسين في العراق ، وعند لقاءهِ بهم في جلسات خاصة ، يعربون عن رغبتهم في أبقاء القوات الأمريكية .” (انتهى الاقتباس ).
نحنُ إذاً في إطار المسعى السياسي والدبلوماسي، والذي تمنيناه و توقعناه ،لانسحاب القوات الامريكية ، و اسباب نجاح هذا المسعى تتجسد في الطلب الشرعي والرسمي العراقي وفي الاستجابة والرغبة العاجلة الامريكية للتفاوض من اجل الانسحاب ،ولكن تحت عنوان لا ئق ومُشرف للأمريكيين وهو ” اتفاق استراتيجي للتعاون ” .
يسير الرئيس ترامب و ادارته ، في طريق الانسحاب من العراق ،على خطى سلفه الرئيس اوباما . ويمكن أن تكون آليات الانسحاب الامريكي من العراق ،هي الحالة الوحيدة التي يُقّلد فيها الرئيس ترامب سلفهِ أوباما .
وَعدَ الرئيس السابق اوباما الشعب الامريكي بالانسحاب من العراق ،في حملته الانتخابية عام ٢٠٠٨، و وقّع مع العراق اتفاقية إطار التعاون الاستراتيجي في ٢٠٠٨/١٠/١٧، وتعهّد حينها الرئيس الامريكي بانَّ يكون آخر يوم من عام ٢٠١١ موعداً لسحب جميع القوات الامريكية من العراق ، اي قبيل تاريخ الانتخابات الثانية ،أتّمَ الرئيس اوباما انسحاب قواته بأمان وبسلام من العراق ، و أختتمَ الانسحاب بمراسيم احتفال مشترك في المنطقة الخضراء ، وحضرها آنذاك سفير امريكا في العراق السيد جيفري .
كذلك يفعل ،على ما يبدوا الرئيس ترامب و فريق عمله وفي مقدمتهم وزيرا الخارجية و الدفاع ، فالعراق اراد مباحثات لتنظيم الانسحاب الامريكي ، فأجاب الجانب الامريكي بأقتراح مفاوضات لابرام اتفاق استراتيجي للتعاون ، و ماهو بتعاون وانماّ بتنظيم انسحاب فوري و آمن للقوات الامريكية على غرار ما فعله اوباما .
ولكن ظروف الانسحاب الامريكي الأول ،في عهد الرئيس اوباما هي ليست ظروف الوقت الحاضر :
تمتّع الرئيس اوباما بعام كامل ،أستغله للترويج في الانتخابات بانجازهِ بسحب قواته من العراق ، بينما لم يبقْ للرئيس ترامب غير ستة شهور لإنجاز الانسحاب قبل بدء الانتخابات ، وهذا ما يفّسر ايضاً تسابق الامريكان مع الزمن للإسراع في الانسحاب .
كذلك تمّكن الرئيس اوباما وبالتعاون مع العراق من تحقيق انسحاب آمن و مُنظّم ، وكان للعراق ، دولة وحشداً وفصائل مسلحة ، موقف مشترك و معزّز بثقتهم تجاه مصداقية وجدّية الانسحاب الامريكي .
لا يثق العراقيون ، وخاصة الحشد والفصائل المسلحة ، في وعد و كلام الرئيس ترامب ، كما يخشى الرئيس ترامب من سلوك الفصائل المسلحة ، غير المعروفة ، و التي ظهرت حديثا ، كعصبة الثائرين وغيرها . ستمارس هذه الفصائل ، في الايام القادمة ضغطاً غير مسبوق على ما تبقى من القوات الامريكية ، والغرض هو حثهّم على الانسحاب وعدم المراوغة .
نجاح الاتفاق الاستراتيجي الجديد القادم ، والذي لا أراه غير تنظيم انسحاب للقوات الامريكية ،يتوقف على انسحاب مبرمج كامل للقوات الامريكية وبوعد وبالتزام ، من الجانب العراقي ، بان يكون انسحاب آمن .
- الآراء المطروحة تمثل رأي كاتبها ولا تمثل رأي المجلة بالضرورة.
- تستطيعون أيضاً المشاركة بأرائكم وتحليلاتكم السياسية :
عن الكاتب
* سفير سابق لجمهورية العراق
* رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات