بقلم/ ضياء المحسن
بعد مجيء الديمقراطية الى العراق في العام 2003، كان لابد من وجود محرك مالي للدولة العراقية الحديثة، بدأت عجلة الإقتصاد تدور وكان باكورة دورنها هو صدور الموازنة العراقية لعام 2005، والتي كانت تقديراتها بالنسبة للإيرادات 28958608000000 دينار عراقي، أما النفقات فكانت 35981168000000 دينار عراقي، بعجز يقدر ب 7022560000000 دينار عراقي، وهو عجز يمكن أن يتجاوزه العراق بما لديه من مصادر عديدة.
ثم أخذت الأرقام تتصاعد بنسب غير منطقية، حتى وصل في العام 2019 (مع وجود أزمة في السوق النفطي) حيث تم تقدير الإيرادات ب 105569686870000 دينار عراقي، بينما النفقات بلغت تقديراتها 133107616412000 دينار عراقي بعجز مخطط يتجاوز 27000000000000 دينار عراقي، ولو قارنا الأرقام التي ذكرناها أنفا نلاحظ إرتفاع نسبة الإيرادات بنسبة 260% عن موازنة عام 2005 (خط الشروع)، أما النفقات فزادت بنسبة 270% عن موازنة 2005، أما نسبة العجز الظاهر في الموازنتين 280%.
واقع الأمر أي مخطط إقتصادي منصف سوف يقول أن ما يجري في هذه الموازنة هو سرقة للمال العام (مشرعن)، ذلك لأنه لا يوجد بلد من بلدان العالم المتقدم والمتأخر تكون نسبة النمو المتراكم لموازنة ذلك البلد تتجاوز في أفضل الأحوال عن 5- 10% ‘ النظر الى أننا قمنا بإستثناء موازنة عام 2014 والتي يدور حولها كثير من اللغط (تقديراتها حوالي 166460000000000 دينار عراقي)، لا نريد في هذه السطور أن نناقش هذا الموضوع، فسنتركه لمناسبة قادمة، لأننا واقع الأمر نريد مناقشة موضوع أهم منه.
يعاني الهيكل الإقتصادي في العراق الى عدم الوضوح والإتكالية في كثير من قطاعاته، حيث نجد أن عدد الموظفين يقترب من خمسة مليون موظف حيث يبلغ معدل ساعات عمل الموظف (9.69) دقائق فقط، وهذا يعود لأن أغلب الكتل السياسية المتصدية للشأن السياسي تعد ناخبيها بالتعيين مقابل منح أصواتهم لهذا الحزب أو ذاك، بالتالي فقد تعرض الإقتصاد لحالة من التآكل، وركون القطاع الخاص الى زاوية ميتة.
كان من المفترض أن يكون الإنفاق مساويا للإنتاج الحقيقي (السلعي والخدمي) لكن الذي يحصل أن الحكومات المتعاقبة تقوم بتمويل العجز من خلال الدين (الإقتراض الداخلي والخارجي) لذلك لم تعد تنفع كل علاجات صندوق النقد الدولي مع الحالة العراقية.
يتصور القارئ الكريم أنه أمام حالة تشاؤم قاتلة، وأنا أقول العكس، ذلك لأن الحديث لم ينتهِ بعد، نعم نحن أمام حالة خطيرة لكنها ليست مستعصية على الحل، لو قيض للحكومة (أيا كانت) العمل بجدية في معالجة الثغرات الكبيرة والكثيرة في الإقتصاد العراقي، وسوف نوجزها بالنقاط التالية:
1: نافذة العملة الأجنبية: نجد أنها أكبر عملية تهريب للعملة الى خارج البلد، يشترك فيها بعض المتنفذين في الدولة العراقية، فمن غير المنطقي أن تكون إستيرادات العراق تبلغ أكثر من ستين ترليون دينار عراقي، مع أننا لو دققنا في تلك الإستيرادات نجد أنها أما من دول لا تنتج هذه السلعة (تقوم بإعادة تصديرها إلينا) أوأن الوثائق المقدمة للبنك المركزي تم التلاعب فيها.
المقترح: أن يتم الإعتماد على الإعتمادات المستندية ويقوم البنك التجري العراقي ومن خلال البنوك المراسلة بتدقيق البضاعة ونوعيتها ومطابقتها للمواصفة العراقية، وبعد ذلك تحويل المبلغ بعد وصول البضاعة الى مخازن التاجر، الأمر الذي سوف يكون مردوده كبير للدولة من ناحيتين، الأولى القضاء ونهائيا على الإستيرادات العشوائية، ثانيا تمكين دائرة الضريبة من محاسبة التاجر ضريبيا.
2: شركات الهاتف النقال: تبيع شركات الهاتف النقال بأسعار عالية مقارنة بدول الجوار، حتى مع ضعف الخدمة المقدمة، بالتالي فهي تربح أرباح طائلة،ناهيك عن أن عقود هذه الشركات هزيلة، بالإضافة الى تقاعس شركات الهاتف النقال عن تسديد ما بذمتها.
المقترح: قيام شركة الإتصالات بالترويج لشركة هاتف نقال عراقية 100% بدلا من هذه الشركات، مع إلزام الشركات العاملة على التعاون مع الشركة العراقية، حيث أننا نعلم أنشركات الهاتف لا تتعاون مع الشركة الحكومية لأن أسعارها أقل من أسعار هذه الشركات، بالإضافة الى الضغط على الشركات لتسديد ما بذمتها من مبالغ طائلة لم تقم بتسديدها طيلة السنوات الماضية.
3: جيوش الموظفين في الهيكل الوظيفي للمؤسسات الحكومية: فليس من المنطقي أن تكون دائرة كان يقوم على عملها 70 موظف، نجدها اليوم تغص بأكثر من 600 موظف، بالإضافة الى أن رواتب الموظف الحكومي تتباين من وزارة الى أخرى، فليس من المنطقي موظف خريج بكلوريوس (بغض النظر عن الإختصاص) في دائرة ما راتبه الكلي لا يتجاوز 500000 دينار، ونظيره في وزارة أخرى يستلم راتب يتجاوز 1250000 دينار (وهناك أكثر).
المقترح: إعادة النظر في أعداد الموظفين، من خلال تفعيل نشاط القطاع الخاص، ونقل أعداد من الموظفين (نسبة معينة كل عام) الى شركات القطاع الخاص، لكن هذا الأمر يحتاج الى فعل حقيقي لتنشيط القطاع الخاص، بالإضافة الى إعادة النظر بالتفاوت في رواتب الموظفين ومساواتها في كل الوزارات.
4: تفعيل الضرائب على الشركات العاملة في العراق (المحلية والأجنبية)، فالاسم التجاري من المفترض أن تكون عليه ضريبة.
المقترح: هناك ضرائب كثيرة غير مفعلة يجب تفعيلها، بالإضافة الى تفعيل الضرائب الكترونيا في المنافذ الحدودية، حيث نلاحظ أن هناك تهاون في هذا الجانب، الأمر الذي يخسر فيه العراق مليارات الدولارات.
5: تنشيط القطاع الصناعي: بعد أن شهدنا للعام الثاني على التوالي وفرة بالإنتاج الزراعي وتغطية جانب مهم من ذلك، مع أن غلة الدونم الواحد ليست بالمستوى المطلوب (600 كيلو غرام للدونم الواحد) في حين أننا نقرأ أن غلة الدونم في بعض الدول تصل الى 1750 كيلو غرام، فتنشيط القطاع الصناعي أمر مهم جدا، كونه سوف يقضي على كثير من الإستيرادات، وهذا يعني بقاء مليارات من الدولارات يمكن توظيفها في جوانب إستثمارية أهم، ثم أن الفائض عن حاجة السوق بالإمكان تصديره كما حصل هذا العاممع محصول الشعير، وأيضا سيكون هناك مردودكبير من العملات الأجنبية تدخل الى الخزينة، بالإضافة الى ذلك فإن جيوش العاطلين يمكن أن يستوعبها القطاع الصناعي والذي لم تم زج القطاع الخاص فيه ستكون النتائج باهرة.
ولنا حديث أخر
- الآراء المطروحة تمثل رأي كاتبها ولا تمثل رأي المجلة بالضرورة.
- تستطيعون المشاركة بأرائكم وتحليلاتكم السياسية حول هذا المقال:
خطأ: نموذج الاتصال غير موجود.