رد ايران على اغتيال الشهيد فخري زادة، طبيعته وتوقيته
مجلة تحليلات العصر الدولية - إعصار الصفار
كانت عملية اغتيال العالم الايراني، الشهيد محسن فخري زادة، اواخر شهر تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٠، ذات وقع كبير في داخل ايران وخارجها. وقد توالت التصريحات الايرانية ومن مسؤولين كبار سياسيين وعسكريين بان ايران ستنتقم لدم الشهيد زادة.
وقد كثر الحديث هذه الأيام عن احتمالات وطبيعة الرد الايراني على اغتيال الشهيد زادة. في المقابل، تتوالى الاخبار عن تحركات وتحالفات وتحشيدات عسكرية أمريكية-صهيونية-خليجية. وقد ادى كل هذا الى طيف كبير من التوقعات تراوحت بين القول بان ايران لن ترد، فيما قال اخرون ان ايران ستحرق الدنيا وقد تشعل حربا كونية!
فما هي السيناريوهات المتوقعة؟
اول تساؤل هو، هل سترد ايران ام لا؟ والمتابع للاحداث لابد ان يعلم، ان ايران سترد حتما. فالمعهود من ايران انها متى ما قالت شيئا بهذا التاكيد والوضوح، فانها ستنفذه حتما. اذن، فالرد الايراني حتمي، وقضية وقت ليس الا.
وهذا ينقلنا الى التساؤل عن كيفية الرد وتوقيته؟
الاستعدادات التي نسمع بها تغطي جانب واحد فقط، وهو الحلف الأمريكي الصهيوني الخليجي. إلا أنه واقعا، فإيران مستنفرة بالكامل، وصرنا الان نعلم أن لها قدرات ردعية كانت فاعلة جدا لحد الان إلى درجة أنها اجبرت امريكا أن تبتلع اهانتَي اسقاط طائرة گلوبال هوك وعملية ضرب قاعدة عين الأسد.
هناك سيناريوهات متعددة يمكن التفكير بها بهذا الخصوص وجميعها واردة، وقد تكون واحدا او اكثر من السيناريوهات التالية:
(١) اغتيال مقابل اغتيال، بما في ذلك إمكانية تصفية ترامپ ونتنياهو. الان أن ايران، وطوال خط وجودها، لم تلجأ للاغتيالات. تم اتهامها باغتيالات صحفيين و “ناشطين”، إلا أنه لم يتم تقديم أي دليل على ذلك. مضافا لذلك، فاننا نعلم ان الاغتيالات قد تؤخر بعض الامور، الا ان ليس لها تاثير استراتيجي طويل الامد.
(٢) ضربة محدودة لرد الاعتبار مثل ضربة قاعدة عين الأسد. إلا أن إيران باتت تدرك ضرورة أن تكون ضربتها اكثر إيلاما لتشكل ردعا حقيقيا. خصوصا أن المتهم الرئيسي الآن اسهل، كونه إسرائيل وليس امريكا.
(٣) اختطاف ضباط أو مسؤولين سياسيين كبار أو علماء وخبراء. ولكلا إيران وحزب الله امكانيات مخابراتية معقدة ومتطورة جدا شاهدنا نماذج مذهلة لها في الماضي القريب.
(٤) هجومات سيبرانية على مواقع اسرائيلية وامريكية وخليجية. وقد اثبت كل من ايران وحزب الله قدرات متميزة في هذا المجال.
(٥) اكثر من ضربة متزامنة وباتجاهات متعددة من قبيل:
(أ) ضرب مجاهدي خلق اين ما كانوا. وهؤلاء عملاء رخيصون لن يهتم أحد لدمائهم وبالتالي ضربهم سيكون سهلا ومؤثرا بعض الشيء ولا ينطوي على مخاطر على إيران. وهذا من الاحتمالات الشبه مؤكدة.
(ب) ضربات يمنية مركزة على السعودية والإمارات. هذه الضربات سهلة نسبيا وستكون مؤثرة جدا. فمثلا ضرب مطارات الامارات سيشل وضعها التجاري بشكل كامل لفترة من الزمن. وكذلك ضرب المنشآت النفطية في البلدين. وهذا من الامور العالية الاحتمال.
(ج) هجمات صاروخية مكثفة على المستوطنات الإسرائيلية من قبل حزب الله، وحتى من غزة. بل وحتى امكانيات تغلغل داخل فلسطين المحتلة الى الجليل وما بعد الجليل وكذلك الجولان المحتل. وان حصل هذا فسيكون في اطار حرب واسعة تطال المنطقة بالكامل، ولهذا فاحتمالات ذلك قليلة.
(د) هجمات كاتيوشا مركزة على مصالح مدنية وعسكرية أمريكية في العراق من قبل خط المقاومة العراقي. وهذا امر سهل وسيكون مؤثرا في ارباك التواجد الامريكي، والذي اقترب من نهاية فترة تواجده في العراق.
هذا بالإضافة لإمكانيات إيرانية أخرى مثل اغلاق مضيق هرمز واغلاق الأجواء في المنطقة والتي لن تؤثر كثيرا على إيران في حين تؤثر على كل من حولها بشكل كبير.
وبشكل عام، فبالرغم من استعداد ايران لخوض حرب واسعة في المنطقة، الا ان رد ايران المتوقع سيكون شديدا ومؤلما ولكنه لا يهدف الى دفع المقابل لتوسيع رقعة الاشتباك او مدته.
بطبيعة الحال، فقد لا يحصل شيء لشهور وقد يحصل شيء قريبا. إلا أن المتوقع، إن قررت إيران الرد عسكريا، فستؤخر ذلك إلى قبيل نهاية فترة رئاسة ترامب في ٢٠-١-٢٠٢١. وليس مستبعدا أن يكون ردها سويعات قبل منتصف نهار ٢٠-١ بتوقيت امريكا، وهو موعد استلام بايدن السلطة بشكل رسمي. وبذلك تكون الضربة موجهة لإدارة ترامپ، ولكنها لا تعطيه المجال أن يصدر أوامره بتوسيع الصراع. كما أنها ستكون قريبة على الذكرى السنوية لاغتيال الشهيدين المهندس وسليماني.
وعلينا أن لا نغفل الجانب السياسي في الرد. في الغالب يكون الهدف من استعراض العضلات هو الوصول لتسويات سياسية. إيران أثبتت قدرات سياسية وتفاوضية عالية. فلها نَفَسٌ طويل وصبر عالٍ وقدرة على اللعب على الاوتار المؤثرة. وما اتفاق ٥+١ النووي قبل سنوات إلا مصداق لهذا. وقتها إعتَقَدَ البعض أن الاتفاق كان هزيمة وتنازلا من قبل ايران، الى أن جاء ترامپ وكشف كيف استغفلت إيران أعتى القوى في العالم وكانت المستفيد الأكبر من الاتفاق. الا انه ينبغي ملاحظة نقطة هامة في الانجازات السياسية هو انها غير واضحة للغالبية من الناس، ولا يتم إدراك مكاسبها الا بعد شهور وربما سنوات.
كما ولا استبعد وجود اتصالات، مباشرة او غير مباشرة، بإدارة بايدن للضغط عليه باتجاهات معينة وتخييره بين استلام بلد في حالة حرب واسعة بالاضافة لوطأة فايروس كورونا على امريكا، وبين تقديم تنازلات معينة لصالح إيران.
على كل، ننتظر وينتظرون.
… إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ