رسالة إلى الجيل القادم عن من خان القدس والمسجد الأقصى الشريف
مجلة تحليلات العصر الدولية - عادل الصداقي
عشت عمري الأربعين ونيف وأنا أشاهد عذابات إخوتنا في فلسطين تُحتل أراضيهم وتُقلص مساحتها يوماً بعد يوم، وتُستباح أعراضهم، ويُذبحون على قارعة الطريق، وتُهدم منازلهم، ويُدنس القدس والمسجد الأقصى الشريف من اليهود الإسرائيلين أمام مرأى ومسمع من العالم.
لم أرى أحداً من الحكام بما فيهم حكام فلسطين يتصدر ويسجل موقفاً حقيقياً مشرفاً واحداً لدينه، غير الآمال العريضة والشعارات الزائفة في خطاباتهم الرنانة التي يضحكون بها على شعوبهم، أو المظاهرات في الميادين البعيدة عن موقع الحدث عبر قنواتهم التي تمجد أولئك الحكام وهم ينددون و يشجبون ويعبرون عن قلقهم المعتاد دون حراك.
تلك المواقف التي لا تسمن ولاتغني من جوع هي كل ما بجعبتهم وما هو مسموح لهم بالقيام به من قبل الإستخبارات الأمريكية والإسرائيلية. وعندما يخلون إلى شياطينهم الأمريكيين والإسرائليين يقولون لهم إنا معكم إنما نحن مستهزئون. هم فعلا مستهزئون بالدين وبالشعوب، وبكل قضية تخص الله. والواقع المر الذي نعيشه اليوم خير شاهد على خيانتهم لتلك القضية التي باتوا يُتاجرون بها بشكل مفضوح للعيان.
حتى الجماعات الإسلامية الدينية التي تتصدر القضية الفلسطينية خطبها وكتبها وشعاراتها ذهبت للجهاد في أفغانستان بأمر من أمريكا وعملائها لحماية مصالحها، ولكنها لم تعرج يوماً للجهاد في فلسطين. وكنت أتساءل دوماً لماذا لا يجاهدون في فلسطين؟ أليس أصدق الجهاد هناك، أم أن الجهاد ضد إسرائيل من المحرمات.
وأما الفصائل الفلسطينية فهي كالحكام تتاجر بالقضية الفلسطينية وتسترزق منها من أجل إثبات وجودها فقط نحو السلطة والصراع عليها في الخفاء والعلن والكل يعرف ذلك. حتى صواريخهم التي يطلقونها في الجو المفتوح بين الحين والآخر لا تعدو عن كونها فقاعات هواء يُرا.د بها تسجيل موقف لحفظ ماء الوجه فقط عندما يثور الشعب الفلسطيني.
وأما السلطة الفلسطينية فهي برأي العالم كله مسلمهم وكافرهم أعجز وأفسد سلطة على وجه التاريخ. بل هي جزء خائن من الأمة الإسلامية. لا أقول هذا جزافاً. بل أنظروا إلى أفعالهم ومواقفهم، وأين باتت قضية فلسطين منهم وبسببهم اليوم، وستدركون أنهم مجرد عملاء ﻷمريكا وإسرائيل إستحبوا الثروة والسلطة بدل العزة والكرام والحياة بدل الأخرة والشيطان بدل الله.
وأما الأمم المتحدة فلا إنجاز لها على الواقع سوى جملة معاهدات وإتفاقيات سلام على ورق تضحك بها على الشعب الفلسطيني، وبنفس الوقت أقرت شرعية إسرائيل ووفرت الحماية لها، وأعطتها الفرصة للتمادي في إستيطانها وابتلاع فلسطين دون رادع يذكر. كما أن تلك المنظمة الدولية تلعب دور المتفرج في كثير من الأحيان خاصة عندما تُستباح دماء الفلسطينين وتنتهك حقوقهم. وفي أحسن الأحوال فهي تشجب وتعبر عن قلقها وتدعو إلى التهدئة على استحياء. ولكن عندما يثور الشعب الفلسطيني في وجه المحتل الإسرائيلي للدفاع عن نفسه واسترجاع حقه المغتصب، تراها تسارع إلى عقد الجلسات الطارئه لإنقاذ إسرائيل يدعمها ويساندها في ذلك كل الحكام المسلمين والعرب من أجل تخدير الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره.
ولم يتبقى للقدس والمسجد الأقصى سوى أهل الرباط من الشعب الفلسطيني العزيز الذين لا يزالون ظاهرين على الحق لا يهمهم من خذلهم. هم وحدهم مع قلة قليلة من المجاهدين الصادقين دون مسمى الذين ناضلوا وصارعوا العدو الإسرائيلي لوحدهم، وضحوا بأموالهم وأنفسهم من أجل قضيتهم العادلة. نراهم اليوم تقصف وتهدم منازلهم ويُذبح ابنائهم وتُستحيا نسائهم ويُشرد أطفالهم ويُسجنون دون غيرهم من كثير من الحكام وقادة الفصائل والجماعات الإسلامية إلا من رحم ربي.
فيا أيها الجيل القادم، حذاري حذاري أن تصدقوا كل ما يُقال لكم عن مواقفنا المشرفة نحو القدس والمسجد الأقصى وإخواننا في فلسطين. فلقد خان جيلنا الممتد منذ عهد بعيد أوطانهم وخذلنا جميعا القدس وفلسطين. ولعل الله يبدلنا بكم قوماً يحبهم ويُحبونه أشداء على الكفار رحماء بينهم.