روح الله.. وعودة الأمة إلى روح الإسلام
مجلة تحليلات العصر الدولية - علي الازيرجاوي
( قراءة في الذكرى الثانية والثلاثين لرحيل مفجّر الثورة الإسلامية روح الله الخميني ” رضوان الله عليه ” )
رزحت الشعوب المسلمة تحت نير الدكتاتوريات الظالمة العميلة للمستعمر الذي شكلها وفق قانون الغاب، الغالب والمغلوب ناهبي العالم، والهيمنة على المناطق بحسب ثرواتها.
في المقابل وتبعاً للظروف المحيطة كنتيجة طبيعية حتمية كانت هناك حركات تحررية متنوعة تبع أيديولوجياتها المختلفة، لكنها جميعاً تمثل أفكاراً وضعية مبنية على خلجات نفسية أو ردات فعل سياسية كانت أم إقتصادية أو إجتماعية تستقي أفكارها من تجارب عالمية معروفة؛ ومن بين تلك الحركات الاجتماعية برزت الحركة الإسلامية المعاصرة التي تبلورت تحت ظل القيادة الدينية النابعة من أصالة الإسلام وحركيته ومحوريته، مستندة على التشريعات السماوية في القرآن الكريم وسيرة سيد المرسلين وأهل بيته الطاهرين ” صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين “.
ومن أهم الحركات التي حققت أهدافها وشغلت حيزاً مهماً في الوسط الإسلامي والإنساني بشكل عام هي الثورة الإسلامية في إيران وقائدها الفذ السيد الإمام روح الله الخميني الذي تمر علينا اليوم الذكرى السنوية الثانية والثلاثين لرحيله ” قدس سره الشريف “، وهي فرصة نتوقف عندها لننهل من هذا السفر العظيم ما يغذي مسيرتنا وديمومة الحركة في هذه الظروف الاستثنائية:
أولاً. الدافع الذي تحرك به السيد الإمام الخميني ” رض ” لبدء كفاحه ضد النظام البهلوي ينقسم إلى بعدين متلازمين رئسيين هما: البعد الإنساني والبعد الإسلامي.
البعد الإنساني يمثل مظلومية الإنسان ورفع شعار نصرة وتمكين المستضعفين في الأرض من منطلق الآية الكريمة ﴿وَنُريدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ استُضعِفوا فِي الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوارِثينَ﴾ [القصص: ٥]
إن تحريك الشارع من قبل الفقيه الجامع لشرائط القيادة وتفجير ثورة قوامها الشعب بكل فئاته وبالخصوص المظلومين منهم والمستضعفين، كان لها الدافع الكبير للثبات والصبر وتحقيق الانتصار على الدكتاتورية ورفع الظلم عن الناس.
أما البعد الإسلامي للثورة، فانه يؤطر الحركة الشعبية بأطر أخلاقية فاضلة؛ فلا يمكن القيام بثورة إصلاحية شاملة دون مبادئ سامية، مهما كانت شعاراتها رنانة، ولا يوجد أسمى وأرقى من المبادئ الإسلامية التي تحفظ كرامة الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال إعتمادها على القوانين الإلهية في الشريعة السمحاء التي هدفها إسعاد الناس جميعاً دون استثناء.
ثانياً. استنادًا للبعدين أعلاه كانت الثورة الإسلامية منذ إنطلاقها في ستينيات القرن الماضي تولي القضية الفلسطينية الحيز المهم والموقع المتقدم في خطابات قائدها الملهم السيد الخميني ” رضوان الله عليه ” وذلك نابع من التلازم مابين نهضة الأمة ضد الطغيان وتفاعلها مع مظلومية الشعوب ومنها الشعب الفلسطيني ونضاله المستمر لتحرير أرضه، التي كانت تمثل محورية الصراع بين الخير والشر، بين مظلومية الشعوب وغطرسة المحتل وتوابعه من الأنظمة الشطرنجية الجاثمة على صدر الأمة ومن هذه الأنظمة هو نظام الشاه الذي كان موالياً للغرب والكيان الصهيوني على حساب الشعب الايراني المظلوم؛ فتركزت خطابات السيد الإمام في مجابهة الطغاة ونصرة المظلومين في كل مكان ومنها فلسطين حيث قال في إحدى خطبه ( نحن مع المظلوم، أينما كان، والفلسطينيون مظلومون، ظلمهم الإسرائيليون، لذا نحن نؤيدهم )(1).
وهذا الوقوف والموقف من القضية الفلسطينية لم يتأثر برحيل القائد ولم يتقهقر بإختلاف الظروف وميل أغلب الدول مع الكيان الغاصب وعقد الصفقات المهينة والتطبيع المذل، بل زاد الجمهورية ثبوتاً وعزماً في مواصلة المسير وتطوير وسائل المواجهة وتدعيم خط المقاومة الفلسطينية في الدفاع ومواصلة الكفاح، وذلك بفضل حنكة القائد السيد الخامنئي في مواصلة الدرب حينما حدد المنهج الحكومي في مواصلة خط الإمام الراحل نستل منها ( مسألة الصراع مع الصهاينة من الأصول التي لا يجوز غض النظر عنها من قبل الشعوب الإسلامية بأي وجه، وذلك لأن الإمام العظيم قد شخّص بدقة الدور المخرِّب والهدّام لهذا الكيان المفروض لسنوات قبل الثورة )(2).
ثالثاً. يعتبر السيد الإمام الخميني ” رضوان الله عليه ” من أكثر الشخصيات تاثيراً في العالم المعاصر وذلك لأنه أسس لمنطلق جديد بنكهة إسلامية في هذه البقعة من العالم استطاع أن يكسر محاور الشرق والغرب التي كانت تتبنى الهيمنة الاستعمارية واستعباد الشعوب بالقوة والاقتصاد والنفوذ السياسي من دون أن يعبأ (بالغرب المحتال والشرق المعتدي )(3)، فقد استطاعت الثورة الإسلامية أن تؤسس محوراً خاصاً يمتلك مبادئ وأسس تختلف عن براغماتية المحاور الاستعمارية التي تتصارع على نهب خيرات الشعوب؛ لذلك كان تأثير الثورة الإسلامية بقيادة السيد روح الله الخميني واضحة الأثر على الشعوب والحكومات والمحاور، ورسمت لها خطاً مؤثراً إلى اليوم، فإننا نرى أغلب الحركات التحررية التي تأسست فيما بعد هي متأثرة بهذا الفكر الوقاد ومعارضة للمعسكرات الظالمة.
رابعاً. تعرّض الإسلام العزيز إلى طعنات كثيرة خارجية وداخلية، وذلك بتدخل الدول الاستعمارية فكرياً وثقافياً بل حتى عقائدياً وسيطرتها على بعض الشخصيات المؤثرة في العالم الإسلامي، وهيمنة الغرب على الحكومات الإسلامية وتوجيهها وفق مخططاتها الرامية لحرف طريق الإسلام الأصيل عن جادته، ومحاولة تأسيس أطر جديدة داخل الكيان الإسلامي تتماشى مع السياسة الغربية والامريكية على وجه الخصوص، وهذا ما أسماه السيد الخميني بالإسلام الامريكي، الذي أنتج المتحجرين والتكفيريين الارهابيين من أمثال القاعدة وداعش، والمتطرفين المنتشرين داخل المذاهب الإسلامية، غايتهم حرف الدين وتشويه صورته الناصعة من حيث يعلمون أو لا يعلمون؛ لذلك دعى السيد الإمام إلى عودة الأمة إلى روح الإسلام المحمدي الأصيل بتعاليمه السمحاء وقيادته الدينية الحقيقية؛ وهذا عين ما تحتاجه الأمة الإسلامية اليوم للنهوض من واقعها المؤلم، وهو ما يعمل على تجسيده السيد الخامنئي قائد الثورة الإسلامية عملياً، وما يتبناه المرجع اليعقوبي لتجاوز الأزمات في العراق وباقي البلدان، بالعودة إلى الله تعالى وتعاليم دينه الحنيف من خلال تشخيص القيادة الحقيقية وتمكين السلطان العادل وهم ( الفقهاء الجامعين لشرائط ولاية أمر الأمة المشمولين بأدلة النيابة العامة في زمان الغيبة )(4)، وهذا هو جوهر الحل الذي يحتاجه العراق الذي يعاني من تشرذم وتفرق وتصدي غير المؤهلين؛ لذلك تمثل تجربة السيد روح الله التي عمّت بركاتها إيران وغيرها حافزاً لتصدر الشريعة الإسلامية السمحاء جميع القوانين الوضعية تحت قيادة مرجعية رسالية حركية تنهض بالأمة وتحقق دولة الإنسان الكريمة.
( يَرفَعِ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا مِنكُم وَالَّذينَ أوتُوا العِلمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعمَلونَ خَبيرٌ) [المجادلة: ١١]
والحمد لله رب العالمين.
===========
(1) الإمام الخميني الأصالة والتجديد للشيخ نعيم قاسم، ص346 نقلاً عن ( القضية الفلسطينية في أحاديث الإمام الخميني ص142.
(2) المصدر نفسه ص397
(3) المصدر نفسه.
(4) فقه المشاركة في السلطة، للمرجع اليعقوبي ص18 ( المبحث الوحيد في حوزة النجف الاشرف حول حاكمية الإسلام وولاية الفقيه )