زلزال تركيا طبيعيٌّ أم مفتعَلٌ؟

العصر-في الثالث من شهر شباط نشر الخبير الهولندي والباحث في شؤون الزلازل فرانك هوغيربيتس تغريدة على “تويتر” قال فيها: “عاجلًا أم آجلًا زلزال سيحدث بقوة 7.5 درجة مئوية في منطقة جنوب وسط تركيا والأردن وسوريا ولبنان” .
وفجر السادس من شباط، وقع بالفعل زلزال بقوة 7.9 في منطقة كهرمان مرعش في تركيا ضرب مناطق في سوريا و
تسبب بهزات ارتدادية متعددة شعر بها السكان بدرجات متفاوتة في لبنان، قبرص، الأردن ، العراق ومصر.
سنعرض في هذا المقال وجهتي نظر مدعومتين بالإثباتات دون أن نتمكن بطبيعة الحال من الجزم ما إن كان زلزال تركيا طبيعيًّا أم مفتعلًا؟
الزلزال طبيعي ؟
المسؤول عن شبكات الرّصد في المركز الوطني للجيوفيزياء التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية رشيد جمعة أكّد أن التنبؤ بالزلازل هو أمر مستحيل علميًّا.
التعريف العلمي للزلزال هو أنّه اهتزاز مفاجئ وسريع للأرض بسبب تحرّك طبقة الصخور تحت سطح الأرض، أو بسبب نشاط بركاني. وتقع الزلازل فجأة دون سابق إنذار، ويمكن أن تحدث في أي وقت، وأي مكان.
وينتج الزلزال عن تمزق مفاجئ للصخور في باطن الأرض، على بعد أميال تحت السطح، مدفوعًا بقوى أعمق داخل كوكب الأرض.
وأظهرت الأبحاث أن اهتزاز الزلزال يظهر نمطًا مميزًا؛ فبعد أن تبدأ الهزات الأولى، تتراكم شدّتها، ثم تصل إلى الذروة، يليها اهتزاز يتلاشى.
ومن الصعب جدًّا على العلماء تفسير كيفية تصرف الصخور تحت الضغط، ودرجة الحرارة المتزايديْن الموجودين هناك.
وتبدأ الزلازل الكبيرة والصغيرة بالطريقة نفسها، لكن لا توجد وسيلة للقول متى يتم الوصول إلى الذروة، وهو الحجم الأقصى للزلزال.
إذًا يعجز العلماء عن تحديد موعد حدوث الاهتزازات الأرضية بشكل مسبق، كما أنهم لا يستطيعون تحديد وقت وصول الزلزال إلى ذروته بشكل دقيق، وذلك لأنهم ببساطة غير قادرين على التنبؤ بالطريقة التي ستستجيب بها الصخور للحرارة والضغط الهائل في باطن الأرض.
ولكن هناك مؤشرات على حدوث الزلازل دون التمكن من تحديد توقيتها إذ قد يحدث الزلزال بعد دقيقة أو بعد ألف سنة.
من هذه المؤشرات تغييرات بيئية تسبق حدوث الزلازل، مثل التغيرات في النشاط الكهرومغناطيسي، وزيادة تركيزات غاز “الرادون” في المناطق المعرضة للزلازل، والتغيرات الجيوكيميائية في المياه الجوفية، والتشوهات الأرضية القابلة للقياس.
لا يملك الباحثون في الوقت الحالي سوى القدرة على تحديد قوة الزلزال، وموقع بؤرته في اللحظة التي تبدأ فيها عملية الاهتزاز.
وجل ما تمكن العلماء من ابتكاره هو أنظمة إنذار خاصة، يستشعرون من خلالها الموجات الاهتزازية الأولية الناتجة عن الزلازل، وإرسال إشارات تحذيرية تفيد بقرب وقوع الزلزال في المنطقة التي توجد فيها أجهزة الإنذار تلك، الأمر الذي يتيح لسكان المنطقة اتخاذ إجراءات سريعة للحفاظ على حياتهم وذلك عبر إخطارهم قبل عدة دقائق.
ماذا عن سلوك الحيوانات التي يُرْصد تغير في سلوكياتها قبيل وقوع الزلازل؟
خلافًا للإعتقاد الشعبي المرتبط بالخرافة فإن لذلك تفسير علمي إذ يؤكد الباحثون أن الكلاب على سبيل المثال تستطيع اكتشاف الزلازل قبل البشر بسبب قدرتها على سماع ترددات عالية للغاية، مما يسمح لها بسماع أصوات عالية لصخور تحتك ببعضها تحت الأرض، وهو ما يحدث قبل وقوع الزلزال.
النمل أيضًا يمكنه اكتشاف الزلازل لأن لديه “مستقبلات كيميائية لتدرجات ثاني أكسيد الكربون ومستقبلات مغناطيسية للمجالات الكهرومغناطيسية” وهي عوامل مرتبطة بالزلازل.
بالعودة إلى زلزال تركيا وسوريا، فإن تركيا منطقة معروفة بأنّها نشطة زلزاليًّا، تلتقي فيها ثلاث صفائح تكتونية ( لوحات الأناضول والجزيرة العربية وأفريقيا) وبالتالي فهي عرضة للزلازل وسبق لها على مر التاريخ أن تعرضت للعديد من الزلازل.
ولكن الفجائية وعدم القدرة على تحديد المكان والزمان لوقوع الزلزال أمرٌ يجمع عليه العلماء فكيف تمكن
فرانك هوغيربيتس من التوقع وبهذه الدقة؟؟
الزلزال مفتعل ؟
لنذهب الى الإحتمال الثاني.
ماذا حدث في تركيا في الفترة التي سبقت الزلزال؟
كل البعثات الأميركية الديبلوماسية غادرت تركيا في 1 شباط أي قبل خمسة أيام من وقوع الزلزال وتبعتها بعثات ألمانيا والسويد وبريطانيا وهولندا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا. هذه الدول وبشكل مفاجئ أغلقت قنصلياتها في اسطنبول وأصدرت بيانات قالت فيها أن أسبابًا أمنية تقف وراء هذا القرار.
وعند طلب وزارة الخارجية التركية من سفراء هذه الدول ابلاغها بالسبب كان الجواب أن الحكومة الأميركية حذرتهم من هجمات ارهابية قد تستهدف دور العبادة في تركيا ردًا على على ردات الفعل تجاه حرق القرآن وقد وصفت تركيا تصرفات هذه الدول بأنها مريبة وغير منطقية وتدعو إلى الشك.
منطقيًّا إن كانت دور العبادة مهددة فلماذا تُغلق القنصليات؟ ولماذا يغادر السفراء وممثلو البعثات؟
ولا يمكن غض النظر عن واقع الغضب الأميركي على تركيا التي خالفت أميركا وعقدت اتفاقيات بقيمة مليارات الدولارات مع الصين، بالإضافة إلى التقارب الأخير بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد ما جعل أردوغان بنظر الأميركيين خارجًا عن إرادتهم.
فهل يمكن وصف تغريدة هوغريبتس بأنها عمل مخابراتي أميركي لتمهيد الأرضية أمام زلزال “سيحدث” بالفعل في 6 شباط؟
علمًا بأن الجواب عن إمكانية إفتعال زلزال هو نعم. إذ تم تطوير أسلحة تكتونية وبشكلٍ سريٍّ وثمة تسابق دولي على التسلح بها وليس خافيًا على أحد زلزال أرمينيا الذي وقع عام 1988 والذي اتهم به حينها الإتحاد السوفياتي وهو من أوائل الدول التي امتلكت هذه التقنية.وأميركا ليست خارج مدار الاتهام لتصفية أي بلد او نظام وبأي طريقة.
فهل خططت أميركا فعلًا لزلزال تركيا وجعلته يحدث؟
لا يمكن لأحد الجزم بسبب ما حدث ولكن يمكن الجزم بنتيجة ما حدث.
الحقيقة الأكيدة الموجعة هي أن حوالي 26 ألف شخص قد لقوا حتفهم في تركيا وسوريا بالإضافة إلى مئة ألف جريح جراء هذا الزلزال.
والهزات الارتدادية المتواصلة ما زالت تسبب الرعب في صفوف المواطنين في تركيا وسوريا ولبنان والبلدان المجاورة.
وكان هوغربيتس في فيديو نُسب إليه عبر اليوتيوب قد حذر مجدًدا من زلزال محتمل قد يقع خلال اليومين المقبلين في لبنان أو العراق أو إيران أو مصر زاعمًا أن نشاطًا زلزاليًّا سيشهد ارتفاعًا بسبب قرب القمر من كوكب المشتري. علمًا بأن هوغربيتس في ذات الفيديو يناقض نفسه قائلًا: التنبؤ بتاريخ هزة أمر مستحيل. والهزة قد تحدث خلال أسبوع أو خمس أو عشر سنوات!!!!
فهل المقصود هو إرباك الناس؟ أم أنه تحذير فعلي فيما لو كان فعلًا الزلزال مفتعلًا؟
لعل الأمر الأكثر منطقية هو ما دعت إليه هيئة المسح الجيولوجي التي قالت أن العناصر الثلاثة الأساسية، التي من شأنها أن تمثل تنبؤًا حقيقيًّا ودقيقًا بالزلازل هي: متى يحدث الزلزال؟ وأين؟ وبأي قوة؟
ولما كان لا أحد يملك أجوبة محددة فإن أي تحذير يبقى بلا أي قيمة علمية. مفتعلة كانت أم طبيعية الزلازل التي ستحدث فالأهم ليس التنبؤ بها بل وضع الخطط الإستباقية التي تضمن عدم وقوع المباني عند حدوث الزلازل.
ختامًا، يبقى البشر ضعفاء أمام هول مصاب الزلزال مهما كانت مسبباته.
لا الهروب يفيد ولا ترك المنازل ولا النزوح من منطقة إلى أخرى بل وحده الدعاء : “ربنا لا نسألك ردّ القضاء بل نسألك اللطف فيه”.