زوال إسرائيل و التفكك الذاتي

بقلم: عبد الرحمن شهاب
العصر-يميل الكثير من المتابعين للشأن الإسرائيلي إلى التركيز على الصراع الدائر داخل المجتمع وأروقة السياسة الإسرائيلية، معتمدين بذلك على الكثير من الدراسات الداخلية والأبحاث والخبراء الإسرائيليين الذين يحذرون من تفكك النظام أو من الدخول إلى متاهة الصدام الداخلي الصهيوني – الديني أو الأمني – الشعبوي أو الديني – العلماني أو الشخصي – السياسي، وهي بلا شك عوامل تفكك الأنظمة وتعصف بالمجتمعات التي ليس لديها عوامل تماسك وتوافق عرقي وأيديولوجي.
إيماننا بإمكانية زوال هذا الكيان الصهيوني من جانب، وتجارب التاريخ في الصراع مع اليهود من جانب آخر، بالإضافة إلى حقنا الساطع على هذه الأرض وإيماننا بوعد رباني بالنصر؛ كل هذا يجعلنا نؤكد قناعاتنا الذاتية عن أنفسنا وتصورنا عن صمودنا، الذي ما زال رافعًا الرأس رغم كل الجحيم الذي صبه هذا الاحتلال على رؤوسنا؛ ما يجعلنا نميل إلى الاعتقاد بأن ملامح التفكك داخل الكيان تعمل لصالح قوتنا وخيارنا في هذا الصراع.
لكننا ما زلنا لم نسبر غور هذا الكيان بالشكل المطلوب، ولم نقف على المشهد الداخلي الإسرائيلي كاملًا من كل جوانبه، ربما لم نناقش أزمات العدو بالشكل الشامل، فمن وجهة نظر المراقبين الإسرائيليين الذين يحذرون؛ إنما يحذرون من اتساع الخرق الداخلي لينتقل إلى مرحلة اللاعودة، لكنهم لم يقولوا بأنهم وصلوا إلى مرحلة اللاعودة ولم يقولوا بحتمية انهيار الكيان، فالكثير من الدول التي شهدها التاريخ مرت بعواصف مثل تلك التي يمر بها الكيان، ولكنها تجاوزته باستخدام أدوات التماسك والتظافر المجتمعية.
لا نكون مُحبطين إذا قلنا بأن الكيان ما زال يملك مقومات الصمود أمام التفكك، وما زال يملك – في نظر العالم – مبرر الوجود، حتى في نظر الكثير من العرب الذين أصبحوا بشكل أكثر يرون في وجوده ضمان استمرار لوجودهم. كما أن الكثير من الأدوات العالمية ما زالت ترى في وجود الكيان أداة أخرى للحفاظ على النظام القائم والتوازن المطلوب؛ بل الأخطر أن جزءًا من المنظومة المتخاصمة مع العدو والتي تدعو إلى تفكيكه، قد يبدو لنا أنها صادقة، لكنها قد تتحول مع طول الأمد إلى مستفيدة من صراعها مع العدو، ليصبح صراعها معه جزءًا من توازنات المنطقة، ويصبح تفككه يشكّل خللًا في هذا التوازن.
بمعنى آخر؛ هذا الكيان أصبح مؤخرًا – وربما يزداد نحو التحول إلى – ركيزة في النظام العالمي، ويصبح تغييره بالنسبة للنظام أو إزالته يشكّل خطرًا على الاستقرار، بل أكثر من ذلك أن أهداف الكيان بعيدة المدى، التي هي إنهاء الحالة الفلسطينية على الإطلاق، وتحويل الكيان إلى ركيزة طبيعية على مستوى شعوب المنطقة الإسلامية والعربية ومسح القيم الاسلامية من الوجود؛ هي أهداف المنظومة، ليست فقط العالمية، بل الإقليمية والعربية، والتي أصبح لديها أذرع تعبث بداخل المجتمع الفلسطيني وتعمل على تفككه، من خلال إغراقه في تفاصيل الصراع الداخلي واستمرار العدو في نهش الكيان الفلسطيني، وتتماشى مع كل ما يدعو له أشد المتطرفين في منظومة الكيان.
عندما تصل منظومة الكيان إلى هذا المستوى من الدعم والترسيخ والتأسيس، فليس سهلًا أن يتفكك نتيجة عوامل داخلية، فالتفكك نتيجة العوامل الداخلية لا يكون دون ضغط خارجي، والعكس صحيح، فهما عاملان متكاملان، وهذا ما رسخته سنن التداول الحضاري والتداول بين الدول، فلم يتفكك الاتحاد السوفيتي بفضل عوامل داخلية فقط، بل نتيجة تحدي منظومة ضاغطة أخرى تبرز لديه الإشكالية الداخلية، ولم تتفكك المنظومة الاشتراكية من انهيار سور برلين إلى البلقان دون وقوف المنظومة المقابلة، التي تتطلع إلى قيمها الشعوب التي تسقط المنظومة المتهالكة.
إن الوقوف على التل وانتظار انهيار الكيان دون فعل أيّ شيء أو حتى فعل القليل سيستغرق وقتًا، قد يجعل الكيان يعالج إخفاقاته وأزماته بهدوء، والتعلم من الأخطاء وتجاوزها دون أن يكون لها أيّ ثمن على استقراره.
أخيرًا، فإن السنن الكونية والوعود الإلهية لا تحابي أحدًا، ولا حتى صاحب الحق، هي تمنحك الشرعية لكي تتحرك، لكنها لا تتحرك عوضًا عنك، وإن الزمن بالنسبة للوعد الإلهي ليس له قيود، فلا تحدده تنجيمات المشعوذين ولا البحث في تعداد كلمات القرآن لاستخراج تواريخ الانتصار، الذي يقيد فكرة الوعد الإلهي وفعل السنن بحركة الزمان هو الفعل المتوافق مع السنن والأخذ بأدوات الانتصار، وغير ذلك قد يؤدي إلى أن تتولوا عن الصواب ويكون الفعل الأصوب هو أن تستبدلوا بغيركم “وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم”.