بقلم: د. علي الطويل
عندما يتحدث المرء عن حادثة سبايكر المفجعة فان عليه ان يفتح الباب على قضايا عديدة تتعلق بهذه القضية ونتجت عنها تلك المذبحة الماساوية الظالمة ، فالحديث عن هذه القضية على انها عبارة عن مجموعة من المنتسبين للسلك العسكري او متكوعين تم قتلهم بواسطة مجموعة من الدواعش ماهي الا محاولة لتقليل خطورة هذا الحدث المحزن والفاجعة الاليمة ، ومحاولة لطمس الاسباب الفكرية والاجتماعية والسياسية الدنيئة التي انتجت هذا الانتقام ، و الاثار الكبرى التي سببها ذلك الجرح في نفوس الملايين من ابناء الشعب العراقي ، فتسليط الضوء على هذه القضية يجب ان لايكون التفاتة عابر سبيل ، بل يجب الوقوف عندها مطولا لان فيها مدلولات كبرى تسلط الضوء على عقود من حكم الفكر الانغلاقي الذي لايعرف الا القتل والدمار ولا يرضى الا بلون دماء مايسر به ناظره ويبرد به احقاده ، ويكشف كذلك عن بيئة كانت غارقة بتاييدها لكل تلك السياسة المقيتة الظالمة ، كما انها تكشف عن فكر لاينتعش الا بالدماء و لايعرف الا قتل الاخرين لارضاء غايته .
ففي الذكرى السادسة لحادثة سبايكر فاننا نفتح ذلك الجرح العميق الذي تركه اخوة في الوطن والدين فاوغلوا في حقدهم بطعنهم الوطن في احشائه عبر قتلهم المئات من المتطوعين الفقراء المنزوعين من السلاح الا من سلامة النية وحسن السريرة التي استغلها اصحاب ذلك الفكر الاسود ليوقعوا بهم في مصيدة احقادهم ثارا لجرذهم الذي اسقطته سياسته الرعناء قبل ان يسقط نظامه ، لقد سجل آل صدام وعشيرته وانصارهم في ذلك اليوم انتصارا كبيرا ليس انتصار معركة بل انتصار القلب الاسود الحقود على طيبي القلوب وصادقي النية ، وواهم من يضن ان القتلة كانوا من الدواعش نعم ان الدواعش كانوا سببا رئيسا من اسباب هذه المذبحة وعنصرا اساسيا فيها ، ولكن من قتل اولئك المئات من المتطوعين هي البيئة التي احتضنت داعش والمجتمع الذي تربى على قتل الخصوم عبر عقود من الزمن بشعار ( بعث تشيده الجماجم والدم….) ولا يقوم الا بالدماء ولايشعر براحة الضمير الا من خلال ذلك الدم ، كما ان من قتل هؤلاء المئات من المتطوعين هو ذلك العنصر الذي خلقه ورباه نظام البعث والدكتاتورية الصدامية، وهذا العنصر متجرد من الاخلاق والقيم والنبل والدين ومن ابسط مايتحلى به الانسان العربي ولكنه متسلح بالهمجية والرعونة وحب الدماء والتسلط ونهب وسلب ارواح الاخرين واموالهم ،
كما ان من قتل هؤلاء المئات من المتطوع هو ذلك الفكر الديني والسياسي المنحرف الذي خلق عنصرا وخلق مجتمعا وبيئة لاتعرف المرونة ولاتعرف التسامح ولاترضى بغير الفناء للمخالف الفكري والديني ، ومن هذه المتلازمات الثلاثة وبسببها انفجع العراقيون بمئات الضحايا من ابناء الفقراء الذين لاذنب لهم الا انهم من طائفة معينة وضع عليها النظام الصدامي وحثالات الفكر العربي الداعشي المنحرف والمتحجر علامة x نتيجة لهذا الانتماء الذي اصبح وكانه عار على من يعتنقه في عقيدة هذا الفكر الضال المضل .
ان شهداء سبايكر وعوائلهم ظلموا مرتين الاولى عندما قتلوا بدم بارد وهم مقيدين منزوعي السلاح ، والثانية يوم حاول البعض طمس هذه الحادثة وتضيبع اثارها ويوم حاول البعض الاخر تشتيت دمائهم وتوزيعها بين داعش والصداميين والقادة الخونة ، والجميع يعلم ان هذه الفئات باجمعها سببت في قتل هؤلاء ولكن هذا التشتيت الهدف منه هو لايفتح هذا الملف فتطيح رؤوس كثيرة وبالتالي تذهب مصالح سياسية واقتصادية كثيرة ، كما ان هؤلاء الضحايا ظلموا ايضا من خلال ترك المئات من الارهابيين ينعمون في السجون وهم محكومين لاتنفذ فيهم الاحكام بارادة من حكام العراق ومداهنة بعض السياسيين لكي لاتضيع مصالحهم ، ان جريمة سبايكر ستظل عار يلاحق الخونة اولا ثم البيئة والمجتمع الذي قتلهم ، وستظل دمائهم تلاحق هؤلاء وهؤلاء الى ان يتحاكموا امام رب يظلم احدا .