صدمة الاعلان عن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين ايران والسعودية برعاية صينية!
العصر-استيقظ العالم يوم السبت بتاريخ 11-3-2023 على خبر الاعلان عن اتفاق بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والسعودية برعاية صينية يعيد العلاقات الدبلوماسية المنقطعة بين البلدين منذ عام 2016 خلال شهرين, واحدث هذا الخبر صدمة في اواسط الدول الاقليمية والدولية كخبر الزلزال الذي يصعب التكهن بحدوثه واثار تردداته على المنطقة, وليس بسبب الاضرار المادية والبشرية الذي يحدثه الزلزال, لكن بما سيترك هذا الاتفاق من اثار امنية وسياسية واقتصادية على شعوب المنطقة. واصبح هذا الخبر يشغل الشاشات العالمية والمواقع الاخبارية الالكترونية, ويستضيفون كبار المحللين السياسيين الاقليميين والدوليين لشرح وفهم مضامين هذة الاتفاقية المثيرة للجدل حتى ضمن الاواسط القريبة والبعيدة.
ولماذا أطلق على هذه الاتفاقية بالصدمة؟ ومن هو الخاسر والرابح جراء هذا الاتفاق التمهيدي لاعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؟
للاجابة, لا بد من مراجعة الاحداث الاخيرة والتوترات بين البلدين ليسهل علينا تحليل الموقف المناسب.
الصدمة هي, ان الطرف السعودي كان الى ما قبل اشهر او اسابيع منغمس في اشرس حملة عدوانية على الجمهورية الاسلامية الايرانية من خلال دعمه الاعلامي والمادي للجماعات الارهابية المناوئة لنظام الجمهورية الاسلامية الايرانية في كثير من الاقاليم الايرانية وخصوصا اقليم كردستان وخوزستان وبلوشستان, واحداث الشغب العنيفة, والفتنة الكبرى الاخيرة التي تعرضت لها ايران قبل اشهر كانت باشراف وتحريض وتمويل الولايات المتحدة الامريكية والدول الاوروبية والسعودية والكيان الغاصب لفلسطين, حيث اجتمع محور الشر كله في مواجهة محور الخير كله, وسقطت هذا المؤامرة والفتنة العمياء بفضل وعي القيادة الايرانية الحكيمة وبصيرة الشعب الايراني وحضوره في ميدان الدفاع عن نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية في الساحات الايرانية, حيث شارك اكثر من 21 مليون مواطنا ايرانيا بذكرى انتصار الثورة الاسلامية المباركة, والى قبل اسبوع من الاعلان عن الاتفاقية كان الملا مولوي عبد الحميد اسماعيل زهي امام وخطيب مسجد اهل السنة في مدينة زاهدان في منطقة بلوشستان الممول والمدعوم بشكل علني من السعودية يحرض من على منبر الجمعة لاسقاط نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية ويدعو الى العنف والارهاب. والمفاوض الايراني المفوض للوصول الى هذه الاتفاقية الجنرال علي شمخاني امين عام المجلس الاعلى للامن القومي الايراني ” العربي ” من اقليم خوزستان الايرانية قدم كل الادلة والبراهين على تورط السعودية في الاحداث الاخيرة في ايران, حيث ان دقة المعلومات صدمت الجانب السعودي.
الصدمة هي, ان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وخلال لقاء اعلامي متلفز معه عام 2017 قال : ” لا يمكن ان نتعامل مع النظام الايراني القائم على ايديولوجية متطرفة تؤمن بالامام المهدي فكيف يمكن التفاهم معه, وسننقل المعركة معه الى عاصمته طهران “. فما هي الاسباب التي دعت ولي العهد محمد بن سلمان لاعادة العلاقات بين البلدين بعد هذا الوعيد الخطير؟, ونحن لم نسمع اي مسؤول ايراني كبير دعا الى نقل المعركة الى الرياض, او الى استحالة اعادة العلاقات مع الرياض.
الصدمة هي. أن كل الحروب العسكرية العدوانية التي شنتها السعودية في المنطقة العربية والاسلامية في سوريا لمدة 10 سنوات, في اليمن 7 سنوات, في العراق منذ سقوط نظام صدام, في لبنان منذ انطلاق المقاومة الاسلامية ضد الاحتلال الصهيوني, كذلك في فلسطين وحتى نيجيريا في افريقيا كانت تبريراتها وحججها انها تحارب الاذرع الايرانية المجوسية حسب تعبيرهم وفشل بجميعها.
فما الذي دفع محمد بن سلمان للتخلي عن كل هذه الاساليب العدوانية والجلوس الى طاولة الحوار مع الجانب الايراني والاعلان عن هذا الاتفاق لاعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين خلال شهرين بمراقبة الضامن الصيني الكبير الذي يزيح بذراعه التنينية القوية ويرفع اليد الامريكية الى الوراء ليتقدم خطوة كبيرة على الصعيد الدولي والاقليمي وتتراجع الهيمنة الامريكة درجة الى الخلف؟ هل فشله الذريع في كل سياسته العدوانية السابقة؟ ام صدى اخبار المسيرات الايرانية التي قلبت موازين الحرب الدائرة في اوكرانيا لصالح روسيا باقل الخسائر, وقلق حلف الناتو منها؟ ام رفع ايران نسبة تخصيب اليورانيوم الى حدود دون ال 90 بالمئة والقلق الامريكي والصهيوني وعجزهما عن خوض مواجهة عسكرية مع الجمهورية الاسلامية الايرانية لتدمير منشآتها النووية السلمية, لانه في حال حدوثها سوف تحترق المنطقة برمتها؟ ام بسبب تهديدات انصار الله الحوثيين بوقف العمل بالهدنة التي رعتها الامم المتحدة ويتم خرقها من الجانب السعودي وعدم الايفاء بشروط رفع الحصار الظالم الكامل برا وبحرا وجوا عن اليمن, والمراوغة في تطبيق شروط الهدنة؟ ام لجميع الاسباب التي ذكرناها؟.
كثير من الاسئلة يمكن طرحها للتغيير المفاجيء لسلوك محمد بن سلمان, ومنها الجانب الامني والسياسي, والاهم الحفاظ على النمو الاقتصادي المهدد بالخطر فيما لو نشبت حرب كبرى في المنطقة في وقت تعاني منه الدول الغربية من تراجع اقتصادي ادى الى زعزعة الامن والاستقرار في تلك الدول, وهذا ما تشهده بريطانيا وفرنسا والمانيا وامريكا وكثيرا من الدول الاوروبية.
الرابحون من عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين هم كثيرون, لا شك ان اول الرابحين والمستفيدين من ذلك هم شعوب البلدين لما ستفضيه عودة العلاقات الدبلوماسية من تخفيف التوتر والعداء ولو نسبيا, ثم شعوب ودول وحكومات المنطقة العربية والاسلامية خصوصا في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن وغيرهما, والشهرين القادمين سيكونان اختبارا للنوايا الحسنة وتطبيق ما تم الاتفاق عليه في الاتفاقية المنصوصة بين البلدين باشراف دولة الصين العظمى, رغم ان اولويات المفاوضات كانت في العراق ثم عمان حتى وصلت الى الصين ليكون الاعلان عن الاتفاقية من بكين وزن دولي واقليمي يلقي بظلاله على جدية هذه الاتفاقية ويعطيها بعدا دوليا كبيرا.
اما الخاسرون من عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين حدث ولا حرج, واذا اردت معرفة ذلك فما عليك الا متابعة ردود الافعال في التصريحات والبيانات العلنية الواضحة, اول الخاسرين والمتألمين من تلك الاتفاقية هو العدو الصهيوني الذي عبر عن امتعاضه وصدمته من عودة العلاقات الدبلوماسية بين ايران والسعودية وقد عمل لسنوات على تأجيج الصراعات بين البلدين, وكان يتمتع بنجاحه كلما ازداد التوتر بين البلدين, هذا العدو الذي دخل من بوابة التطبيع معتمدا على نجاحه في التفنن باختلاق الفتن والصراعات بين شعوب البلدين, حتى بلغ الامر ان اغلبية شعوب دول الخليج باتت تعتقد ان العدو الاول والاخير لهم هي ” الجمهورية الاسلامية الايرانية “, اما الكيان الغاصب لارض فلسطين بات لديهم ” دولة صديقة ” يستحسن التطبيع معها!! .
ومن اكبر الخاسرين هي الادارة الامريكية التي تلقت الصفعة الصينية وهي تعلن عن ترحيبها بنتائج الاتفاقية مبتسمة, وتخفي خلف ابتسامتها حقدا دفينا لانها عجزت عن ايقاف مسيرة هذه الاتفاقية, وتظهر وكأنها هي من اعطت الضوء الاخضر للسعودية للموافقة على الاتفاقية, وهل ننسى ما اقدم عليه المجرم السفاح الرئيس الامريكي دونالد ترامب الذي اصدر اوامره باغتيال قادة النصر, والكل يعلم ان الشهيد القائد قاسم سليماني قدس سره كان يحمل رسالة سلام من الحكومة الايرانية لتسليمها للجانب السعودي عبر الوسيط العراقي رئيس الوزراء الاسبق الدكتور عادل عبد المهدي.
وهناك خاسر اخر, وهو كل من عمل على اختلاق الديانة الابراهيمية الجديدة التي ستدفن مع عودة العلاقات الدبلوماسية بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والسعودية, لان هذه الديانة الماسونية الجديدة وجدت طريقها عبر الخلاف والتوتر الكبير الذي كان قائما بين البلدين المسلمين الكبيرين في المنطقة, وجدت من اجل التطبيع مع الكيان الصهيوني المؤقت الذي يعيش اليوم اسوء ايامه منذ اغتصابه لارض فلسطين, وكأن سرطان يفتك يجسده النتن.
الكاتب : حسين الديراني