صواريخ المقاومة الفلسطينية وقباب اسرائيل الحديدية
مجلة تحليلات العصر الدولية - د. إعصار الصفار
تابعنا وما زلنا نتابع الرد الصاعق للمقاومة الفلسطينية على اعتداءات الكيان الصهيوني بحق المواطنين الفلسطينيين والذي ابتدأ يوم ١١ ايار/مايو ٢٠٢١. وقد قامت فصائل المقاومة البطلة بإمطار مدن العدو الإسرائيلي في فلسطين المحتلة بالاف الصواريخ لتضرب العديد من مدنه في العمق، بما في ذلك عاصمته تل ابيب.
وترافق مع رشقات الصواريخ الفلسطينية الغاضبة، كلام من الطرف المقابل عن كفاءة الدفاعات الاسرائيلية المتمثلة بما يُعرف بالقبة الحديدية. اذن دعونا ننظر الى اثر صواريخ المقاومة بكل ابعادها ومدى قدرة العدو الاسرائيلي على التصدي لها.
الامر الاول هو مدى الكفاءة الفعلية لدفاعات العدو. فبالرغم من ان التقارير الاستراتيجية اشارت الى ان القبة الحديدية استطاعت التصدي فقط الى ٣٠-٣٥٪ من صواريخ المقاومة، الا ان السلطات الاسرائيلية ادعت ان كفاءة القبة الحديدية هي ٩٠٪! والسؤال هو، هل أن نسبة ٩٠٪ كافية؟ هذا كان سيكون كافيا لو كان عدد الصواريخ بالعشرات، الا ان الواقع الحالي هو ان المقاومة لحد نهاية اليوم الخامس اطلقت اكثر من ٣٠٠٠ صاروخ. ولهذا، فحتى ان نجحت ١٠٪ بالوصول الى اهدافها، فهذه ٣٠٠ صاروخ قد ضربت مدن الكيان. ولا يخفى ان هذا ليس بالعدد القليل. كيف وان الحقيقة هي اضعاف ذلك! اذن، فالمقاومة الفلسطينية في غزة الصامدة، وبأقل التقديرات، قد نجحت بضرب الكيان بمئات الصواريخ المدمرة.
الا ان الامر لا يتوقف عند حد الدمار الذي اصاب الابنية والسيارات وما شابه. فبالنسبة لكيان مثل الكيان الإسرائيلي، حتى صاروخ واحد سيكون كثيرا عليهم. فالمستوطنون الاسرائيليون لا يتمتعون بذلك الارتباط الحيوي الوثيق بالارض التي يتواجدون عليها لتجعلهم مستعدين للتضحية من أجلها. فبالرغم من كل الادعاءات، فهي ليست ارض ابائهم ولا اجدادهم ولم يعيشوا فيها سوى عقود قليلة، هذا من جهة. ومن جهة اخرى، فان الكثيرين منهم يحملون جنسيات بلدان اخرى وانما تواجدوا في فلسطين المحتلة لاجل مصالح مادية، وبالتالي فان اي تهديد فعلى سيجعلهم يهربون عائدين من حيث اتوا، وهذا ما يحصل الان فعلا. اذن، التاثير الثاني للصواريخ، وهو اهم من التاثير الاول، هو بث الرعب والهلع في نفوس الاسرائيليين مما يجعلهم يفرون من الاراضي المحتلة.
يضاف لكل هذا، الكلفة العالية للحرب على الكيان الاسرائيلي. فقد تم تقدير كلفة تشغيل القبة الحديدية لحد نهاية اليوم الخامس من الحرب باكثر من ١٦٠ مليون دولار، وربما الواقع اكثر من ذلك بكثير، حيث ان التصدي لصاروخ واحد يتطلب اطلاق ٣ صواريخ قيمة الواحد منها ٦٠-٧٠ الف دولار، اي ان التصدي لخمسة صواريخ سيكلف مليون دولار. فما بالكم بالتصدي لالاف الصواريخ! فالرقم سيكون بالمليارات.
اما التاثيرات الأخرى على الاقتصاد الاسرائيلي فكثيرة وجسيمة. فلاول مرة في تاريخه، يضطر الكيان الى اغلاق بعض مطاراته نتيجة الاعمال العسكرية وايقاف رحلات الطيران وما يتبع ذلك من تاثيرات سلبية على الاقتصاد الاسرائيلي. كما ان حالة الحرب الحالية اثرت على المعامل التي توقف بعضها عن العمل. فيما ادت التطورات العسكرية الى انخفاض بورصة الاسهم. وكان لكل هذا تاثير خطير على الاقتصاد الاسرائيلي.
وبالمقابل، فمن بركات صواريخ المقاومة الهامة للغاية انها وحَّدتْ الصف الفلسطيني. فقد راهن الكثيرون على توهين الفلسطينين بجعلهم مجموعات صغيرة متنافرة، فاذا بالصواريخ توحدهم صوب هدف اوحد. وفي نفس السياق، شاهدنا سقوط سياسات “الاسرلة” التي انتهجها الكيان الاسرائيلي تجاه فلسطينيوا الداخل حين تصور انه تمكن من احتوائهم و “تدجينهم” بحيث يفقدون شعورهم بالانتماء لفلسطين ولا يهتمون بما يحصل في غزة والقطاع والضفة. الا ان احداث الايام الماضية اثبتت ان الصواريخ اشعلت في قلب وصدر كل فلسطيني، صغيرا كان ام كبيرا، رجلا كان ام امراة، ذلك الحب للارض والانتماء للوطن والذي ما مات يوما. ولا يخفى ان هذا هو اهم انجاز صواريخ المقاومين.
اما على الصعيد السياسي الاسرائيلي، فقد عرَّت صواريخ المقاومة نتنياهو وحكومته وكشفت كيف تحول الوضع السياسي في اسرائيل الى نظام شمولي يخدم شخص واحد وبغض النظر عن الخسائر والاضرار، وهذا ما صرنا نشهد تداعياته على قنوات واذاعات الكيان حيث تحتدم النقاشات ويتم تراشق التهم.
وهكذا، فقد نجحت صواريخ المقاومة الفلسطينية في توحيد الصف الوطني الفلسطيني واشعال جذوة حب الوطن والانتماء للارض، فيما ادى فشل “القبة الحديدية” الى تصدع الكيان على الاصعدة العسكرية والسياسية والاجتماعية ايذانا بنهايته باذن الله.
كلنا نعرف يقينا ان سنن الله (س) لا تتخلف، وما نراه اليوم إن هو الا مصداق احدى تلك السنن الربانية المشروطة. ولما حقق ابطال المقاومة المؤمنون الشرط، جاء وعد الله قاطعا واضحا:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّـهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ