طاولة المفاوضات حول أوكرانيا قيد التشكل برئاسة صينية
ناصر قنديل
العصر-لم تقدم الصين على إطلاق مبادرة للحل السياسي في أوكرانيا عبثاً، ولا اختارت توقيت مبادرتها دون دراسة. والواضح أن المبادرة الصينية تأتي استباقاً للمتغيرات التي سوف يحملها الميدان العسكري خلال الشهور المقبلة، والتي تقول كل المؤشرات إنها لن تحمل فرصاً أوكرانية لتحقيق أي تقدّم، في ظل شحّ العتاد الغربي الفعلي الذي يصل الى جبهات القتال، وشحّ الذخائر وتآكل البنى البشرية الأوكرانية المقاتلة. والأكيد أن مدة السنة التي يتحدث عنها قادة حلف الناتو لوصول كل ما تم إعلان إرساله الى اوكرانيا من أسلحة، واستكمال تدريب الكوادر البشرية اللازمة لاستخدامها، سوف تكون مليئة بالتطورات الميدانية لصالح روسيا.
. الجوهري في المبادرة الصينية هو بساطتها وعدم تطرقها لمستقبل الأراضي التي أعلنت روسيا ضمّها وتتمسك أوكرانيا باستعادتها. فهذا المستقبل تقرره موازين القوى وليس الطلبات والرغبات. ومن الواضح أن أوروبا التي تشكل الامتداد الجغرافي الحليف لأوكرانيا لا تحتمل المزيد من الاستنزاف، وتجد بالتفاوض مخرجاً مناسباً، وهو ما دأب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز على الدعوة إليه، لكن لا ماكرون ولا شولتز ولا زيلينسكي يملكون قرار التفاوض، فهو قرار أميركيّ صرف.
في واشنطن إشارات عديدة الى خطورة التمسك بشعارات من نوع إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، أو التماهي مع مطالب رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي في الجغرافيا، فما نشرته مؤسسة راند، التي تنطلق بلسان البنتاغون، في تقرير نهاية العام، يتحدّث بوضوح عن أمرين، الأول أن نصراً روسياً معيناً لا بد أن تنتهي به الحرب ويجب على واشنطن تحديد حجم هذا النصر، لأن التفكير بهزيمة روسيا يعني استمرار الحرب إلى ما لا نهاية وصولاً لتحولها حرباً نووية. وبالتوازي لا يمكن التمسك باستعادة كامل الأراضي التي ضمتها روسيا، خصوصاً شبه جزيرة القرم وإقليمي لوغانسك ودونيتسك، بينما يجب التفكير بأرضية وإطار الضمانات التي تطلبها روسيا حول حياد أوكرانيا وربما غيرها من دول الجوار الروسي، والضمانات الموازية لأوكرانيا بعدم تعرّضها لخطر غزو روسي. وهذا كله يعني أن واشنطن رغم كل الصوت المرتفع ليست في موقع مختلف عن البحث عن إطار تفاوضي. وهذا ما يفسر انفتاح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على المبادرة الصينية.
استحالة خوض حرب اللانهاية بوجه روسيا، كما قرأتها دراسة مؤسسة راند، تظهرها تقارير مؤتمر ميونيخ التي أرفقت بدراسات واستطلاعات رأي تحت عنوان، هل أصبحت حرب أوكرانيا حرباً وطنية بالنسبة لشعوب الدول المنخرطة فيها. وجاءت النتيجة أن الحرب هي حرب وطنية بالنسبة للروس والأوكرانيين ولكنها ليست كذلك ويصعب أن تكون بالنسبة للأميركيين والأوروبيين. وتصاعد الاعتراضات على الانخراط فيها متوقع كلما زادت كلفتها وطال أمدها، وخصوصاً اذا ترتبت عليها أكلاف بالأرواح.
. عندما نقرأ مواقف الدول التي تتحرّك تحت عنوان الوساطة، نشهد تحرّكات تركية وسعودية ومصرية وهندية، ولكن تبقى المبادرة الصينية وأوراق القوة الصينية في المقدّمة، لأن الصين بعدما قبلتها أوكرانيا وسيطاً، تثق روسيا بأنها لن تخضع للضغوط الأميركية هي الطرف الأكثر قدرة على قيادة المفاوضات. وهذا يعني أن الدول التي لم تشارك في العقوبات على روسيا سيتمّ النظر إليها كوسيط مقبول ضمن تحالف دوليّ تقوده الصين، يمثل الطرف الثالث بين محورين متقابلين واحد تقوده واشنطن ويضمّ بريطانيا وفرنسا نووياً، وآخر تقوده روسيا ويضمّ حلفاءها الأقربين، وثالث تقوده الصين. ولافت أن إيران وجدت نفسها في المعسكر الصيني من الحرب الأوكرانية. وهذا توزيع دقيق للقوى، لم يتم عبثاً، لأن مائدة التفاوض هذه سوف تكون مائدة رسم توازنات ومعادلات القرن ونسب القوة بين المحاور، وسوف يكون أول المكاسب هو فرض الاعتراف بأن الناتو له مقعد بينما لروسيا والصين مقعدان.
ناصر قنديل✍