ظاهرة العداء للإخوان المسلمين…لماذا؟
مجلة تحليلات العصر الدولية - أسعد العزّوني
ظاهرة العداء العالمي المستفحل للإخوان المسلمين أربكت كافة المراقبين ومنهم كاتب هذه السطور بطبيعة الحال،إذ أنني وحتى اللحظة لم أكتشف مكامن خطر للإخوان على أحد حتى تدور عليهم الدوائر بهذه الطريقة ،التي إتحدت فيها الإمبريالية مع الصهيونية و البترودولار،اللهم إلا إذا أريد الإنتقام منهم لدورهم في حراكات الربيع العربي ،الذي ركبوه متأخرين ولم يكن لهم دور رئيس في تفجيره ،إذ لا نستطيع القول أن الشهيد البوعزيزي الذي فجر الربيع العربي في تونس كان إخوانيا.
ربما لا يعرف البعض أن الإخوان هم صنيعة بريطانيا العظمى ،كما هو حزب التحرير صنيعة أمريكا للوقوف في وجه المد القومي،ولذلك لم نر الطرفين يسهمون في تغيير إيجابي عند الأمة المضطهدة ،سوى في موضوع الدعوة ،وهم ينظرون إلى فلسطين ليس كبلد عربي-إسلامي مغتصب تم تشريد أهله ونكبتهم ،بل ينظرون إليها كأرض إسلامية لا خصوصية لها تدعو لإستنفار الأمة من أجلها.
لم يسهم الإخوان في إنطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة المغدورة ،وكان لهم حضور محيّر في الأغوار، ضمن ما كان يطلق عليه تندرا”قواعد الشيوخ”التي لم تسقط عليها قذيفة إسرائيلية واحدة ،ولم نسمع عن مشاركة لهم في عمليات مسلحة أو حضور في معركة الكرامة الخالدة ،وكانوا يتندرون عليهم بإطلاق لقب “القواعد الآمنة”على قواعدهم،وكان بعض الفدائيين عندما يشتد القصف الصهيوني عليهم يهربون إلى قواعد الشيوخ للنجاة بأرواحهم،كما أن حزب التحرير هو الآخر لم ينل شرف المشاركة في الثورة بل كان من المحبطين ،لأن أفراده ما يزالون يبحثون عن أرض إسلامية يقيمون عليها الخلافة، ويمكّنون خليفتهم فوقها ومن ثم يبدأون العمل لتكون البلاد والعباد في خبر كان.
ينقسم الإخوان إلى قسمين الأول مناهض للأنظمة ومتحالف مع الوهابية الصهيونية كما هو الحال في مصر وسوريا،والثاني مسالم ومؤيد ومدافع عن الأنظمة كما هو الحال في المغرب والأردن والخليج ،حتى أن إخوان العراق إصطفوا مع الإحتلال الأمريكي ولم يدافعوا عن بلدهم ،وشاركوا في حكومة بريمر وكان ممثلهم طارق الهاشمي، كما أن إخوان فلسطين الساحل المحتلة عام 1948 إنخرطوا في الكنيست الإسرائيلي،وإخوان سوريا تعمّقوا في التطبيع مع مستدمرة الخزر في فلسطين،والغنوشي زعيم إخوان تونس زار الإيباك في واشنطن وقال أن بلادة ليس لديها مشاكل مع إسرائيل ،وإخوان ليبيا على قائمة إنتظار التطبيع ،وها هم إخوان الخليج ينتحلون صمت أبي الهول إزاء التهويد الجاري،كما أن إخوان الأردن مرّروا معاهدة وادي عربة عندما كان لهم ثقل في البرلمان ،ومع ذلك باتوا مكروهين مطاردين في العالم،وتكالب عليهم المطبعون في الخليج والصهيونية ،وآخر صور التكالب أن الكيان الصهيوني بالأمس بارك بيان علماء السلطان المنافقين السعوديين الذي كال الإتهامات الجاهزة للإخوان ووصف الجماعة بالإرهابية ،وبأنها لا تمثل الإسلام وتدعو للفتنة وإلى الخروج على ولاة الأمور ،وهنا مكمن الوجع الوهابي في الحجاز،كما أن البيان حذر من الإنتماء إلى الإخوان أو حتى التعاطف معهم،إنتقاما منهم من دعم دولة قطر وتركيا لهم،والمضحك المبكي أن إعلام التسي تسي المأجور بات يلقي التهم جزافا عليهم حتى عند حدوث فيضان في جزر الواق واق،وزادت النيران عليهم بعد فوز الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن ،لتخوف أعداء الإخوان من قيام الديمقراطيين بإعادة الإعتبار لهم،وبالتالي سيكون ذلك على أنقاض الأنظمة التي قمعتهم وفي المقدمة نظام التسي تسي.
قدم الإخوان خدمة جليلة للغرب المتصهين ،تمثلت بإلحاق الهزيمة بالإتحاد السوفييتي في أفغانستان ،ومن ثم تفكيكه ،لوقوفهم مع أمريكا فكرا ودعوة ومالا ورجالا ،بحجة ان السوفييت شيوعيون كفارا وأن أمريكا أهل كتاب ،تطبيقا لنظرية المكارثية الأمريكية التي تناهض المد الشيوعي، وفرضت علينا نحن الدائرين في الفلك الأمريكي،بمعنى أنهم كانوا أداة أمريكية،علما أننا لم نراهم يحشدون من أجل تحرير فلسطين.
قد يقول قائل وماذا عن دور حماس ؟والجواب أوضح من الشمس في عز الظهر ،فقد جاء ظهورها متأخرا ،وينطبق عليها المثل “رايح ع الحج والناس راجعة”،لأن موعد إنطلاقتها كان ضمن الوقت الضائع ،وتقديرا من مؤسسيها أن المجتمع الدولي سيجبر عرفات على التفاوض ،فتم تخليق حماس لترفع يافطة “خائن” في حال وافق ،و”نحن البديل” في حال رفض ،ونفذت الدور المناط بها،وأصبحت تنافس سلطة اوسلو على من يخدم مستدمرة إسرائيل أكثر،ومن ضمن أهداف الإخوان في إستثمارهم بحماس هوقطف الثمار السياسي فقط.
خطيئة الإخوان التي لن تغتفر لهم أنهم إلتحقوا بركب الربيع العربي متأخرين ،ومع ذلك وبسبب حجمهم وتنظيمهم قياسا بالآخرين ركبوا الموجودة وقادوا الحراك،على أمل أن يتسلموا الحكم في البلدان العربية بدعم ديمقراطي أمريكي ،وبالفعل نجحوا مؤقتا في مصر وتونس وفشلوا في سوريا والأردن،وإرتكبت القيادة الإخوانية في مصر خطايا منها رسالة الرئيس مرسي الدافئة لشيمون بيريز،وذهاب مسؤول حركة النهضة في تونس الغنوشي إلى أمريكا ولقائه بالإيباك وقوله لهم ان تونس لا تعادي إسرائيل،كما أن من يطلق عليهم قيادات الثورة السورية”الإرهابية”، أصبحوا زوارا دائمين لتل أبيب ودعوا جهارا نهارا إلى التطبيع مع إسرائيل،وها هم إخوان المغرب يوافقون على التطبيع العلني مع الصهاينة.
ولا ننسى أن الإخوان أغرقونا إبان الربيع العربي في إعلامهم المرئي بالحديث عن معاهدات الصلح ،التي وقعها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مع كفار قريس إبان فتح مكة”إذهبوا فأنتم الطلقاء”،وكذلك الإتفاقيات الأخرى التي وقعها المسلمون مع الأعداء مثل صلح الرملة وغيره ،بمعنى أنهم كانوا يخططون فيما لو تسلموا مقاليد الأمور ،لعقد مصالحة تاريخية مع إسرائيل معمدة بوضوء الإسلام السياسي ،حتى لا يتمكن من نقضه أومعارضته أحد،وهم بذلك وبدون أن يعلموا يضعون يهود في معضلة توراتية ،إذ أنهم في تلك الحالة يكون عليهم البحث عن عدو داخلي أي تفجير حرب أهليه ،بعد إنتفاء العدو الخارجي كما تقول التوراة، التي تحرم على اليهودي قتل اليهودي ،وهذا ما يبرر عدم جنوحهم للسلم مع أي جهة ،وهذا ما يفسر أيضا فشل كافة المعاهدات والإتفاقيات الموقعة معهم بدءا من معاهدة كامب ديفد وإنتهاء بمعاهدة وادي عربة مرورا بإتفاقيات اوسلو.
إنطبق ذلك على المرحوم الشيخ أحمد يسن مؤسس حركة حماس في غزة ،الذي دعا إلى هدنة طويلة مع مستدمرة إسرائيل ،وقد هزّ ذلك التصريح السفاح الإرهابي شارون الذي أمر بإغتياله فورا،ولا ننسى أيضا أن م.خالد مشعل رئيس المكتب السياسي الأسبق لحماس عرض على بيريز أن يمنحه صكا بحصر التمثيل الفلسطيني بحماس ،على أن تقوم حماس بتوقيع مصالحة تاريخية مع مستدمرة إسرائيل في اليوم التالي ،لكن بيريز رفض من منطلق توراتي لإيهام المجتمع الدولي ويهود أمريكا والغرب أن هناك خطرا يتهدد إسرائيل.