علميا.. ماذا تعني زيادة تخصيب إيران لليورانيوم إلى 60%؟
مجلة تحليلات العصر الدولية / اللواء
قبل بضع أيام فجرت الحكومة الإيرانية مفاجأة سياسية بإعلانها اعتزامها البدء بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60% وذلك بعد يومين من عملية التخريب الإلكتروني التي استهدفت منشأة نطنز النووية واتهمت فيها إسرائيل بتدبيرها. فماذا يعني من الناحية العلمية رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى هذه النسبة ولماذا كان هذا الإعلان مزعجًا لبعض الدوائر السياسية وماذا يعني بالنسبة لقدرة إيران على امتلاك أسلحة نووية؟ لنفهم سويا: ما هو اليورانيوم؟ وما هي عملية تخصيبه وكيف تتم؟ ولماذا؟
في البداية، حتى تستطيع إيران إنتاج أسلحة نووية يجب أن تكون قادرة على تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 90%. والسبب في انزعاج الدوائر السياسية من وصول إيران لتخصيب اليورانيوم بنسبة 60% رغم أنها أقل من النسبة المطلوبة لإنتاج الأسلحة النووية يعني ببساطة أن الوصول لهذه النسبة مسألة وقت فحسب أكثر منها مسألة تكنولوجيا.
وحتى نفهم معنى مصطلح تخصيب اليورانيوم، يجب أن نتعرف على خصائص اليورانيوم في البداية.
ما هو اليورانيوم؟
هو معدن فلزي ثقيل اكتشفه الكيميائي الألماني مارتن كلابروت عام 1789، وسمي يورانيوم نسبة إلى كوكب يورانوس الذي كان قد اكتشف قبل 8 سنوات حينها. يوجد اليورانيوم في الطبيعة، مثل معادن أخرى كثيرة، بصور وأشكال تسمى “النظائر” وهي ذرات متلاصقة أشبه بالتوائم تختلف فيما بينها في الوزن الذري وهو مجموع عدد البروتونات والنيوترونات في الذرة.
يتكون اليورانيوم من خليط من نظيرين أساسيين هما: يورانيوم 235 بنسبة 0,71% وهو عنصر مشع قابل للانشطار ويورانيوم 238 بنسبة 99,28% وهو عنصر خامل (يشير الرقمان 235 و238 إلى الوزن الذري لكل نظير). بما يعني أنه لو كان لدينا مثلاً مئة غرام من اليورانيوم الخام فإن نسبة يورانيوم 235 تعادل 700 ملليغرام فقط. أما يورانيوم 238 فنسبته أكثر من 99 غراما.
وخاصية قابلية الانشطار هي التي تجعل نظير يورانيوم 235 رغم نسبته الضئيلة في الطبيعة العنصر الأهم لأن هذه الخاصية تنتج طاقة هائلة قد تستخدم في توليد الكهرباء من خلال المفاعلات النووية أو في القتل والتدمير من خلال القنابل النووية، مما يحتم ضرورة الفصل بين النظيرين للحصول على تركيز أو نقاء أكبر من نظير يورانيوم 235.
وتختلف نسبة تركيز اليورانيوم 235 المطلوبة حسب الغرض من الاستخدام، ففي حين تتطلب المفاعلات النووية نسبة تركيز تتراوح ما بين 3 و5% تحتاج الأسلحة النووية أو الاستخدامات العسكرية لنسبة تركيز أو نقاء تتراوح ما بين 80% و90%.
وهنا يبرز سؤال: كيف نتمكن من زيادة نسبة تركيز اليورانيوم 235 لنصل إلى نسبة النقاء المطلوبة؟ والإجابة عبر عملية تسمى تخصيب اليورانيوم بهدف زيادة نسبة تركيز أو نقاء يورانيوم 235.
ما هي عملية التخصيب؟
عملية تخصيب اليورانيوم مكلفة ومعقدة تكنولوجيًا إلى حد كبير، وهي ضرورية من أجل الوصول لنسبة التركيز أو النقاء المطلوبة من يورانيوم 235 وهو اليورانيوم الوحيد القابل للانشطار، ويصلح للاستخدام سواء في إنتاج الطاقة أو صنع أسلحة فتاكة.
ويمكن تشبيه هذه العملية بتنقية خام أي معدن من الشوائب أو المعادن الأخرى من أجل الوصول إلى نسبة نقاء معينة. فلو كان لدينا كيلوغرام من اليورانيوم فإن هدف التخصيب هو استخلاص كمية من اليورانيوم تزن مئة غرام وتحتوي على 5 غرامات من يورانيوم 235 إذا كان الاستخدام في مفاعلات الطاقة النووية أو أكثر من 90 غراما للاستخدام في صناعة الأسلحة النووية.
بعد استخراج خام اليورانيوم الطبيعي الذي يسمى الكعكة الصفراء يتم تحويله إلى غاز يُسمى سادس فلوريد اليورانيوم (UF6) الذي يحتوي كما ذكرنا على يورانيوم 235 بنسبة تركيز أقل من 1% ويورانيوم 238 الأثقل وزنًا بنسبة أعلى من 99% تقريبًا.
وثقل وزن يورانيوم 238 هو المبدأ الأساسي في كافة عمليات وطرق زيادة نسبة نقاء أو تركيز اليورانيوم، إذ كلها تدور حول الفصل بين نظائر اليورانيوم الثقيلة والخفيفة إما باستخدام عملية الطرد المركزي (التي تستخدمها إيران في تخصيب اليورانيوم) أو عملية الانتشار الغازي، وهما أكثر طرق تخصيب اليورانيوم استخداما، أو عن طريق عملية ثالثة أقل انتشارًا هي التخصيب أو الفصل بالليزر.
التخصيب بالطرد المركزي
تستخدم هذه الطريقة في أوروبا منذ ما يزيد على 40 عامًا، وتستخدم سلسة أو مصفوفة من وحدات الأسطوانات الدوارة بسرعات كبيرة (وحدات الطرد المركزي) المرصوصة في خطوط طويلة. يتم تمرير غاز سادس فلوريد اليورانيوم في الأسطوانة الأولى التي تدور بسرعات كبيرة لتوليد قوة الطرد المركزي التي تفصل بين العناصر حسب وزنها، وهذه الطريقة تستخدم في العديد من القطاعات والصناعات، منها مثلاً تحليل الدم من خلال فصله إلى عناصر ومكونات حسب الوزن.
تؤدي قوة الطرد المركزي إلى فصل جزيئات يورانيوم 238 الأثقل فتتجمع على جدار الأسطوانة، أما جزيئات يورانيوم 235 الأخف فتتجمع في الوسط، حيث يتم نقلها إلى أسطوانة الطرد المركزي التالية، بينما تعاد جزيئات اليورانيوم الخامل (أي يورانيوم 238) إلى الأسطوانة السابقة.
وهكذا يمر الخليط الغازي من أسطوانة إلى أخرى لزيادة نسبة تركيز يورانيوم 235 بمقدار طفيف في كل أسطوانة وصولاً إلى نسبة التركيز أو النقاء المطلوبة. ويصل عدد أسطوانات الطرد المركزي إلى الآلاف في منشآت التخصيب.
التخصيب بالانتشار الغازي
في هذه العملية، يمر غاز سادس فلوريد اليورانيوم عبر حواجز هي عبارة عن أغشية مسامية أو فلاتر تصفية بها ملايين الثقوب الدقيقة للغاية، وهي ثقوب متناهية الصغر بحيث تسمح بمرور جزيئات الغاز بصعوبة. ولأن جزيئات يورانيوم 235 أخف وزنًا فإنها تنتشر وتمر عبر ثقوب الأغشية أو الحواجز بسرعة أكبر من جزيئات يورانيوم 238 الأثقل وزنًا.
لكن الأمر يتطلب مئات الحواجز التي تمر عبرها جزيئات الغاز التي تحتوي على ذرات يورانيوم 235 آلاف المرات قبل الحصول على كمية مركزة من اليورانيوم بنسبة نقاء تجعلها صالحة للاستخدام كمصدر للوقود النووي.
التخصيب بالفصل بالليزر
هذه الطريقة ما زالت قيد التطوير والتجريب، ولم تستخدم بعد على نطاق تجاري. وتعتمد هذه العملية على أشعة ليزر خاصة، تعمل على زيادة الطاقة في إلكترونيات نظائر اليورانيوم ومن ثم تغير خصائصها الأمر الذي يجعلها تنفصل عن بعضها البعض، حيث سطح سالب الشحنة بجذب ذرات اليورانيوم المخصب. وبالرغم من أن هذه العملية أكثر تعقيدًا من الناحية التقنية لكنها تستهلك طاقة أقل وتتسم بكفاءة أعلى.
هنا يتبين أن إيران لو نجحت بالفعل في الوصول لنسبة تركيز 60% في تخصيب اليورانيوم فإنها ستكون على بعد خطوات قليلة للوصول إلى نسبة التركيز المنشودة وهي 90% حتى تتمكن من صناعة قنابل ورؤوس نووية.