على ضوء القمة الثلاثية التي ستنعقد في بغداد العراق ودوره في النظام العربي الجديد
مجلة تحليلات العصر الدولية - د. محسن القزويني
يعيش العراق اليوم مفصلا تاريخيا باستطاعته ان يلعب دورا قياديا في النظام العربي الجديد، فهناك حشد عربي نحوه ورغبة أكثر الدول العربية بمد جسورها اليه بعد نهوضه من معاركه وحروبه وكان اخرها انتصاره على داعش وقدرته على استعادة محافظاته الاربع بوقت قياسي، فقد جاءته جموع الدول العربية محيية بسالته وشجاعته في مواجهة الطغيان والارهاب.
وتأتي هذه الرغبة العربية بتشجيع من الدول الكبرى ومنها الولايات المتحدة التي تعمل على جر العراق نحو المعسكر العربي لغايات معروفه.
من هنا جاءت فكرة ربط العراق بالأردن ومصر بعد تخلصه من داعش ومنذ عهد الدكتور حيدر العبادي ثم استمرت اللقاءات والزيارات واجتماعات القمة في عهد عادل عبد المهدي الى ان وصل الدور الى الكاظمي، اذ توصلت الاطراف الثلاثة الى مجموعة افكار وخطط لبناء مشاريع اقتصادية مشتركة تهدف الى الاعمار والتنمية في البلدان الثلاثة وكان من اولى ثمار هذه اللقاءات الاتفاق الثنائي بين العراق والاردن حول ايصال نفط البصرة الى ميناء العقبة بكلفة ثمانية مليارات دولار تنفق على مد الانبوب بطول 1700 كيلو متر، وعلى الصعيد المصري اتفق البلدان على توسيع التبادل التجاري من مليار ومائتي مليون دولار الى ستة مليارات دولار.
ومن المتوقع ان يستفيد العراق من مجمل المشاريع المقترحة في اعادة بناء البنية التحتية للمحافظات المدمرة مستفيدا من الخبرة المصرية في بناء المدن الصحراوية. وايضا سيستفيد من الخبرة المصرية في تطوير قطاع الزراعة وتنمية الثروة الحيوانية بالاضافة الى الربط الكهربائي لتزويد العراق بما يحتاج اليه من الطاقة الكهربائية. اما مع الاردن فهناك مقترح لانشاء مناطق حرة على الحدود العراقية الاردنية لتبادل السلع بين البلدين، مما سيشكل حافزا لتحريك القطاع الصناعي في العراق واعادة فتح المصانع العراقية التي باتت بحاجة الى تمويل حكومي لفتحها امام الاسواق العراقية والاجنبية.
هذا مردود المشاريع المشتركة على الجانب العراقي اما على الجانب الاخر؛ يعتبر العراق اليوم أفضل سوق استهلاكي لمنتوجات الاردن ومصر بسبب توقف عجلة الصناعة والزراعة وحاجة العراق الى اعمار المحافظات التي كانت محتلة من قبل داعش ولازالت على حالها وهي بحاجة الى البناء والاعمار.
والسؤال المطروح هل يستطيع العراق ان يحل مشكلاته الاقتصادية ضمن محور الاردن – مصر لان هاتين الدولتين تعانيان هي ايضا من مشكلات اقتصادية لكن من نوع اخر.
فما هو الحل ياترى؟
النظرة الموضوعية للمراقب للحالة العراقية سيرى؛ على العراق ان يستفيد من التوجه العربي نحوه وان لا يكتفي بالمحور الاردني المصري بل عليه ان يسير بمسارين متوازنين:
المسار الاول نحو حدوده الغربية باتجاه الاردن ومصر وبعد ذلك ضم سوريا ولبنان ضمن ما يسمى بالشام الجديد.
المسار الثاني؛ التحرك نحو الجنوب باتجاه الدول الخليجية التي ترتبط بالعراق بوشائج اجتماعية وعشائرية وتحديات تاريخية مشتركة وبمصالح نفطية وبحدود جغرافية مشتركة، فسيحقق هذا المسار للعراق اكثر ما يحتاجه من تمويل لمشروعاته المتوقفه بسبب ضعف الامكانات المالية .
فالنظرة الدقيقة تكشف لنا ان العراق بحاجة الى المسار الخليحي أكثر من حاجته الى الاردن ومصر لإنشاء مشاريعه الكبرى وتحريك صناعاته الوطنية التي هي بحاجة ماسة الى التمويل لإعادة احياءها من جديد، ومن خلال هذا المسار سيتم احياء فكرة منطقة الخليج الكبرى التي طرحت على بساط البحث منذ ثلاثة عقود لتضم العراق واليمن بالإضافة الى دول مجلس التعاون الخليجي.
من هنا فباستطاعة العراق ان يلعب دورا محوريا في بناء نظام عربي جديد يقوم على مبدا التعاون الاقتصادي وحل المشكلات التي تعاني منها الدول الثلاث التي شهدت حروبا كالعراق وسوريا واليمن بعد ايقاف المعارك فيها . فهذه المنطقة الممتدة من سوريا شمالا حتى اليمن جنوبا هي الجناح الشرقي للعالم العربي وقد شهدت صراعات دامية وحروبا مدمرة فقد آن الاوان لعودة السلام والاستقرار فيها، وآن الاوان لتعيش شعوبها بأمان وطمأنينة.
آن الاوان لتتحول المنطقة الى واحة للسلام وتتحول حدودها مع إيران وتركيا الى حدود اقتصادية تدفع بالمنطقة الى الرفاهية والازدهار.
وسيتحقق ذلك عندما تتحول دول المنطقة الى ايادي متعاونة والى لسان واحد يهتف لا للحروب ولا للصراعات. فما احوجنا الى ارادة عربية مشتركة نواجه بها عدونا المشترك اسرائيل التي تحاول خرق الصف العربي بمختلف الوسائل مستفيدة من الثغرات العديدة التي يعاني منها عالمنا العربي.
فهل سيتحقق هذا الحلم
الآراء الموقع لا تمثل رأي الصحيفة بالضرورة