أحدث الأخبارفلسطين

غزة وصناعة الفرح

مجلة تحليلات العصر الدولية

عماد عفانة

غزة … تفتقر لمن يصنع فيها ساحاتها الفرح، لماذا ؟
لماذا ولدينا في غزة عشرات المؤسسات الثقافية والفنية، التي تضاف لعشرات القوى والفصائل، التي لديها بدورها أجهزة عمل جماهيري، مهمتها تنفيذ أنشطة وفعاليات هذه القوى والفصائل في الشارع، والتي تحتك احتكاكا ايجابيا مع الجماهير.
عرفت غزة أجهزة العمل الجماهيري للفصائل منذ بداية انتفاضة الأقصى عام 2000 أي قبل انسحاب العدو من غزة بخمس سنوات.
وكان يقع على عاتق اجهزة العمل الجماهيري، القيام بكل الأعمال التي من شأنها تنفيذ أنشطة الفصائل الجماهيرية، كالمسيرات، والمظاهرات، والاعتصامات، وتشييع وأعراس الشهداء، فضلا عن تنظيم الحفلات والمهرجانات واحياء المناسبات الوطنية، وحتى تنظيم الحفلات والمهرجانات الفنية.
ولكن وبعد مرور نحو 16 عاما على الانسحاب الصهيوني من غزة تحت ضربات المقاومة، انسحب تأثير أجهزة العمل الجماهيري من الشارع شيئا فشيئا، لتقتصر على احياء أنشطة الفصائل في المناسبات الوطنية أو الحزبية فقط.
الحكومة التي انتخبت بعد 2006م وتولت المسؤولية بعد 2007م، لم تفلح في ملئ هذا الفراغ، ولم نلمس لها خطة أو برنامج عمل منظم لاستهداف الجماهيري بالأنشطة الجماهيرية الكبرى، على الصعد الثقافية، والفنية، بنكهة وطنية، تعمق الانتماء وتحيي في الأجيال الصاعدة روح التضحية والفداء، عبر تعريف هذه الأجيال، وبطرق فنية، بتاريخهم، وببطولات شهدائهم، وبصمود المقاومة على مدار جولات المواجهة التي لم تنتهي بعد.
وتُركت غزة بلا أي صانع للفرح، تركت بعد نحو 14 عاما من الحصار، بكل ما فيها من مأسي الحصار وتراجيديا المعاناة، بلا أي مناشط جماهيرية لصناعة ثقافة المجتمع الجمعية.
تركت غزة بلا محاولات تثقيف وجذب وتوجيه شبابها المملوءة أوقاته بالفراغ القاتل، فرغت المساجد، وقصرت المدارس والجامعات عن القيام بهذا الدور، ولحق التقصير بالقوى والفصائل التي يقع عاتقها عبئ هذا العمل الوطني.
فنشوء جيل تطحنه الأزمات، جيل كبر وترعرع تحت الحصار، جيل لم يعايش بطولات الانتفاضتين، ولم يرى العنفوان الفدائي في الهبات والجولات بين الحروب، جيل مستهدف من كل شياطين الأرض، يعرضون تاريخه عليه بشكل مشوه، وينالون من كل عمل بطولي أو مقاوم، ويسفهون ويسطحون أحلام شعبه بالعودة والتحرير، يغرقونه باليأس المغمس بالحزب والكآبة، فلا يجد من يصنع في واقعه الفرح، اللهم إلا من بعض الشياطين الذين يزينون له الهروب على متن حبوب الترامال، أو وهم الفرح مع دخان سيجارة مخدرة.
الشيخ الشهيد أحمد ياسين كان أكثر حنكة وفطنة، حيث كان يعبئ فراغ الأجيال فنيا وثقافيا، مستخدما حفلات الزفاف الشعبية، التي كان يصنع لها فرقا فنية، كانت تحيي أفراح الناس بشكل شبه مجاني، وكان وبكل ذكاء يقوم من خلال هذه الحفلات بواجب التثقيف الديني والوطني بقالب فني ممتع وجذاب.
بينما أصبحت أفرحنا اليوم تصنع الجهل والتجهيل، عوضا عن صناعة الجيل، فباتت أعراسنا تحيى بما يسمي بأغاني الدحية، ذات الكلمات التي لا يكاد السامع يعي منها شيئا، اللهم الا من موسيقى صاخبة، ومن حركات راقصة، تصفق فيها الأيدي وتتراقص فيها الأجساد نزولا وصعودا، فيما تهمش مفاهيم الثقافة الدينية والوطنية ويلقى بها على قارعة الاهمال.
أين أنتم يا صناع الأجيال، يا رعاة الحلم، يا مربي الأبطال والفدائيين.
من يملأ هذا الفراغ، ومن لإنقاذ الأجيال، ومن لقيادتها لما يحييها، ويوصلها لما يحررها ويرضي ربها.
وهل من عمل وطني مقاوم أفضل من صناعة جيش النصر، ومن تربية جيل التحرير، ومن تثقيف أرتال الشباب الثائر بتاريخه الزاخر، ومن سكب المجتمع في قوالب الثقافة الجمعية التي توحده خلف مستقبله في وطنه المحرر.
وهل من عمل تربوي أفضل من تنظيم الحفلات الفنية والثقافية الملتزمة، في الساحات والمخيمات، لصناعة الحبور والفرح في حياة الأطفال والأشبال والزهرات، المتعطشين لمنع يرسم الابتسامة على وجوههم، ولمن يطلق من أفواههم الضحكات البريئة الصاخبة.
اصنعوا الفرح يرحمكم الله، وأخرجوا هذا الشعب بأجياله من كآبة وبؤس الحصار، ومن ضغط الحياة باحتياجاتها التي لا تنتهي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى