فتنة الفرحاتية.. أكبر من القتل
مجلة تحليلات العصر - د. محسن القزويني
كادت حادثة الفرحاتية التي راح ضحيتها ثمانية شهداء وأربعة مخطوفين أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، إلى ما قبل غزو داعش للعراق في 1/6/2014.
حيث كان الصراع الطائفي على أشده، يومها هب الشعب بأسره لمواجهة هذا الغزو واختلطت دماء أبناء العراق من كل المذاهب والقبائل والطوائف بكردهم وعربهم وبسنيهم وشيعيهم ليصنعوا النصر ضد اعتى عصابات ظلامية استولت على ثلث الأراضي العراقية بالقوة وسامت أهالي الموصل وصلاح الدين والأنبار سوء العذاب من قتل وتعذيب واسر واغتصاب وتخريب للدور المصانع والمساجد والمراقد.
وعلى رغم الصفحات السوداء التي كتبتها عصابات داعش الا انها تحولت بوعي الشعب إلى صفحات بيضاء ايقظته من غفوته للدسائس التي تحاك ضده وجعلته جداراً صلباً ويداً واحدة وقلباً واحداً في مواجهة فلول داعش حتى تم طردهم من المدن المحتلة.
وبات في وعي كل انسان عراقي انه بوحدة الكلمة تتهاوى المؤامرات.
ومنذ 2016 السنة التي تحرر فيها العراق من الدواعش لم يعكر صفو الوحدة الوطنية باي حادث طائفي الأمر الذي كاد يقلق الدوائر التي تريد الكيد بالعراق والتي تطمح بسلب ثرواته وهي لا تستطيع ذلك الا بفك عرى الوحدة الوطنية وتفتيت إرادة الشعب المتماسكة.
فافتعلت هذه الدوائر أخيرا حادثة الفرحاتية ظناً منها انها تستطيع ان تعيد العراق إلى المربع الأول.
وتزامنت هذه الحادثة بزخم كبير من الحشد الإعلامي من قبل الجيوش الالكترونية والصحافة الورقية والاعلام المرئي وتصريحات المأجورين وهي تتهم إحدى فصائل الحشد الشعبي بأنها وراء هذه الحادثة.
وقد أعاد الله سهامهم إلى نحورهم وتحطمت كل تلك المحاولات اليائسة أمام وعي الشعب العراقي الذي اكتشف ومنذ الوهلة الأولى ان الحادثة ليست اكثر من مؤامرة المستهدف الأول والأخير فيها هو وحدة الشعب وقراره الموحد لمواجهة الأخطار المحدقة به، وتهاوت الدسيسة عندما تبين للجميع ان أربعة من الشهداء والمخطوفين هم من الحشد الشعبي والعشائري، وان من بين الشهداء أطفال صغار، وان التهمة لا تليق الا بداعش الذي عرف بهذه الممارسة التي يقوم بها اما انتقاماً او لخلق الفتنة والبلبلة بين العراقيين، وقد تجسدت هذه الأهداف في الحادثة التي وقعت في منطقة يقطنها اغلبية من لون مذهبي واحد، لتوجيه التهمة إلى الجهة المذهبية الأخرى وكادت الخطة تُعطي ثمارها وتُؤجج الفتنة الطائفية ليس في الفرحاتية وحسب بل في العراق ايضاً وربما فكر تجار الحروب بنقل نار الفتنة إلى العالم الإسلامي أيضا ليعود العراق يجتر الماضي مجدداً ويعيد العالم الإسلامي ذكريات عام 2007 المُرّة حيث التطاحن الطائفي الذي حاول تقسيم الأمة الإسلامية إلى معسكرين، وكاد العراق ينزلق إلى منحدر عميق لولا وعي الشعب وكلمة السيد السيستاني التي خاطب بها اهل السنة: انتم انفسنا، فهدأت العاصفة وتوقف الشحن الطائفي، وحاولت عصابات داعش في 2014 ان تؤجج هذه الفتنة مرة أخرى باحتلالها للمحافظات الشمالية في العراق، وقد أخطأت في حساباتها فبدل أن يقف اهل السنة لنصرتهم وتأييدهم هبوا ومعهم اهل العراق بأسره لإنقاذ بلدهم من براثن المعتدين فخلصوا البلاد والعباد من جرائمهم.
وهذه المرة في الفرحاتية اتحدت كل قوى الظلام لخلق ازمة جديدة في العراق تكون سبباً لحرب طائفية لكن خابت ظنونهم فقد تراصت كل القوى الوطنية لتندد بالعملية وشكلت فرقاً من القوات الأمنية والحشد الشعبي للبحث عن المختطفين والقتلة حتى ينالوا جزائهم العادل ويكشفوا للعراقيين خيوط الفتنة … ألا في الفتنة سقطوا وان جهنم لمحيطة بالكافرين