أحدث الأخبارايرانشؤون آسيوية

قراءات في المشهد السياسي والمنطقة وتركيا تحديدا الذاهبة الى المجهول امام سورية القادمة موحدة متكاملة في المواجهة ..!! “مؤشّرات حرب شاملة “؟.. حدثان روسي وايراني خارج المُتوقّع!

كتابات متعددة وقراءات ومصادر
اعلامية :

في تطوّر اميركي خطير حيال روسيا عبر الإعلان عن عزم تزويد اوكرانيا بمنظومات صاروخيّة “متطوّرة”، قفزت المواجهة بالوكالة على الأرض الأوكرانية صوب منحى غير مسبوق من التوتّر بين موسكو وواشنطن ومن خلفها حلف “الناتو”. فمنظومة صواريخ HIMARS التي تُتوّج “الهدية” الأميركية تُعتبر سلاحا هجوميّا برأي الخبراء العسكريين، وليس دفاعيّا كما روّجت واشنطن والتي زعمت انها اخذت تعهّدا من اوكرانيا ” بعدم استخدام الأسلحة الجديدة البعيدة المدى ضدّ اهداف داخل روسيا”، فيما لوّحت الأخيرة بعصا المواجهة المباشرة بين الجانبين، وردّت عبر بيان اصدرته وزارة الدّفاع” انّ كييف تخطّط لقصف الأراضي الرّوسية باستخدام الصواريخ الأميركية، ما يؤكّد على قرار اميركي حاسم بالذهاب “الى النهاية” في مواجهة روسيا وتحقيق حلم هزيمتها، خصوصا انّ مديرة الإستخبارات أجهزة الإستخبارات الأميركية أفريل هينز لوّحت مؤخرا ” بمسار صعب على واشنطن ربطا بالمواجهة مع روسيا في اوكرانيا خلال الفترة القادمة، ويُحتمل ان يكون تصعيدّيا بشكل كبير”- حسب اشارتها.

وهنا يصبح السؤال مشروعا” كيف سيكون ردّ روسيا على الخطوة الأميركية الخطيرة؟ وهل الرئيس فلاديمير بوتين بصدد اتخاذ قرار غير مسبوق حيالها؟- وفق ما سرّبه مصدر في صحيفة “كاونتر بنش” الإستقصائيّة الأميركية، مُرجّحا ان يتمّ الرّد الروسي، إما في سورية عبر استهداف “مدوّ ” لإحدى القواعد الأميركية في اماكن انتشارها، او بقصف موقع يتحصّن فيه ضبّاط اميركيّون “رفيعو المستوى” في كييف-وهو ما المح اليه الخبير العسكري في هيئة الأركان العامّة الروسيّة ميخائيل خوداريونوك، مُبيّنا انّ بوتين لن يُمرّر مصرع الجنرالات الرّوس الذين تمّ استهدافهم بمساهمة اميركية فاعلة.

وبالتزامن مع خطوة واشنطن الإستفزازيّة، آثرت موسكو الرّد على طريقتها صوب “الحليف” في الناتو-انقرة، والتي سبقت اجهزة الاستخبارات الروسيّة ان لفتت الى تنسيق تركي-“اسرائيلي” حيال سورية، ورصدت انّ هذا التنسيق ينسحب ايضا على مواجهة روسيا في اوكرانيا لوجيستيّا واستخباريّا.. ضربة جوّية غير مسبوقة سدّدتها مقاتلات وُسمت ب “المجهولة” ليل امس، استهدفت مُستودعا يحوي كميّات ضخمة من الذّخيرة شمال ادلب يتبع لفصيل “فيلق الشّام” الإخواني- المُصنّف ب” الأقرب الى قلب اردوغان”، في ” توقيت” تواجد عشرات المسلّحين داخله وحوله تزامنا مع عمليّة إعداد نقل كميّات كبيرة من الصواريخ الى مواقع مجاميع المسلّحين بإشراف ضبّاط من الإستخبارات التركيّة، ما تسبّب بمقتلة لم ينجُ منها الضباط الأتراك ايضا.. وفيما كانت “اشلاء” الصواريخ تتطاير على الحدود التركية حتى وقت متأخر من ليل امس، كان لا بدّ ان تتلقّف انقرة الرّسالة الرّوسيّة جيدا !


ورغم انها ليست رسالة تحذيريّة “يتيمة” تُوجهها موسكو الى انقرة، فسبق ان وجّهت للفيلق التابع لها في سورية ضربات موجعة، الا انّ ضربة الأمس بدت أقساها خصوصا انها سًدّدت في لحظة تواجد ضبّاط الاستخبارات التركية للإشراف على عمليّة نقل الصواريخ الى مواقع المسلّحين المُحددة، في غمرة التهويل التركي بعزم شنّ عملية عسكرية في الشمال السوري لإنشاء “منطقة آمنة” ترفضها موسكو-كما طهران، في “توقيت” تعتبره انقرة “مناسبا جدا” ربطا بانشغال روسيا بعملياتها العسكرية في اوكرانيا، وتلميحها الى انسحابات بالجملة للقوات الروسيّة من سورية.. فجاءت رسالة الأمس واضحة” موسكو لا تُغفل عينها ازاء مّا يُحاك ضدّ سورية في هذا الوقت تحديدا، ولن تسمح ببعثرة انجازاتها هناك التي حققتها منذ العام 2015..

أبعد من ذلك، ترصد الاستخبارات الرّوسيّة مخطّطا تعدّ له انقرة وتل ابيب حيال تقاسم “حزامَين امنيّين” لكلّ منهما شمال سورية وجنوبها، وهو ليس جديدا بطبيعة الحال، بل إنّ ترجمة مخطّط الثّنائي في هذا التوقيت الذي تنشغل فيه روسيا بالمواجهات العسكرية في اوكرانيا، يبدو ملائما لكلا الطّرفَين.. وتصريح الملك الأردني مؤخرا جاء مُريبا في توقيته، بزعم “حلول ايران وميليشياتها مكان روسيا في الجنوب السوري”، والتصويب بشكل لافت على “مسرحيّة” تهريب المخدّرات عبر الحدود الى الداخل الأردني على متن تسريبات تحمل مطالبة اردنيّة ب”منطقة عازلة” على حدودها أسوة بما تعتزم انقرة القيام به شمالا، لتتزامن هذه الحملة مع اخرى سعوديّة صوّبت على حزب الله وربطه بعمليات التهريب الى الأردن.. كل ذلك يشي بخيوط توريط المملكة من جديد في تنفيذ المخطط “الإسرائيلي” جنوبا، سيّما على وقع رصد حراك اميركي لافت في الآونة الأخيرة تجاه مسؤوليها للدفع صوب المساعدة مرّة اخرى في ترجمة هذا المخطّط..
الا انّ سورية التي استطاعت نسف المخطّط المعادي مع حلفائها طيلة عشريّة الحرب الكونيّة عليها، لن تسمح بإعادة الأمور الى المربّع الأوّل.. ولها إزاء طَوق “الكمّاشتَين” التركية و”الإسرائيلية” شمالا وجنوبا.. كلاما آخر!

فوِفقا لمعطيات امنيّة روسيّة وُصفت ب”الموثوقة”، فإنّ “صاعقة الشّمال” بات عنوان غرفة العمليات المشتركة بين سورية وحلفائها لصدّ اي عدوان تركي مُرتقب بهدف إرساء ما تسمّيه انقرة ” منطقة آمنة” بعمق 30 كلم داخل الأراضي السوريّة، وفيما لو نفّذت تركيا مخطّطها سيكون احتلالا طويل الأمد وهو ما ستواجهه دمشق بمعيّة حلفائها مهما كلّف الأمر.. امّا جنوبا، لن يختلف الوضع عن العمليّة العسكرية الواسعة التي شنّها الجيش السوري في العام 2015 في درعا والقنيطرة، حيث برزت مشاركة حزب الله في المعارك لافتة الى جانب حليفها في نسف المشروع “الإسرائيلي”، وهو ما قرأته تل ابيب جيّدا!

ووسط مؤشّرات تُنذر بأسابيع ساخنة في المنطقة قد تحمل احداثا عسكريّة مرتقبة “من العيار الثقيل” داخل الكيان “الإسرائيلي” تحديدا ربطا بترقُّب تل ابيب الإنتقام الإيراني على اغتيال العقيد في الحرس الثوري حسن صيّاد خدائي “في عُقر الدار الايراني”، والذي قابلته طهران بتوعُّد أن يكون الرّد على مقتله “قويّا وموجعا”، ما دفع “اسرائيل” الى استنفار سفاراتها وبعثاتها الدبلوماسيّة حول العالم وفرض حال التأهُّب على الحدود اللبنانية-السوريّة، ونصب منظومات اضافيّة من القبّة الحديديّة في كلّ اتجاه..تجهد تل ابيب في محاولة حصر وتقليص عدد الساحات التي يُمكن ان تكون متوقعة للرّد الإيراني..

ورغم ترجيح اجهزتها الأمنيّة والإستخباريّة ان يُسدَّد الإنتقام الايراني في تركيا، وهو ما بدا واضحا في تحذيرها 100 “اسرائيلي” بشكل مُحدَّد كما تحذير مستوطنيها من السفر اليها.. الا انّ اصواتا في المؤسسة الأمنية “الإسرائيلية” نبّهت من خطر حصر جغرافيّة الثأر الايراني في مكان دون غيره “لأنّ اليد الايرانيّة يمكن ان تطال “اسرائيليّين” ومصالح “للدولة العبريّة” في ايّ بقعة في العالم”!

امّا وانّ عمليّة اغتيال خدائي تأتي في سياق “المعركة بين الحروب” المستمرّة بين طهران وتل ابيب، فإنّ الأخيرة تُدرك جيدا قدرة ايران على الردّ عليها خارج الحدود المتوقّعة، تماما كما فعلت لحظة قصف مقرّ الموساد في اربيل بصواريخ باليستية اطاحت بأربعة ضباط “اسرائيليين” –وفق ما اكدت حينها مصادر ميدانية، ردّا على ضربة “اسرائيلية” ضدّ اهداف في ايران على متن مسيّرات انطلقت من اربيل..كما تدرك تل ابيب قدرة غريمها على العبث ايضا في “عمق” الملعب “الإسرائيلي”.. فالمسؤولون “الإسرائيليون” لم ينسوا بعد بصمات طهران في تفجير اكبر مجمّع لصناعاته العسكرية “رافائيل” في منتصف شهر ايار العام الفائت، وإلحاقه بالتزامن بضربة اخرى في منشأة حيفا..وما بينها استهداف ايراني غير مسبوق لسفن “اسرائيلية” بعمليّات نوعيّة لا زالت محاطة حتى الآن بتكتّم مطبق، الا انّ قائد الحرس الثوري الايراني اللواء حسين سلامي، المح حينها الى هذا الإستهداف، ورفض الاعلان عن اي تفاصيل تتعلق به، مكتفيا بالقول” هم يعلمون ما حصل”!

وعليه، وفيما وصلت مناورات “مركبات النار” الإسرائيلية الضخمة الى ذروتها، في محاكاة لهجوم “اسرائيلي” يستهدف ايران، وتدريبات مكّثفة في قبرص تُحاكي شنّ حرب على لبنان، وسط ترقّب ساعة صفر الرّد الايراني على اغتيال خدائي وتداعياته غير المضمونة.. ثمّة من يسأل” هل تتطوّر “حرب الظلّ” بين طهران وتل ابيب صوب حرب كبرى في المنطقة سينخرط فيها حتما حلفاء ايران على امتداد ساحات محور المقاومة”؟ خصوصا وأنّ مؤشّرات قرب معركة ” سيف القدس-2 ” باتت اقرب مما يتوقعه البعض!- وفق ما المح مصدر صحافي لبناني منذ ايام..

ولربما.. ستضطرّ “اسرائيل” الى استخدام وسم “الشهر الأسود” مرّة اخرى في شهر حزيران الحالي- بحسب اشارة المصدر، دون ذكر المزيد من التفاصيل!!..

‏تؤكد الخارجية_الروسية وتقول :
– تلقينا تقارير مثيرة للمخاوف عن عملية عسكرية تركية في ‎سوريا
– لا يمكن ضمان الأمن على الحدود ‎السورية_التركية إلا بنشر قوات ‎الجيش السوري
– العملية العسكرية التركية بسوريا ستؤدي إلى تدهور خطير للأوضاع الصعبة أصلا في ‎سوريا.
في وقت عاجل الواقع الميداني يقول : اشتباكات عنيفة بين الفصائل الإرهابية المدعومة من قبل النظام التركي وميليشيا قسد على جبهتي “البوغاز” و”الكاوكلي” في ريف منبج شرق حلب

لكن الواجب ملاحظتنا الخطة الأخطر لأردوغان في سوريا : إلغاء أم تغيير في التّكتيك؟

لم تحقّق العمليات العسكرية التركية أهدافها الـ4 بالشكل الذي يريده أردوغان، إذ بقيت الخطّة الرئيسية التركية التي تهدف إلى وصل تلك الجزر المحتلة والسيطرة على عموم المساحة الممتدة من منطقة “كباني” في ريف اللاذقية غرباً إلى أقصى الشرق عند القامشلي والمالكية.


في الفترة الممتدة بين العام 2016 والعام 2020، أقدم الجيش التركي على شنّ 4 عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية في منطقي الشمال والشمال الشرقي، إذ بدأ في شهر آب/أغسطس 2016 عملية سمّاها “درع الفرات”، ثم عملية “غصن الزيتون” في كانون الثاني/يناير 2018، تلتها عملية “نبع السلام” في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019، ختاماً بعملية “درع الربيع” في شباط/فبراير من العام 2020، وكلّها تحت ذريعة “حماية الأمن القومي التركي”، الذي يشكل “حزب العمال الكردستاني” خطراً كبيراً عليه.

استهدفت عملية “درع الفرات” المنطقة الواقعة بين نهر الفرات شرقاً ومنطقة أعزاز في الريف الحلبي – الإدلبي غرباً. وقد أدت إلى احتلال مناطق في ريف حلب الاستراتيجي، أهمّها مدينتا جرابلس والباب والريف المحيط بهما.

ونتج من عملية “غصن الزيتون” احتلال تركيا والجماعات المسلحة الموالية لها مدينة عفرين وريفها، ومنطقتي راجو وحندرس والمجمعات الزراعية والسكنية التابعة لها. أما عملية “نبع السلام”، فقد أفضت إلى سيطرة تركيا على مناطق في تل أبيض ورأس العين في ريفي الرقة والحسكة، وجزء من طريق “إم 4” الذي يصل بين حلب والحسكة في منطقة شرقي الفرات.

وقد أدت عملية “درع الربيع” (شباط/فبراير 2020) إلى تقدم القوات التركية والفصائل الموالية لها باتجاه ريف محافظة الحسكة، وتوقفت عند اتفاق تركي – روسي لتسيير دوريات مشتركة على طريق “إم 4″ الشرقي، لمنع أي تقدم لـ”قوات سوريا الديمقراطية” باتجاه الريف الحلبي أو الحدود التركية.

واستطاعت أنقرة من خلال تلك العمليات فصل المناطق التي تسيطر عليها قوات “قسد” الكردية عن بعضها البعض، بادعاء منع إقامة كانتون كردي يمتد من تخوم ريف إدلب غرباً إلى المالكية شرقاً، ويشكل خطراً كبيراً على “الأمن القومي التركي”، كما تذرعت أنقرة دائماً، في الوقت الذي تقدمت قوات الجيش العربي السوري والقوات الحليفة لها باتجاه تل رفعت ومنبج في الريف الحلبي، ومنعت القوات التركية من التقدم في منطقة يعتبرها النظام التركي استراتيجية جداً بالنسبة إليه، الأمر الذي أبقى المناطق التي احتلتها تركيا كالجزر المنفصلة عن بعضها البعض، ومنع إقامة شريط محتل متكامل ومتصل، وهو ما لم ينسه أردوغان أبداً أو يسكت عنه.

كان أردوغان قد عبّر غير مرة عن أطماعه الحقيقية في سوريا والعراق، وعن أحلامه الرامية إلى اقتطاع مساحات واسعة منهما، باعتبارها مناطق عثمانية. ولم يكتفِ رأس النظام التركي بالتوغلات العسكرية وبشنّ الهجمات على الأراضي السورية، بل احتضن منذ بداية الحرب السورية جل الجماعات الإرهابية المسلحة المعادية للدولة السورية، وعمل على تدريبها وتسليحها، ناهيك بسعيه منذ الأيام الأولى للأزمة في سوريا إلى دفع مئات الآلاف من السوريين إلى النزوح عن أراضيهم للضغط على دمشق، وابتزاز العالم كله بمسألة اللاجئين بكلّ الوسائل الممكنة.

وقد تحولت الجماعات المسلحة السورية والأجنبية إلى أداة تركية تقاتل بالنيابة عن أنقرة وبإسنادها، أو جنباً إلى جنب مع الجيش التركي، إذ بلغت النقاط العسكرية حتى العام 2019 مشارف مدن حلب وحماه واللاذقية، ونقاطاً متقدمة جداً في ريفي الرقة والحسكة، إلى أن استطاع الجيش العربي السوري وحلفاؤه تحرير الكثير من تلك المساحات، ومحاصرة النقاط التركية، ثم طرد حامياتها، وصولاً إلى نهاية العام 2019.

لم تحقّق العمليات العسكرية التركية أهدافها الـ4 بالشكل الذي يريده أردوغان، إذ بقيت الخطّة الرئيسية التركية التي تهدف إلى وصل تلك الجزر المحتلة والسيطرة على عموم المساحة الممتدة من منطقة “كباني” في ريف اللاذقية غرباً إلى أقصى الشرق عند القامشلي والمالكية قائمة، بيد أنَّ الظروف العسكرية في الميدان السوري، والسياسية في الميدان العالمي، شكَّلت عقبة أمام تحقيق هذه الخطة.

لكنَّ أردوغان، كعادته، لم يوفر أيّ فرصة سياسية في المسرح المحلي أو الإقليمي أو العالمي، إلا وحاول استغلالها للضغط من أجل السير قدماً في خطته تلك، إلى أن انطلقت شرارة الحرب في أوكرانيا، وما نتج منها من توترات واختلالات في المسرح الدولي، وسعار أميركي – غربي في وجه موسكو، ليعود أردوغان إلى طرح خطته في وجه العالم، مستغلاً حاجة الغرب له كقوة إقليمية يمكنها الضغط على موسكو والمشاركة في حصارها ومواجهتها في الإقليم، كما حاجة روسيا له اقتصادياً ولوجستياً على أكثر من صعيد.

ومع اقتراب موعد الانتخابات التركية، وتحول مسألة اللاجئين السوريين إلى مادة للهجوم على أردوغان وحزبه في الداخل، وسعي السويد وفنلندا إلى الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ومعارضة أنقرة هذا السعي، بذريعة أن الدولتين تستقبلان “عناصر إرهابية” كردية، وتقدمان الدعم للكرد في سوريا والعراق، بدأ الرئيس التركي في الأسابيع الأخيرة بإعادة التلويح بعملية عسكرية جديدة في الشمال والشرق السوريين، ومهّد الأمر بعملية عسكرية في شمالي العراق.

لقد أراد أردوغان ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، من خلال تصعيد تصريحاته وتهديداته المتعلقة بهذا الأمر

الهدف الأول

إعادة اللعب بورقة اللاجئين بشكل معاكس هذه المرة، وأعلن عزمه على إعادة أكثر من مليون لاجئ سوري إلى “منطقةٍ آمنة” ينوي إقامتها في الشريط الممتد من ريف اللاذقية إلى ريف الحسكة، وهو هدف استراتيجي توسعي وانتخابي في آن

الهدف الثاني

أراد ابتزاز الولايات المتحدة الأميريكية والغرب عموماً، من خلال مقايضة عملية عسكرية كهذه بموافقة أنقرة على انضمام فنلندا والسويد إلى “الناتو”.

الهدف الثالث

أراد أردوغان اختبار موسكو أو مقايضتها بعدم الانخراط التركي في حصارها أو العمل ضدها في الحديقة الروسية، وتسهيل مرور سفنها وطائراتها العسكرية في الممرات المائية والجوية التركية،

الهدف الرابع

أراد اختبار الحالة العسكرية الروسية في سوريا تحديداً، وخصوصاً بعد تصاعد الحديث الغربي عن نية موسكو سحب أعداد من قواتها وطائراتها العسكرية العاملة في الأراضي السورية، لحاجتها إليها في الحرب في أوكرانيا. ومن جديد، فتح أردوغان “بازاره” المعتاد أمام الجميع.

اعتبر أردوغان أن الفرصة الدولية مناسبة جداً للقيام بعملية أخيرة أو لاستكمال كلّ العمليات التي بدأها سابقاً بهجوم شامل يهدف إلى احتلال منطقة بعمق 30 كم وطول 432 كم، وذلك لربط جميع مناطق الاحتلال التركي ببعضها البعض، الأمر الَّذي يستلزم احتلال مناطق تل رفعت وعين العرب ومنبج وعين عيسى ومطار “منغ” العسكري وسد تشرين، ومناطق بين مدينتي تل أبيض ورأس العين، بحيث يسيطر الجيش التركي والفصائل المسلحة السورية الموالية له على طول الشريط بين إدلب والحسكة، مروراً بأرياف حلب والرقة، على أنْ تُستكمل الخطة باحتلال منطقة القامشلي، وصولاً إلى المالكية على المثلث الحدودي السوري العراقي التركي، وتكتمل “المنطقة الآمنة” المزمع إقامتها، وطرد الكرد إلى خلف كلّ تلك المناطق باتجاه العمقين السوري والعراقي.

وقد بدأ الجيش التركي بالفعل بتنفيذ خطة عسكرية في شمالي العراق تصبّ أهدافها في سلة الخطة التركية لشمالي سوريا وشرقها. كذلك، قامت المدفعية التركية وراجمات الفصائل الموالية لأنقرة بتنفيذ هجومات وقصف مدفعي في ريف منبج وتل رفعت، لاختبار جميع الأطراف العسكرية الموجودة في المنطقة، وعلى رأسها دمشق وموسكو وواشنطن.

اعتبر أردوغان أنّ كفة انضمام فنلندا والسويد إلى “الناتو”، ومواجهة روسيا بكل القوى العالمية الممكنة، ومنها تركيا، ستزن أكثر بكثير من كفة الكرد السوريين في ميزان واشنطن، وبالتالي ستضطر الأخيرة إلى الرضوخ والموافقة على خطته العسكرية تلك.


وافترض أن الوضع العسكري الذي تواجهه موسكو في أوكرانيا، وحاجتها لتركيا على أكثر من صعيد، قد تدفع روسيا إلى تقليص وجودها العسكري في سوريا، وخصوصاً في المنطقة الشمالية الشرقية، وهو الوضع الذي اعتبره مثالياً للعودة إلى الخطة القديمة، لكن الأحداث لم تجرِ على هذا النحو فوق طاولات السياسة والميدان، إذ لم تستطع أنقرة الحصول على ضوء أخضر أميركي للقيام بهذه العملية، بل حذرت واشنطن من فوضى عارمة في المنطقة الشرقية قد تؤدي إلى قتال مرير بين الكرد والأتراك، وإلى اضطراب شديد في المخيمات والسجون التي تحوي عناصر متطرفة.

كذلك، قد يؤدي الأمر بالكرد إلى اللجوء إلى دمشق وموسكو وطلب مساندتهما، كما أن الدول الغربية لن تسمح باحتلال تركي لكل هذه المساحة من الدولة السورية على حساب حلفائهم الكرد.

من جهتها، ردت موسكو في الميدان مباشرةً، واستقدمت تعزيزات عسكرية ملحوظة إلى المنطقة الشرقية، وخصوصاً إلى مطار القامشلي ونقاط التماس على الحدود بين أرياف الحسكة وحلب والرقة، وزادت في الأيام الأخيرة من طلعاتها الجوية فوق المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة الموالية لأنقرة في ريفي حلب وإدلب على وجه الخصوص، وقامت المقاتلات الروسية بإطلاق قذائف صاروخية فوق بعض تلك المناطق، في رسائل تحذيرية لأنقرة وأدواتها المحلية.

لكنَّ أهم ما في الأمر هنا، أن صاروخاً أطلق من بارجة بحرية روسية، قبل منتصف ليل الأربعاء، الأول من حزيران هذا الشهر، استهدف واحداً من أكبر مخازن الأسلحة شمالي إدلب، وأحدث انفجارات متتالية ومدمرة أدت إلى مقتل العديد من قيادات وأفراد ميليشيا “فيلق الشام” التي ترعاها أنقرة.

واضطرت المروحيات التركية إلى الهروب باتجاه الداخل التركي، نظراً إلى كثافة القذائف والصواريخ التي بدأت بالانفجار تباعاً في المكان، والتي سقط بعضها داخل الأراضي التركية. ويمكن اعتبار هذا الصاروخ الروسي المدمر أحد أهم رسائل النار الروسية لأردوغان في هذا التوقيت بالذات، وخصوصاً بعد تصريحات الرئيس التركي، عقب اجتماع برلماني في أنقرة عصر اليوم نفسه، إذ قال إنَّ “تركيا ستبدأ مرحلة جديدة لتأمين عمق 30 كيلومتراً لحدودها مع سوريا”، وإنها ستعمل على “تطهير تل رفعت ومنبج”، وستعمل خطوة خطوة في مناطق أخرى، وأكد أردوغان أن أنقرة “لا تنتظر إذناً من واشنطن”، وأنها “سترى من سيقف مع عمليتها الأمنية المشروعة تلك ومن سيعارضها”.

من جهة أخرى، عزَّز الجيش العربي السوري استعداداته العسكرية في ريفي حماه وإدلب. والأمر اللافت هنا هو إرسال فرقة كاملة من قوات النخبة إلى البادية السورية. وتشير المعطيات إلى أنَّ أهداف العملية السورية تلك لن تقتصر على تمشيط البادية من عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي، بل قد تبلغ ريف دير الزور، وصولاً إلى مدينة الحسكة وريفها، وذلك للوصول قبل القوات التركية أو الفصائل العاملة لديها إلى الشرق، في ما يشبه سباقاً عسكرياً محموماً للسيطرة على الشرق السوري، إذا ما جرى اللعب بالميدان من طرف أنقرة.

كلّ تلك المعوقات العسكرية والسياسية الدولية دفعت أنقرة إلى تأجيل العملية العسكرية بالطريقة التي كانت قد خططت لها، لكن يمكن القول، وبناءً على تحركات الميدان وقراءة التعليمات التركية التي صدرت للفصائل المسلحة العاملة في المنطقة في الأيام الأخيرة، كما تصريحات رأس النظام التركي الأخيرة يوم الأربعاء، إنَّ أردوغان لم يتخلَّ عن العملية أبداً، بل هو ماضٍ في جمع وتأمين كل الأدوات السياسية والعسكرية اللازمة للبدء بها.

وفي هذا الوقت المستقطع، ستعمل القوات التركية وميليشيا السوريين الذين جمعتهم أنقرة تحت عنوان “الجيش الوطني”، بمحاولة قضم بعض الأراضي في ريفي حلب والرقة على وجه الخصوص، وتحديداً لجهة تل رفعت ومنبج في الريف الغربي لحلب، وكذلك في تل أبيض ورأس العين باتجاه الشرق.

وستعمل أنقرة على استكمال عملية تعويم زعيم تنظيم “القاعدة” (هيئة تحرير الشام) أبو محمد الجولاني، وتقديمه للعالم باعتباره قائداً سياسياً معتدلاً ويمكن العمل معه، وهو الأمر الذي لا تعارضه واشنطن، بل تعمل عليه بدورها، وخصوصاً بعد خدمات الجولاني المرتبطة بتسهيل قتل زعيمَي “داعش” البغدادي والقرشي.

وسوف تدفع أنقرة الجولاني إلى التقدم والقضاء على الفصائل التي لا ترضى عنها واشنطن، ومنها فصيل “أنصار الإسلام” الذي يسيطر على بعض المناطق في أرياف حلب وإدلب، والتقدم باتجاه بعض المواقع العسكرية السورية بغية احتلالها، وستعمل أنقرة على إعادة عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى تلك المناطق، ووضع العالم أمام عملية “الابتزاز باللاجئين” مرة أخرى. وقد أعلنت وزارة الداخلية التركية بالفعل، يوم الأربعاء ذاته، ترحيل 503 لاجئ سوري إلى سوريا “بشكلٍ طوعي”.

لن تتوقّف أنقرة عن ممارسة الضغط على واشنطن والغرب إلى أن تحصل على كل ما تستطيع من مغانم سياسية واقتصادية وتوسعية، لكنَّ حسابات أخرى أكثر أهمية وقوة من الحسابات الغربية تخص الميدان السوري ستبقى عقبة أمام طموحات أنقرة، إذ لن تسمح دمشق وحلفاؤها بأي تغيير في الميدان الآن إلا بما يتوافق مع خطة دمشق وحلفها في تحرير كامل الأراضي السورية، وهي خطة ترى دمشق أنَّها تسير في مصلحتها على المدى المتوسط، وخصوصاً أن استعداداتها العسكرية متكاملة على جميع الجبهات في الشرق والشمال، وهي من جهتها، ترى أنَّ الصراع في أوكرانيا ذاهب باتجاه فرض قواعد دولية جديدة ليست في مصلحة أعدائها.

وفي النتيجة، سيذهب حلف دمشق باتجاه المواجهة العسكرية فوراً، في حال أقدمت أنقرة على مغامرتها الجديدة، وسيكون الجيش التركي مضطراً إلى مواجهة سوريا وإيران وموسكو وفصائل المقاومة (بما فيها الحشد الشعبي العراقي)، إضافةً إلى الكرد، دفعة واحدة.


ويمكن التأكيد أن الفرقة السورية المدرعة، المصحوبة بالطيران السوري والروسي، التي توغلت في البادية، ستكون أول الواصلين إلى الحسكة عند أول اندفاع تركية باتجاه الشرق أو حلب.

وقد يعمد الكرد إلى تسليم مواقعهم للجيش السوري، في حال عجزت واشنطن عن احتواء الذئب التركي، وذلك سيعني أن القوات الأميركية التي تحتل مساحات من الأراضي السورية ستكون أمام خيار واحد، هو الفرار .. !! .

عاشق الوطن ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى