كتب د.حسام مطر حول الاتفاق الايراني- السعودي في بكين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية خلال شهرين
العصر- ما حصل يؤكد أن هناك تحوّل جار في السياسة الخارجية السعودية لأسباب أصبحت معروفة مرتبطة بتحولات في الداخل السعودي والاقليم والنظام الدولي. (اصدرنا دراسة حول ذلك نهاية 2022)
الرياض لا تخرج من التحالف مع واشنطن بل تريده أن يصبح أكثر مشروطية، وذلك بإيجاد هامش استقلالية للاستفادة من تنافسات القوى الكبرى وتنويع خياراتها. كما تلتفت الرياض إلى أن الدور الأميركي في الخليج يتركز حول الامارات وقطر، وفي المشرق حول كيان العدو مع سعي اميركي لاستعادة تركيا.
السعودية تنظر للسياسة الخارجية اليوم بمنظار داخلي في لحظة تحوّل تاريخية تأسيسية لمشروعية جديدة ذات مرتكز قومي (المصالح الوطنية) مسنود بمرتكز ديني متغير وأقل وزناً.
نجاح بن سلمان في مشروعه يستوجب نجاحاً اقتصادياً ومكانة اقليمية وجاذبية عالمية وتحييد اي تهديد من النخبة الملكية.
لذلك، من ناحية نفطية، مصلحة الرياض مع الدول المصدرة للنفط (بالتحديد روسيا)، ومصالحها الاقتصادية مع الغرب والصين، ويلزمها بيئة مستقرة في الجوار، والمصالح الأمنية ما زالت مع واشنطن ولو تراجعت الثقة بالضمانة الأميركية منذ هجوم بقيق تحديداً، وهنا تبرز الحاجة لحل موضوع اليمن.
فاذا كانت استراتيجية أميركا هي التهدئة الاقليمية وتعويم حلفائها الآخرين، فلماذا على الرياض أن تبقى مكبلة بتوترات مع إيران وقطر وتركيا؟ وعليه الرياض تتعلم وتغادر منطق الصراع المفتوح نحو التنافسات المعقلنة التي تقبل التعاون الممكن في المصالح المشتركة مع التنافس حيث لا بد.
بالمقابل المصالح الإيرانية والصينية أكثر وضوحاً فيما جرى؛ الصين تتجنب سياسة المحاور وتريد تعزيز مصالحها دون القلق من إثارة المشاكل على ضفتي الخليج كذلك هي تطور استراتيجيتها الدولية لتعزيز حلقات الاصدقاء في رد على التطويق الأميركي المتزايد.
أما إيران فهي في مواجهة متصاعدة مع تل أبيب واشتداد الضغوط الأميركية (لذلك لطهران حاجة بإحداث ثقوب في الحلف الأميركي)كما تواجه معضلات داخلية. منذ بداية ولاية رئيسي، كان الجهد لتنشيط العلاقات مع الجوار العربي والشرق الاسيوي بعيداً عن الغرب وهو ما له تأثير في التوازنات داخل إيران.
الاتفاق يعكس مصالح مشتركة محتملة وجد الطرفان أنها تستحق في هذه اللحظة السعي لاختبارها، ولكن طبعا ستبقى العلاقة قائمة على منطق المنافسة. هي محاولة للخروج من الصراع نحو منافسة براغماتية حيث يمكن ايجاد مسائل للتفاهم والتعاون وفق موازين قوى قائمة.
تراجعت الدولتان حالياً نحو الحوار ومحاولة القيام بخطوات لبناء الثقة. من المرجح أن تحصل بعض التفاهمات في قضايا مشتركة ثم تكون عرضة للاختبار، وستبقى ملفات أخرى خاضعة للمنافسة أو التباين. من المبكر التقدير إلى أين ستصل عربة هذا الاتفاق وبحال نجاحه ستكون عوائده كبيرة.
التهدئة بين الطرفين لا تخالف المقاربة الأميركية لتبريد الأزمات الكبرى حالياً. لكن واشنطن تريد أن تبقى الرياض مستتبعة أمنياً ولا يصل التفاهم مع طهران أو بكين إلى تجاوز مصالح أميركية حيوية. للعلم مؤخراً كان في الرياض 5 مجموعات عمل أميركية لتعزيز التعاون الأمني والعسكري والسياسي.
ما جرى يؤكد عمق التحولات الجارية في المنطقة وهو ما يجعل أحداثها وقرارتها أكثر تعقيداً. نحن في مرحلة تصبح خيارات القوى الاقليمية أكثر تأثيراً، كما يتركز مفهوم تنويع الخيارات مع القوى الدولية. هذان الاتجاهان الأساسيان يصبان في المصالح البعيدة