خلال شهرين (الثامن والتاسع) شهدت الأحداث تطوراً جديداً في العراق بين القوات الأمريكية والساحة السياسية والجهادية في العراق , نسلط الضوء عليها:
أولاً:- المقدمات والاحداث
====
1- المقاومة صعّدت وكثّفت من ضرباتها على مجمع السفارة الأمريكية بعد أن أخلت أمريكا اغلب المعسكرات القريبة التي يمكن أن تصلها الضربات من المقاومة فشملت الضربات رتل لبعثة دبلوماسية بريطانية في بغداد بتاريخ 17/9/2020 وأكثر من (24) ضربة صاروخية على مجمع السفارة الأمريكية فضلاً عن ضرب الناقلات المدنية المتعاقد معها لنقل المعدات الأمريكية, القادمة من الجنوب.
2- كانت ردة الفعل العراقية عبارة عن بيانات صدرت من رئيس البرلمان الحلبوسي ثم السيد عمار الحكيم الّا أن الضربات لم تتوقف. وفي يوم 24/9/2020 أصدر السيد مقتدى الصدر بياناً شديد اللهجة أدان الهجوم على البعثات الدبلوماسية وطالب بتشكيل لجنة للتحقيق وتحديد الجهات التي تقوم بهذه الأعمال وصدر عن رئيس الوزراء السيد الكاظمي تأييداً لبيان السيد مقتدى في تشكيل هذه اللجنة. الجدير بالذكر ان بيان السيد مقتدى وجه الكلام إلى الحشد الشعبي مطالباً قيادته بمنع العناصر التي تقوم بهذه الضربات.
3- وفي 27/9/2020 أصدر الفتح بياناً من خمسة نقاط كانت الرابعة تتضمن رفض الفتح للأعمال التي تستهدف البعثات الدبلوماسية وفي النقطة الخامسة كانت الإشارة واضحة الى الحشد الشعبي بضرورة الامتثال إلى ((القانون)) والكلام موجه الى العناصر والتشكيلات والأفراد الذين يقومون باستهداف البعثات الدبلوماسية, بعدها بنفس اليوم صدر من قيادة هيئة الحشد الشعبي بيانا يؤكد فيه رفضه لبيان (الفتح) لأنه يحمل الحشد المسؤولية, وأكّد البيان أن الحشد تابع للقيادة العليا للقوات المسلحة.
وبهذا ظهر خلاف جديد بين قيادة الحشد والفتح إضافة إلى الخلاف بين ألوية الحشد التابع للعتبات مع قيادة الحشد الشعبي, وهذا الأمر أربك الساحة الشيعية واظهر فيها الخلافات المتعددة, بل وسع من حجم الخلافات .
3- وبعد تصاعد البيانات من الكرد والسنة والشيعة في إدانة استهداف السفارات, عقدت القوى السياسية العراقية والحكومية وقادة الأحزاب اجتماعات متكررة لمعالجة هذا الموضوع, وقد استغلها برهم صالح رئيس الجمهورية العراقية بنقل رسالة من بومبيو (وزير الخارجية الأمريكية) ,قد تكون واقعية او ضرورة أو مجرد تهديد إلى القوى السياسية عموماً والشيعة خصوصاً , ومفادها :ان أمريكا حال استمرار الضربات فسوف تقوم بغلق سفارتها والرد العسكري على الجهات التي تستهدف السفارة؛ باعتبار أن القانون الدولي يمنح أمريكا الحق في الدفاع عن سفارتها كونها جزء من الأرض الأمريكية وفق القانون الدولي.
وهذا الأمر وهو كلام الخارجية الأمريكية حفَّز الرئاسات العراقية (رئاسة الجمهورية، رئاسة البرلمان، رئاسة القضاء الأعلى) أن تصدر بياناً بتاريخ 27/9/2020 اعتبروا فيه أن ضرب البعثات الدبلوماسية ( عملية إعلان حرب وانه عمل مرفوض وعلى الجهات السياسية كلها تحمل المسؤولية في منع تكرار هذه الأعمال).وطالبت الرئاسات العراقية بحصر السلاح بيد الدولة وان لا يكون العراق ميدان للصراع من بعض الدول الخارجية.
وهذا الامر يعد في غاية الخطورة اذا تعرف الرئاسات الاعمال التي تقوم بها المقاومة بنها (( اعلان حرب خارج الاطار القانوني مما يجعل الحكومة العراقية بموجب هذا الامر يمكنها اعتقال هولاء وايضا هو اعطاء الضوء الاخضر لضرب المقاومة فهو تبرير مسبق ))
4- السفارة الأمريكية أصدرت بياناً بتاريخ 28/9/2020 عبر موقعها الرسمي حذرت فيه الأهالي وأبلغتهم بأنها سوف تقوم ببعض الإجراءات العسكرية من نصب صواريخ ومصدات مضادة وسوف تستمر الأعمال لمدة يومين، كما طلبت من القائد العام للقوات المسلحة في العراق السيد الكاظمي بإدخال قوات مكافحة الشغب لحماية المنطقة الخضراء.
5- ايضاان المصادر تفيد ان قرار الحكومة الامريكية بتقليص تواجدها لم يكن امرا للضغط بل هو واقعي وهذا مااشارت اليه العديد من المصادر واخرها تغريدة السيد فادي الشمري عضو المكتب السياسي لتيار الحكمة الذي قال نقلا عن السيد عمار ما يلي ((القرار الامريكي بغلق السفارة الامريكية وإنهاء عمل التحالف الدولي متخذ وجاهز للاعلان. وهناك مساعي حثيثة عراقية ودولية للتريث” بالقرار. وان “القيادة العراقية حكومةً وقوى على علم بالتفاصيل وهناك اتصالات تجري على قدم وساق” مبينا ان “البعثات الدولية أبلغت الحكومة انها ستخفض الوجود الدبلوماسي الى أدنى مستوى في حال الغلق)).
ثانياً: النتائج وآفاق المستقبل
====
اتخذت الأحداث الأخيرة طابعاً جديداً في تطورات الصراع بين المقاومة والقوات الأمريكية لابد من الإشارة إلى بعض نتائجه وهي :
1/ تمكنت أمريكا من تحشيد وتوحيد الرأي العام في العراق (كردياً، شيعياً، سنياً) ضد المقاومة خصوصاً بعد البيان الذي صدر من السيد عمار والعبادي ومقتدى الصدر والفتح وهيئة الحشد الشعبي والرئاسات الثلاث والكرد والسنة ,وبهذا يمكن القول أن أمريكا نجحت إلى حد كبير في خلق موقف مؤيد لوجود السفارة الأمريكية ويدين استهدافها، وهذا تطور جديد يجعل المقاومة والفصائل التي تقوم بهذا الأمر محاصرة من القوى السياسية ومن الحكومة بكل الرئاسات (القضاء ورئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء). وسوف تتقلص ساحات الجهاد الموحدة للمقاومة خصوصاً بعد التحاق الفتح والحشد الشعبي بالرئاسات الثلاث بنفس الموقف عبر بياناتها الاخيرة.
2/ مع تصاعد الاحداث وسريان الحديث الامريكي عن الانسحاب اخذت المشاعر للكثير من الناس تشعر بالخوف وقوعا تحت تاثير الاعلام كون ان الانسحاب الامريكي يتبعه محاصرة للعراق ماليا واقتصاديا وقد يودي الى ان تدفع القوات الامريكية الى تعقيد المشهد الامني وغيره لذا فان العديد من السياسيين الان يجرون مفاوضات عميقة مع البعثات الدبلوماسية ومع التحالف الدولي للتريث, والمهم ان نقول ا ن اي ازمة لاحقة ان حصلت فسوف يتم تحميل المسولية فيها الى المقاومة مع ان تلك الازمات ممكنة ومتوقعة وقد لا تقل عن انهيار الاقتصاد ويتبعه انهيار العمملية السياسية
3/ تمكنت أمريكا بعد البيان الذي صدر عن الرئاسات الثلاث أن تمنح القوات الأمريكية حق الرد على الفصائل المقاومة لان بيان الرئاسات اعتبر ضرب البعثات الدبلوماسية (عملية إعلان حرب) وفق القانون الدولي. وهذا الأمر يمنح أمريكا الحق القانوني بالرد.وأيضاً هذا الموقف من الرئاسات الثلاث يفسر بوضوح انه خطوة للوقوف بوجه المقاومة واعتبارها عناصر خارجة عن القانون سيما ان احد المشاركين في اصدار البيان هو رئاسة القضاء الاعلى
بهذا يتضح أن الهدف الأمريكي من التصعيد – والذي تحقق فعلاً- هو خلق رأي عام بالضد من المقاومة لمحاصرتها, وتفكيك موقف المقاومة بعد ان تفكك موقف التحالف الشيعي
3/ أخذت الوسائل الإعلامية وحتى البيانات الرسمية تحمّل إيران المسؤولية في دعم المقاومة وهذا يترتب عليه أمور كثيرة ربما الهدف منه خلق إدانة لإيران, وهذا يترتب عليه اثار كثير فان استقر وضع ايران يكون ممدوحا وان تعرض العراق الى ازمة فان النقد وللائمة الشعبية تتصاعد ضد ايران .
4/ هناك رسائل وصلت من مختلف القوى السياسية والحكومية العراقية إلى مرجعية النجف الاشرف طالبين منها التدخل لإيقاف استهداف السفارات وآخر رسالة صدرت من برهم صالح سراً فيها (أكدت للمرجعية جدية الرد الأمريكي وأنهم سوف يقومون بأعمال عسكرية إذا لم يتوقف استهداف السفارة الأمريكية) كما أن (برهم أكد للمرجع أن استهداف المقرات والقواعد الأمريكية قد يكون الأمر فيه وجهة نظر أما الآن ومنذ شهرين تقريباً فإن بعض الفصائل تقوم باستهداف البعثات الدبلوماسية وهذا الأمر مخالف للقانون الدولي ويمنح الأمريكان حق الرد وبهذا يدخل العراق في ظرف امني معقد).
5/ الإعلام الخاص والعام اخذ يشرح للشعب العراقي خطورة أن تقوم السفارة الأمريكية بعملية غلق السفارة لان هذا يعني نشوء أخطار كبيرة سيما وان أمريكا قد ترفع الدعم عن الدينار العراقي ويؤدي إلى انهيار العملة العراقية وقد تجمد الأموال العراقية في البنوك الأمريكية كما أن العراق يعاني العجز في الموازنة والى الآن في شهر 9 لم تتمكن الحكومة العراقية من دفع الرواتب.
7/ موضوع استهداف البعثات الدبلوماسية كان وما زال خلال هذه الفترة سبب الخلاف عميق بين الحشد الشعبي والفتح، وبين مختلف الأحزاب العراقية. وقد اظهر الموقف السياسي والحكومي الذي يدين استهداف البعثات والضربات التي تواجهها المقاومة ان هذه التشكيلات متمردة على الكل سواء الاحزاب او الحشد او الحكومة وهي عناصر لها اوامر خارجية وتنفذ اوامر ايرانية وهذا ما يتحدث به الاعلام يومياً.