كيف خسر بايدن الرهان بالاحتفال بهزيمة بوتين في الذكرى الأولى للحرب الأوكرانية؟… وهل يعيد هجوم الربيع الروسي رسم خريطة جديدة لأوروبا وربما العالم؟… ولماذا لم يزر الرئيس الأمريكي لندن وباريس وبرلين عواصم أوروبا القديمة في جولته الحالية..؟

عبد الباري عطوان
العصر- انطلاق صافرات الإنذار اثناء زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للعاصمة الأوكرانية كييف، وتجوله في شوارعها ربما تعكس بصورة جلية تطورات الحرب على الأرض، والوضع المأساوي الذي تعيشه اوكرانيا وشعبها مع اقتراب هذه الحرب من إكمال عامها الأول ودخولها العام الثاني بعد بضعة أيام (24 شباط).
🔸الرئيس بايدن الذي دخل الى العاصمة الأوكرانية متسللا، ودون أي اعلان مسبق، أرادها حربا قصيرة، تنتهي في غضون أشهر، يركع فلاديمير بوتين عند اقدامه، طالبا الصفح والغفران، ولكن هذه الطموحات والآمال لم تتحقق وجاءت النتائج عكسية تماما.
▪️في المؤتمر الصحافي المشترك كرر الرئيس فولوديمير زيلينسكي هذه الأمنيات، عندما قال انه سيبحث مع ضيفه، ومعلمه بايدن السبل الكفيلة لكسب الحرب هذه السنة، ولم يقل لنا، ولمواطنيه الذين يعيشون ظروفا صعبة، كيف، وكل الأنباء القادمة من شرق وجنوب أوكرانيا تقول ان هجوم الربيع الروسي يستعيد في الشتاء المدن التي خسرها في الخريف، الواحدة تلو الأخرى.
🔸الرئيس بايدن تعهد لزيلينسكي بدعمه وجيشه بـ700 دبابة، وآلاف العربات المدرعة، والف مدفع هاوتزر، ومليوني قذيفة، و50 راجمة صواريخ “هيرماس”، ومنظومات مضادة للدبابات والطائرات، وفوق هذا وذاك 500 مليون دولار مساعدات مالية، ولكنه لم يتعهد بإرسال جندي امريكي واحد، او طائرة مقاتلة واحدة، خوفا ورعبا من الرد الروسي، وجر أمريكا الى مواجهة عسكرية مباشرة.
أمريكا وحلفاؤها راهنوا على حرب خاطفة للانتقال بعدها الى الهدف الأكبر أي الصين، خاصة بعد خسائر الجيش الروسي في الخريف، وانسحابه من خاركوف وخيرسون، واعتقد مخطئا ان هذا الجيش على حافة الانهيار ان لم يكن في قلبها، ولكنهم خسروا هذا الرهان، واكتشفوا ان بوتين يملك رهانا مضادا مختلفا، وهو الحرب الاستنزافية الطويلة التي تستمر ثلاثة أعوام على الأقل، أي لما بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في خريف عام 2024، وبما قد يؤدي الى اسقاط الرئيس بايدن وحزبه الديمقراطي، هذا اذا لم يسقط قبلها.
اللافت ان الرئيس بايدن حصر جولته الحالية بزيارة خاطفة، وغير معلنه مسبقا لكييف، ولبضعة ساعات، ليطير بعدها الى بولندا التي يريد توريطها في الحرب الاوكرانية، وتأمل قيادتها ان تستعيد بناء امبراطوريتها مجددا، وتسمينها بأجزاء من روسيا (بعد هزيمتها) ومن أوكرانيا التي احتلتها بولندا في القرنين السادس والسابع عشر، ولكن هذه الطموحات التوسيعية قد تنتهي بكارثة على غرار ما حدث لها اثناء الحرب العالمية الثانية عندما انحازت الى هتلر.
نستغرب الاتهامات الامريكية الأخيرة بعزم الصين ارسال أسلحة متقدمة لروسيا، وهي التهمة التي نفتها الأخيرة، مصدر الاستغراب هو تحشيد أمريكا كل الدول الأوروبية لدعم زيلينسكي، ويستكثرون على الصين دعمها لحليفها الروسي، أي منطق هذا، حلال على أمريكا وحرام على روسيا؟ انه قمة الغباء وسوء التقدير والحساب، فروسيا ليست، ولن تكون وحدها، وسيقف كل أعداء أمريكا، والمتضررين من غطرستها وما اكثرهم في صفها، ابتداء من الصين، ومرورا بكوريا الشمالية، وانتهاء بايران التي ستصبح دولة نووية قريبا جدا.
▪️عدم زيارة بايدن للدول الثلاث الأبرز في أوروبا “القديمة” في جولته الحالية، ونقصد بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وتركيزه فقط على بولندا، يؤكد ان معظم هذه الدول، وبضغط من شعوبها، باتت “مرعوبة” من الاستمرار في التورط في هذه الحرب، لانعكاساتها السلبية على أمنها واقتصادها ورخاء شعوبها التي بدأت تشارك بمئات الآلاف في مظاهرات احتجاجية، ويكفي الإشارة الى ان خسائر المانيا بلغت 100 مليار دولار في السنة الأولى فقط، والحسابة تحسب.
🔸هجوم الربيع الروسي الذي يزداد قوة، والهجوم الاوكراني المضاد لمواجهته، قد ترسم نتائجهما ليس مصير هذه الحرب، وانما ايضا الخريطة الأوروبية الجديدة، اقتصاديا، وسياسيا، وعسكريا، ولا نعتقد انها ستكون في صالح الولايات المتحدة وحلف الناتو.
▪️أوكرانيا باتت في طريقها لكي تتحول الى قاعدة للفوضى، ومنصة لانطلاق الإرهاب، الذي سيضرب معظم أوروبا وشعوبها، ويزعزع أمنها واستقرارها، فماذا يمكن ان تتوقع هذه الدول التي عاشت في أمن واستقرار ورخاء لما يقرب من 80 عاما (منذ الحرب العالمية الثانية)، وهي في طريقها للتحول من داعمة للارهاب في الشرق الأوسط والعالم الثالث، الى قاعدة جاذبة ومصدرة له، واسألوا مقاتلي مجموعة فاغنر، وكتائب الشيشان، وعناصر الدولة الإسلامية، والجماعات النازية اليمينية الأوروبية المتطرفة، التي باتت تتواجد وتتناسل على الأرض الأوكرانية.
🔸✨. بايدن كان يتمنى ان يزور كييف بعد عام من الحرب للاحتفال بالنصر، وتركيع موسكو والرئيس بوتين، ولكن أُمنيته لم تتحقق، وزارها كاللص متسللا، ودون اعلان مسبق، ومن غير المعتقد انه سيكرر هذه الزيارة مستقبلا كمنتصر أيضا، وقد آن الاوان لابي حنيفة ان يمد رجله.. والأيام بيننا.