لا تلعنوا الدستور بل حاسبوا من لا يطبقه
مجلة تحليلات العصر الدولية - محسن القزويني / صحيفة الاحداث
بالمقارنة بين الدستور العراقي لعام 2005 والدساتير الأخرى سواء كانت عراقية أم إقليمية يتفوق الدستور العراقي في الكثير من مواده على الدساتير الأخرى في مجالات تحقيق العدالة و تنظيم شؤون المجتمع و منح الحقوق و الحريات و كفالته للفرد العراقي في حياة كريمة و في فصل السلطات الثلاث، و توزيع الثروات بين أبناء الشعب العراقي كافة.
و منشأ القوة في الدستور العراقي أنه جاء بالتوافق بين المكونات الثلاثة للشعب العراقي فحظي بإجماع شعبي و تأييد جماهيري ترجم في الخامس عشر من أكتوبر من عام 2005 يوم الإستفتاء عليه.
و إذا كان التوافق الشامل على الدستور هو نقطة القوة فهو أيضا نقطة الضعف فيه أيضا، لأنه مامن مادة دستورية إلا و يجب أن يتفق عليها جميع أعضاء لجنة كتابة الدستور الخمس والخمسون الذين يمثلون كافة مكونات و شرائح المجتمع العراقي، لذا كان النص الدستوري يخرج ملبّيا لجزء من طلبات المشرعين للدستور الذين انتهجوا مبدأ التوافق و اقروه اساسا في عملية التصويت على بنوده.
من هنا جاء الدستور العراقي متوازناً في تلبية حاجات المجتمع العراقي محققاً الرضى النسبي، و هنا يكمن الخلل في الدستور في بعض موادّه، فهو دستور توافقي ترك نقاط الخلاف للإحالات والتعديلات.
و على رغم هذا الخلل جاء الدستور العراقي متميزاً عن بقية الدساتير في تحقيقه للعدالة الإجتماعية و ضمانه للحريات وكفالته للحياة الكريمة للشعب العراقي.فالناظر إلى المواد 14-15-16-17-19 لا يجد نظيراً للدستور العراقي في منحه للحريّات و الحقوق المدنية التي منحت الفرد العراقي حقّ إنتقاد أعلى سلطة في الدولة، و مقاضاة أعلى مسؤول من رئيس الجمهورية فنازلاً، حالةٌ لا يمكن قياسها لما كان عليه العراق في تاريخه المعاصر.
و الناظر إلى المواد29-30-31-32-33-34 يجد الكرم الحكومي على أبناء الشعب في توفير السكن و العمل المناسب و التعليم المجاني و الصحة المجانية، بل إن هذه المواد تجبر الحكومة على كفالة الحياة الكريمة للفرد العراقي، وفي حالة تطبيق هذه المواد لا يبقى فقيرٌ واحدٌ على الخارطة العراقية، و لا أسرة عراقية بدون مأوى و سكن ملائم، و لا فرد عراقي بدون عمل أو تعليم أو صحة، و على اساس ذلك من حق كل إنسان عراقي مطالبة الحكومة بهذه الحقوق بحسب تلك المواد و مقاضاتها في حالة عدم إستجابتها في تلبية حاجاته الضرورية للحياة الكريمة.
و العراق الثري بثرواته الهائلة قادر على تلبية كافة حاجات الشعب الأولية. و في دراسة مقدمة للجنة كتابة الدستور برهنت لأعضاء اللجنة بأن بمقدور العراق إعالة شعبه لمائة عام لو تمّ إستثمار ثرواته و توزيعها على الشعب بعدالة بشرط وجود إدارة حكيمة و مدبّرة و عدم وجود إي مظهر من مظاهر الفساد.
من هنا فالدستور العراقي يبني لنا عراقاً مزدهراً و شعباً سعيداً لو طبق بكل حذافيره، فالذين يلعنون الدستور لم يقرءوه و لم يطلعوا على مضامينه و موادّه التي تسعى لتحقيق العدالة و المساواة و الرفاهية للشعب العراقي، فالمشكة إذاً ليست في الدستور بل في عدم تطبيقه، من هنا كان لزاماً على مؤسسات الدولة متمثلة بالسلطات الثلاث الإلتزام بالدستور و اعتباره المرجع الأول و الأخير للأنشطة والقوانين واللوائح والقرارات التي تضبط حركة الدولة.
ويتحمل مجلس النواب القسط الأكبر من هذه المسؤولية فكان عليه مراجعة جميع القوانين السارية المفعول سواء من العهد السابق أو القوانين التي أصدرتها مجالس النواب بعد 2003 مراجعتها على ضوء الدستور العراقي و إلغاء ما يتناقض و بنوده ، ثم إقرار مجموعة القوانين التي أحالها الدستور لمجلس النواب والتي في حالة تطبيقها ستتحقق العدالة والرفاهية للشعب العراقي.