أحدث الأخبارلبنان

لبنان:مـسـؤولـيّـة حـزب الله

جـان عـزيـز

العصر-قبل أيام ورد في الإعلام خبر مفاده أنّ أحد المطلوبين للعدالة في حادث فردي في البقاع، تمّ تسليمه.

المطلوب شقيقٌ لنائب في حزب الله. والقضية إطلاق نار واعتداءات متشعّبة على خلفيّات شخصية.

المهمّ أنّ المطلوب، بحسب الخبر، تسلّمته “اللجنة الأمنية في الحزب” التي عادت وسلّمته إلى من يمثّل الدولة اللبنانية.
Sadawilaya.Com
قبلها بأيام أيضاً، الترتيب نفسه حصل مع المشتبه فيه في حادثة مقتل عنصر من اليونيفيل في الجنوب. حادث مؤسف بين من يمثّل حزب الله على الأرض، وبين من يمثّل الأمم المتحدة على الأرض نفسها.

انتهى إلى ترتيب مماثل لكلّ حوادث الحدود أو إشكالات الاحتكاك العفوية بين الدول.



خبران يستبطنان الخطر الأكبر على المقاومة في لبنان. لا بل يشيان بما يمكن أن يكون مؤامرة ثلاثية عليها. والكلام هنا حسّاس دقيق بقدر ما هو واجب وضروري.

*في هذا “المكان” اليوم ظاهرتان بديهيّتان:* هناك دولة متكاملة المقوّمات والمكوّنات، هي دولة حزب الله، بلا حاجة إلى أيّ شرح أو تدليل.

وهناك لادولة متداعية حتى اندثار معالمها، كثقافة دولة ومفهومها. هي ما كان حتى قبل أعوام قليلة، الجمهورية اللبنانية. وهو ما لا داعي أيضاً لتقديم قرائنه الدامغة.

قد يرى البعض في هذا المشهد انتصاراً للمشروع السياسي الذي يمكن أن يكون الحزب حامله أو مستبطنه. وتقويم الانتصار هذا موجود بين مريدي حزب الله من المنتفعين من فائض قوّته، كما لدى رافضي الحزب والمتضرّرين من وجوده.

أنصار الحزب يعلنون انتصارهم هذا، حيناً بصمت وأحياناً بجهر، ودائماً بسلوكهم اليومي الفعليّ، أن نحن الأقوى، لا بل نحن القوة الوحيدة الباقية على هذه الأرض اليوم، وكلّ الآخرين، من دولة وجماعات، إلى زوال.

*فيما خصوم الحزب كانوا يقولون دوماً، وباتوا يصرخون اليوم علناً:* إنّه انتصار لمشروع إسلاموي خمينيّ كامل في لبنان. وما إسرائيل ومقاومتها إلا ذريعة ووسيلة وسبيل مرحليّ مختصر.

*ثلاثية قاتلة “للمقاومة”*

لكن بين “الانتصارين”، ومع استمرار الوضع العام الذي سمح بهما، أو ولّد انطباعَيْهما، هناك خطر أكيد على المقاومة التي يحملها حزب الله، لا بل يمكن القول إنّ هذا الواقع بثنائيّته المتضادّة يحمل أخطاراً ثلاثة قاتلة للمقاومة.



ـ أوّل المخاطر يمثّله الوضع الديمغرافي بكل بساطة وفجاجة. لا لزوم لكثير من التحليل. فلنكن واضحين مباشرين.

تفيد الأرقام الموثوقة والمعلنة أنّ لبنان خسر من شعبه على مدى ثلاثين عاماً أكثر من 800 ألف لبنانية ولبناني.

لكنّ اللافت أنّ نحو ثلث هؤلاء هجروه في الأعوام الخمسة الأخيرة مقابل نزف ثلثَيْهم على مدى 25 عاماً.

مسألة لافتة أن يكون شعبنا قد صمد في مرحلة الاحتلال الإسرائيلي وفي ظلّ الوصاية السورية الثقيلة وفي ظلّ زلزال 2005 وعدوان 2006 وما بعدهما، فيما قرّر أن يرحل الآن، بعد كلّ الانتصارات التي حقّقتها المقاومة للبنان.

ولنكن مباشرين أيضاً وأكثر. قد يُضمر البعض من الحزب تقويماً إيجابياً لهذه الهجرة، بمعنى أنّها تصيب معارضيه أكثر من مؤيّديه.

أو أنّها حلّ شامل لأزمة الانهيار اللبناني، أو أنّها مقدّمة لتغيير مطلوب في النظام الدستوري لا بدّ أن يشكّل خطوة أكيدة في الاتجاه الذي يفضّله حزب الله، تخلّصاً من قيود نظام الطائف وتوازناته، من دون أيّ ثمن ولا مسؤولية ولا تبعة عليه.

لكنّ الحقيقة المقابلة، وعلى المستوى المجتمعي العام، لا المذهبي أو الطائفي، مغايرة تماماً.

فالمغادرون بلا عودة هم من الشباب. والهرم العمريّ اللبناني اليوم بات في مرحلة دقيقة خطيرة جداً. هو مخصور عند وسطه، فيما قمّته من المتقدّمين في العمر، أكبر من شبابه، وبشكل متّسع ومطّرد.

وهو هرم غير قابل للاستمرار طويلاً. وفي منطق الشعوب والمجتمعات، هذا الوضع السكانيّ غير قابل للحياة.



*وهو أمام مؤدّى من اثنين:* إمّا انكسار الهرم كليّاً وسقوط المجتمع بالكامل، وإمّا أن تأتي مجموعة سكانية أخرى وتملأ هذا الفراغ الشبابي في وسط هرمنا السكاني.

في الحالتين، وبلا لزوم لتفاصيل، هذا خطر أول وأكيد على المقاومة وعلى التركيبة المجتمعية والسكانية التي انبثقت منها، والتي أنتجتها وأبقتها.

– خطر ثان بات واضحاً معيوشاً كلّ لحظة، اسمه انهيار النموذج الاجتماعي الاقتصادي لِما كان لبنان.

لا نتحدّث ههنا عن انهيار العملة وحدها، أو سقوط القطاع المصرفي، أو أزمة قطاع تربوي هنا أو صحّي استشفائي هناك.

نحن نتحدّث عن نموذج كامل، لحياة مجتمع وجماعة بشرية، بات منعدم الوجود. خلال ثلاث سنوات ونيّف، ما سقط وقضى أكبر من أزمة أيّ قطاع محدّد.

*إنّه مبدأ علّة وجود هذا المجتمع:* ماذا يُنتج وماذا يستهلك وكيف يموّل الحركتين؟ ما الذي يربطه بالعالم من حوله؟ أيّ أنشطة حياتية تؤمّن بقاءه وتفاعله مع العصر؟



أيّ ناتج وطني لخمسة أو ستة ملايين إنسان؟ ومن أين يتأتّى؟ ماذا يصدّرون وماذا يستوردون وكيف يظلّون على قيد الحياة، أفراداً ومجتمعاً؟… كلّ هذا سقط.

وهنا أيضاً، يعتقد بعض الظّانّين سوءاً بحزب الله أنّ مشروعه السياسي غير متضرّر من هذا السقوط.
Sadawilaya.Com
*تتمة المقال…*

يهمس بعض أصحاب ألسنة السوء أنّ الحزب يعتبر نفسه وناسه وبيئته غير معنيّين بكلّ ما سقط. فالمصارف مسيحية سنّية. والقطاع التربوي لا يشبهه ولا يحمل إيديولوجيّته. كلّ الباقي لا يخدم فكره ومشروعه.

وبالتالي لا ضير من سقوطه. لا بل ربّما هناك منفعة مباشرة أو غير مباشرة جرّاء هذا الانهيار… ثمّ يقول هؤلاء أيضاً إنّ حالة البؤس الشديد التي نجمت عن الكارثة، ضرورية لاستدامة أحزمة الحاجة وعشوائيّات الفقر.

وهي أساسية لاستدامة خزّان التجنيد والتحشيد لصالح حزب الله. تجنيد الأشخاص وتحشيد الأفكار. إذ لا يمكن…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى