لبنان: التكليف من الداخل والتأليف من الخارج
مجلة تحليلات العصر الدولية - د. أحمد الزين

بعد إعتذار الرئيس المكلف السابق سعد الحريري وفشله الذريغ في تأليف حكومة وإمتناع السعودية تعويمه وضياع 9 أشهر من عمر اللبنانيين، يعاد مجددا تكليف الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة، الاتي من نفس المنظومة السياسية الحاكمة، حيث لا تزال تشهد عملية التأليف مدا وجزرا، وتثير الكثير من التسأولات لدى الشعب اللبناني المثقل بإزمات معيشية واقتصادية ومالية خطيرة.. الى متى ستبقى هذه الطبقة السياسية الفاسدة تخاطر بمصير لبنان واللبنانيين؟ وكأن قدرهم ان تكون مفردات انفراج الازمات المعيشية واستقرار الليرة مقابل الدولار والتفاؤل بتأليف حكومة فيه كالعملة الصعبة تتأرجح في بورصة المنتفعين والفاسدين بحثا عن أرباح ومنافع ومكاسب أضافية..
الرئيس المكلف ميقاتي الوحيد المقبول داخليا وخارجيا، يُعاد تكليفه كل مرة قبل إستحقاق الانتخابات لإعطاء لبنان فرصة كسر جليد المرواحة والمرواغة والمناورة السياسية، وربما يستخدمه الخارج لفرض واقع سياسي جديد تضمن عدم تأليف حكومة من لون واحد، ويعطيه فرصة اوفر لاستبدال صيغة الحكومة المتفق عليها في المبادرة الفربسية بصيغ بديلة إلتفافية تروق للحليف الاقليمي السعودي (الذي يتجسس على ساسة لبنان ببرامج إسرائيلية) والشريك الفربسي والامريكي الذان يفرضان حصار وعقوبات.
وبعد سلسلة من المشاورات النيابية غير الملزمة واللقاءات الحوارية في المجلس النيابي بين الرئيس ميقاتي وبين الكتل والاحزاب السياسية لإشاعة أجواء الثقة المفقودة فيما بينهم، ولتضييق مساحة التباينات في السياسة بمجمل الملفات الوطنية الداخلية، وبمجمل القضايا الخارجية المرتبطة بوجهة لبنان السياسية بعد إعلان رغبته بالتوجه شرقا، مما فاقم الوضع السياسي في الداخل ولا يزال يشهد تراجعا خطيرا أتخذ طابع ازمة حكم وازمة نظام وازمة ثقة.. وربما تطول معالجتها وتّؤدي الى تعطيل تشكليل الحكومة مرة ثانية ويدخل لبنان مجددا في دائرة مفرغة، ما لم تتضافر جهود كل القوى والكتل السياسية لمعالجة أسبابها ووضع أمام اعينهم أولوية مصلحة الوطن والمواطن. وربما جاءت زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون الى لبنان سابقا في هذا السياق وفقا لمعادلة لبنانية فريدة استثنائية قوامها: التكليف من الداخل والتأليف من الخارج“.
وبات أنتظار الشعب اللبناني ولادة حكومته مثل توقعات الطقس في بريطانيا متقلبة تتناوبه أربعة فصول موسمية يوميا صعودا ونزولا، مما يجعل شروق شمس الحكومة محجوبا من كثرة غيوم تعقيدات النظام الطائفي البغيض، وتناقضات الاحزاب السياسية، وحماية حقوق الطوائف وخلل صيغة توازناتها، ومستجدات الخلافات السياسية بين الاكثرية والاقلية، وربط هذه القوى التأليف واسماء الوزراء باستحقاق الانتخابات النيابية القادمة، وتبادل الإتّهامات المتبادلة بالتعطيل وفقدان الثقة بين الرؤساء، والنزاع على الحقائب الوزارية السيادية، وعلى تسمية الوزراء أكانوا سياسيين او اختصاصيين ام تكنوقراطيين او مستقلين!! (وهذا تذرع تفصيل للتعطيل، وبينما هو سيان عند الشعب الذي يعاني الجوع والحرمان).. ناهيك عن عقدة التشكيل وإشكال التبعية الخارجية للرئيس المكلف وانتظار كلمة السرّ من الخارج أكان فرنسيا أم أمريكيا أم سعوديا!! والسؤال: هل رفع الفيتو وسمح بوجود حكومة في لبنان ام لا؟؟
لبنان يعاني أزمة حقيقية مع تفاقم هذه المعضلة الوطنية، ومع وجود هذه الطبقة السياسية الفاسدة التي تخشى خسارة رصيدها الشعبي وأمتيازاتها، لذا تراها تدأب على إعادة تموضعها وتلميع صورتها وتحسين أدائها الآني في محاولة للتملص والتهرب من مسؤوليتها بالفاجعة الأليمة جراء إنفجار المرفأ وتداعيات الانهيار والفوضى والدمار (خطاب الحريري امس أنمودجا).
هذه الطبقة لا تزال تتلكأ بإتخاذ خطوات فورية لإنقاذ الاقتصاد المنهار، وتمتنع عن القيام بإجراءات جدية في تسريع عملية الإصلاحات ومعالجة الازمات المستجدة (من كهرباء ودواء وبنزين ومازوت..).. مما يستدعي من الشعب اللبناني إتخاذ موقفا حازما لتعرية السياسيين المعرقلين ومافيات التهريب والتجار الفاسدين والكارتيلات المحتكرين، وباسقاط الحصانات عنهم، وتقديمهم الى القضاء المختص، ومعاقبتهم في الانتخابات القادمة بعدم تزكيتهم والحيلولة دون إعادة إنتاج نفس هذه الطبقة السياسية الفاشلة.
وهناك مسؤولية وطنية اخرى تقع على الجميع بوضع كل ملفات الفساد ونهب المال العام، وملفات تهريب الاموال المنهوبة، وملفات الهندسات المالية المشبوهة من قبل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وكشف كل الحقائق والوقائع والمعطيات وكل ما يظهره التحقيق في ملف التدقيق الجنائي بتفجير مرفأ بيروت في 4 أب/ أغسطس 2020، أمام الشعب اللبناني والقضاء ليحاسب كل متورط على فعلته أو تواطؤه بكل شفافية وصدق ونزاهة ولينال عقابه بكل حق وعدالة.
أمام هذا الواقع السياسي المعقّد، تتضاءل احتمالات التشكيل والتأليف كالعادة بسبب تشابك الملفات والمصالح الداخلية والخارجية، وتتبدد احتمالات التغيير والإصلاح المنشود، والذي سيوّلد إحتقان متصاعد وزيادة وتيرة الأخطار والاهوال والمآسي بسبب سوء تردي الازمات والاوضاع المعيشية السيئة نتيحة سياسات الاحتكار والتعنت والكيدية والمناكفة والمهاترة والمنافع الشخصية والمصالح الحزبية من قبل هذه القوى السياسية المتصارعة فيما بينها..
لا يُخفى على أحد بان التأخير بإعلان الحكومة العتيدة وضياع المزيد من الوقت، قد يؤدي الى انتفاضات شعبية وثورات غاضبة وقطع طرقات.. مما قد يؤدي الى الفوضى الشاملة وفلتان الوضع الامنى من قبل الصائدين في الماء العكر، وربما الى انتكاسات أمنية خطيرة وإغتيالات من قبل العدو الصهيوني، ومن عملاء الداخل المرتبطين بالمشروع الامريكي الصهيوني السعودي..
لذلك من إلتزامنا بالحسّ الوطنية والواجب الإنساني تجاه شعبنا المعذّب، يتوجب علينا دائما أن ننذر هذه الطبقة السياسية المفروضة علينا، ونحذّر: ”أما جريان سفينة نوح للانقاذ والإصلاح، وأما أمواج الطوفان وهلاك الجميع؟“.