بقلم: د. سعد عبيد حسين
( مهداة لصاحب الذكرى الأمام روح الله الموسوي, المولود في مدينة خمين من توابع اصفهان, والمتوفي في طهران)
لم أتحدث هنا عن السيد العرفاني علي القاضي, ولا عن هاشم الحداد, ولا عن السيد السبزواري, أو عن السيد محمد محمد صادق الصدر( كُتِبَ عنهم بانهم أهل عرفان), كما أني لم أتحدث عما قاله هيكل في مدافعه( نسبة لكتابه , مدافع آية الله), أو لفرويد, او عن فرانك في كتابه ( العلاج في المعنى) أو عن الباراسايكولوجيا , إذ فيما سأقوله ينبع ويصب في مختلف الجنسيات والاعراق والديانات والافكار, فلا تتهم من يحب هذا الرجل, أو من سار على نهجه فلهم أسرارهم في شجرة ستاتي أكلها حين تَحين, فاحمي نفسك بورقة منها أو غصن, أو مكان من ظلها الظليل, كي لا تضل ضلالا بعيداً.
*فقبل 50 عاماً, من على كتفي دفعتني أمي وهتفت ذاك الخميني, إركض وقبِّل يده, إرتعبت وتسمرت من هذا الأسم وأنا صغيراً, -جئت وأمي لزيارة قبر ابي الذي لم تره عيني منذ الولادة- حسبت انه آلة جارحة, أو شيء يشبه الشوك أو الصنوبر, هكذا كان تصوري إذ أني لم أسمع بأسم كهذا( وما كنت أعلم بان خمين هي منطقة في اصفهان ولد فيها الامام روح الله مصطفى الموسوي الخميني نسبة لهذه المدينة), وأذا برجل يرتدي العمامة السوداء وهو يدخل ضريح الامام علي, إلتَفَّ حوله بضعة رجال ونسوة واطفال يسلمون عليه, فادركت مقصود أمي, ودون شعور منِّي رحت مهرولاً, وإذا به يمسح على رأسي دون الباقين, فمن علمه بأني يتيم؟!, فما أحسست بيتمٍ بعد ذاك أبداً, وأحسست بطمأنينة, وحلاوة تحت لساني وعبرة في قلبي ونبضاً يتسارع كلما تذكرت تلك المسحة ,ولا أعرف سرها, وبعد أكثر من خمسة عشر عاماً مسح على رؤوس ومن ضمنها رأسي أذ كان الحضور أكثر من 500 رجلاً من بلدان مختلفة, ومنهم من الشعب الايراني, لكن ليس في مدينة النجف, ولا في نوفيلاشاتو (الحي الذي سكن فيه الامام الخميني في فرنسا قبل العودة لايران), بل في طهران في حسينية جمران, وبعد ان اكمل حديثه-الأمام- وقام ثم رفع كفيه ليسلم ويودع , وإذا به يمسح على رؤوس الحاضرين عن بعد على الهواء ليمررها على رؤوس كل الحاضرين, وما إن وقعت كفاه على رأسك, فإذا بمغنطة ترفع قلبك من جوفك الى حلقومك فتختنق بنبض قلبك ولا تهدا حتى ينساب وينهمر الدمع من عينيك دون شعور, إلاَّ أنك لا تعرف سر ذلك, والكل على هذه الصورة والشاكلة, فهي واحدة للجميع, فسالت عمن كان في يميني ما شعورك, وإذا به يَمَنيّ, وسألت من في شمالي, وإذا به لبناني, ثم تونسي , وجزائري وبحريني وسعودي, وفرنسي, وسوري, وفلسطيني, ونيجيري ووو, والعجب أن مَسَّهُم المَسْح مثلي – لا المَسَّ الذي مَسَّ العالم حينها- وما عرفنا السر في تلكم المسحات, وبعد نَيِّف من السنين حيث رحيل الامام الخميني الى الرفيق الاعلى, وصلاة الجنازة من قبل اية الله الكلبايكاني على الامام, والكل يبكي فشق دوي البكاء حينها عنان السماء, وكنت في السطر الخامس عشر من المصلين إذ لَحَظْتُ بعد الصلاة صحفياً يحمل كامرة لكنه يبكي طلب مني قلماً, فسالته واذا به أمريكي بجانبه بريطاني قد أخذو منه القلم في المطار -لانه يحمل كامرة على مايبدو بعد أن أخفاه عنهم- فقلت له لم البكاء إن كنت أمريكياً ألا يفرحك موته, بكى أكثر قال لا أعرف سر بكائي لكني أحس أنه قائدي, بل أن المسيح وكانه للتو صُلِبْ واحتضنني دون شعور وبيكينا معاً ثم توادعنا بلا لقاء ثاني, ثم سارت الجنازة في البدء مكشوفة والعمامة على صدر الإمام, ثم تلاقفها المشيعون بلا شعور فكل يروم حصول خيط او قطعة منها كذخيرة او ذكرى أو بركة ووو , كل حسب فلسفته- بعد اسبوع حصلت على خيط منها إستشرعنا فخولونا باقتنائه- ثم استبدلت الجنازة ثلاث مرات في تلك الساعات , وبينما نسير في تشييع الجنازة ونجوب شوارع العاصمة طهران صوب بهشت زهراء(جنة الزهراء,منطقة تبعد 30 كلم جنوب طهران موقع ضريحه الحالي), واذا بالمسيحي الايراني يبكي فاسألته لم تبكي فيجيب إنه أبي إنه قائدي, سألت يهودياً إيرانياً, سألت يزيدياً, أو زرادشتياً, سألت مسلماً سنياً, شيعيّاً, باكستانياً, هندياً تركياً, والله الكل يجيب مع بكاء وصراخ ويقول لا أدري لماذا أبكي لكني أحسه أبي وقائدي, ياسبحان الله, الكل نفس المشاعر, ما السر في ذلك الرجل إذن؟!.
** بعد ثلاثين عاماً انتقلت المسحة وسرها من الروح إلى عطر ورائحة ذكرى الروح السيد الخامنئي, ليرفع يده ليمسح على رؤوس الفقراء والمستضعفين والمظلومين والمقاومين, وهنا أدركت سر ذلك البكاء وفلسفة المسحة, حينما رأيت اليوم اليمني والبحريني والفلسطيني والعراقي والسوري والسعودي, الجزائري والتونسي والمصري ووو ممن يرفضون الظلم والذل ورأيت اخوتي الذين التقيتهم في مكان مسحة حسينية جمران, فإذا هم قادة, فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلو تبديلا , ولعل سطوري هذه وفاءاً لتلك المسحة أرجو أن يتقبلها الله حينما تراها عين مؤمن محمدي أصيل فيدعو لي ولوالدي, بل أمي التي دفعتني هناك حيث المسحة الاولى قبل خمسين عاماً, فدونكم الظل والمسحة.