أحدث الأخبارالعراق

مبدئية الحاكم في صراعه مع القابضين الفعليين على السلطة

العصر- تشتد الصعوبة بل المحنة على رجال المباديء عند استلام السلطة فهي أصعب كثيرا مما عليه الحال ايام المعارضة سواء كانت معارضة سياسية في أجواء ديمقراطية وتداول سلمي للسلطة او معارضة تعيش حالة الاقصاء والاضطهاد والتنكيل.
يتصور الكثيرون ان المشكلة في ذلك تكمن فقط في اغراءات السلطة من مال وجاه وسلطة تحرك نوازع النفس البشرية للاستئثار بكل انواعه مما تدفع الى الظلم والتجبر على الاخرين والتنكر لمباديء العدل والمساواة والزهد والتواضع والحرص على المصلحة العامة وهي المباديء التي جاهد المعارض من اجل تحقيقها، وهذا التصور وان كان صحيحا الا انه ناقصا وعاجزا عن ادراك الحقيقة بكل جوانبها.
فالتحديات الأخرى التي يواجهها أصحاب المباديء عند استلام السلطة عديدة وصعبة وربما أصعب من تحديات نفوسهم التي ستميل الى الاستمتاع بالسلطة واعتبارها مغنما يجر الى الركون اليها والى امتيازاتها ، ومن أهم هذه الصعاب هو الصراع مع القابضين الفعليين على السلطة القادرين على افشال مخططات الإصلاح والبناء من خلال الأدوات العديدة التي بايديهم والتي لا حصر لعددها وانواعها داخل تراتبية السلطة من ادنى هرمها الى أعلاه ، والقادرين على تهييج الشارع ضد الحكام المبدئيين ويعينهم على ذلك عندما يكون مستوى الوعي السياسي والاجتماع السياسي متدنيا، وهو ما عليه الحال في اغلب البلدان التي عاشت القهر والتجهيل والانغلاق ردحا طويلا من الزمن ، اوانفتحت بعد ذلك على الحريات المنفلته ووسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي والفردي الحر في ظاهره والموجه في حقيقته.



ومن امثلة ذلك : سيواجه الحاكم هجمة شرسة عند اول مناورة سياسية من اتباع مبدئه المخلصين وقواعده الذين يصرون على تحقيق طموحاتهم بفوضوية ، فكأنهم يريدون الحاكم ممتشقا سيفه ليضرب القاصي والداني من المفسدين ويطهر مفاصل الدولة من اثارهم ويقص اجنحة المتحكمين بالدولة من خارجها ويقطع اذرع القوى الأجنبية وذيولها ومصالحها الضارة بمصلحة الشعب، فلا يؤمنون بالمراحل ولا بسنن الكون في الصراع والبناء ولا بالسياسة التي تعتمد في جزء كبير منها على التكتيك وجدولة الصراعات مع القابضين الفعليين على السلطة الذين لن يخطئوا تقييم الحاكم بعد صعوده الى السلطة بل يعلمون بكل اولياته قبل صعوده اليها ، وليس ذلك ذكاءاً منهم بل ان الامر في غاية الوضوح لان لديهم مكاسب يريدون الحفاظ عليها ومصالح يريدون تحقيقها وهذا محك عملي فأي تقصير بل عدم مبادرة من الحاكم لتامين امتيازاتهم والمحافظة على مصالهم ستكشف طبيعته وتوجهاته بكل بساطة.
ولو كان الامر متوقفا على هذا لهان الامر ولكن الأصعب ان كانت هذه القواعد المبدئية غير مستعدة لدفع ثمن الصراع وهو ما عليه الحال في كثير من الأحيان ، فيطلبون النصر بدون ان يدفعوا ثمنه ، فهل يعتقد ذو لب ان ادوات الفساد في الدولة سيسكتون على اقصاءهم من مواقعهم!؟ ام هل سيهدأ رجال السلطة الفعليين من خارج مؤسسات الدولة على ضرب اتباعهم والاضرار بمصالحهم وسد شرايين المال التي كان الفساد يغذيهم بها ؟! ام هل ستركن الدول الناهبة لخيرات البلاد الى ما نهبت وتترك أهل المباديء ليغيروا معادلات الحكم ؟! ماذا سيفعلون ؟ سيرمون الشرفاء بالاتهامات ، سيحركون الاعلام عديم الذمة ، سيحركون القواعد الأكثر ضررا في المجتمع والاصدق في المعانات وهم على الاغلب قواعد اهل المباديء ان نقصتها الحكمة ومعرفة أليات الصراع والدسائس وطريقة حياكتها ، وسيكونون في طليعة من يهب لاسقاط قادتهم طلبا للإصلاح ولكنهم سيصبحون يوما ليجدوا اراذل القوم قد تسيدوا عليهم وفي تشرين مثال صارخ.
لصراع الحاكم المبدئي في طريق الإصلاح والبناء طريقان لا ثالث لهما: اما ان يلجأ للصراع العلني المفتوح مع كل أوجه الفساد فيكسب رضا قواعده على كل حال ولو لأيام وهذا اقرب الطرق الى الهلاك ، هلاك الحاكم وشعبه على مقصلة التهور الا اذا توفرت عناصر نجاح قوية ، وهذه لا تتوفر دفعة واحدة، واما ان يزن الصراع بميزان الحكمة وصولا الى الطريق الأول – أي تصعيد الصراع – ولا ينسى مبادئه ، ومهما ناور في تكتيكاته السياسية لا تزيد هذه التكتيكات أهدافه الاستراتيجية الا وضوحا واصرارا عليها، متكئا على زهده بالسلطة التي لا يعيرها وزنا الا ان يحق حقا او يبطل باطلا مع استعداد للتخلي عنها ان لم تكن في طريق تحقيق اهدافه، ونزاهته وحسن اختيار بطانته وتنظيفها بصورة مستمرة ،وقواعد مستعدة لتحمل أزمات ملازمة للصراع مع الطغات من القابضين الفعليين على السلطة الذي سيفرشون طريق الإصلاح بالقتل والمفخخات والتفجير والتجويع والحصار الاقتصادي ، قواعد واعية تصم اذانها عن نفثات الشيطان الإعلامية ليكون النجاح على الأقل محتملا احتمالا لا باس به .
وكما قال تعالى في محكم كتابه الحكيم :
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ سورة البقرة 214 وقوله تعالى :
( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ۝ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) سورة العنكبوت:2- 3 .
اما من يتوهم ان هناك طريق ثالث وهو الخضوع لإرادة القابضين الفعليين على السلطة من اجل تمرير مصالح الشعب فهذا واهم ولم احتسبه طريقا لذي المباديء لانه طريقا للمتوهمين او المتخاذلين كما كان ينقل عن نوري السعيد في تبرير خضوعه للإرادة البريطانية القابضة على السلطة والمتحكمة بسياسة العراق أيام الحكم الملكي انني اغلق فوهة ” سبتتنك ” واذا رفعت الغطاء ستظهر الجيفة، كما ان في الطريق الذي خطه أنور السادات عبرة لمعتبر عندما تخاذل امام الكيان الغاصب في الصراع معه او توهم ضانّا انهم سيتركونه ليبني بلده عند الاستسلام لينزل بمصر من علياء البطولة في حرب تشرين الى تيه التطبيع طيلة ما يزيد على أربعة عقود لم تجن مصر الا تعب الدوران في حلقة مفرغة ، وهذا طريق لا يليق الا باهله وأصحاب المباديء ليسوا من اهله
احمد عبد الله الاسدي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى